بعض الأخبار لا يمكن أن تمر مرور الكرام. ولابد من التوقف عندها، والتفكير فيها وعن أسبابها ودلالاتها ومعانيها. من أهم هذه الأخبار فى الأيام الماضية خبر جنازة اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات ونائب الرئيس السابق، وبعيداً عما أثير من أن وفاة سليمان لم تكن طبيعية وأن هناك شكوكاً فى أن الوفاة جنائية أو بمعنى آخر أنه تم اغتيال عمر سليمان. بعيداً عن ذلك فإن جنازة سليمان نفسها، لم تكن جنازة طبيعية، رغم أنها كانت رسمية، وغالباً فى أى جنازة مصرية، فإن أغلب المشيعين يترحمون على المرحوم الراحل، والبعض يذكر سيئاته حتى وهو يمشى خلف النعش، تلك عادة مصرية قديمة! لكن جنازة عمر سليمان كانت شيئاً آخر، فمعظم الذين مشوا خلف الجثمان، كانوا من المتعاطفين وبصدق مع عمر سليمان، ليس أقاربه أو معارفه أو زملاءه ومرؤوسيه فقط، بل أطياف مختلفة ومتنوعة من أفراد الشعب المصرى. كانت جنازة عمر سليمان أقرب إلى مظاهرة سياسية، فقد رفض المشيعون حضور مندوب رئيس الجمهورية بل هتف كثيرون ضد جماعة الإخوان المسلمين وطالبوا بسقوط دولتهم وهتفوا ضد مرشد الإخوان! وهؤلاء لم يمنعهم الخوف، فقد حضروا الجنازة بأنفسهم، وصورهم وأسمائهم لم تكن مخفية، وكانت أصواتهم عالية، ولم يخشوا من أن تلقى عليهم التهمة التقليدية وهى أنهم فلول النظام السابق. لكن الذى لا يجرؤ أحد على إنكاره أن عمر سليمان كان واحداً من أخلص الوطنيين المصريين، وكانت له إنجازاته وبطولاته، ليس فى خدمة حسنى مبارك كما يحلو للبعض أن يزعم وإنما كرئيس للمخابرات المصرية، قدم الكثير والكثير من أجل مصر، وخدم وطنه بإخلاص. لم أعرف الراحل عمر سليمان ولم ألتق به، إلا فى بعض المناسبات الرسمية، لكنى فوجئت ذات يوم بأنى وصلتنى منه رسالة بخط يده وتوقيعه، يشكرنى فيها على كتابى «جاسوس من القاهرة» ويومها فوجئت بأن الراحل قرأ كتابى واهتم به وشكرنى على وطنيتي. وقانون المخابرات يفرض على رجالها ورؤسائها الصمت، وأن تبقى أعمالهم بعيداً عن الأضواء، لكنى أجزم بأن السنوات سوف تعطى شهادة حق وحقيقة حول الراحل عمر سليمان والدور الوطنى الذى قدمه لمصر، وأيضاً لقضية الشعب الفلسطينى. أبطال الحروب الحقيقيون.. لا يعرف أحد ماذا قدموا فى المعارك. وعمر سليمان.. كان واحداً من هؤلاء. رحمه الله. محمود صلاح