بعد يومين تحل الذكرى الستون لثورة 23 يوليو 1952، ولا أدري كيف ستتعامل مصر «تحت حكم الإخوان المسلمين» مع هذه المناسبة، خاصة بعد مقولة الرئيس مرسي «وما أدراك ما الستينات». والتي عكست مشاعر سلبية تجاه عهد الثورة وعبدالناصر، بكل ما فيه من إنجازات وعلامات مميزة في تاريخ مصر، ولا يستطيع لا الإخوان ولا غيرهم، أن يمحو من الذاكرة المصرية والعربية والعالمية أمجاد وإنجازات عهد عبدالناصر وثورة يوليو في مصر، وقد حاول الكثيرون على مدى الأربعة عقود الماضية تشويه هذه الحقبة والنيل منها، وفشلوا في ذلك، وبقي عبدالناصر رمزاً للشموخ والكرامة والإرادة العربية المستقلة. وبمناسبة ذكرى الثورة، فإنه يجدر الذكر أن "جماعة الإخوان" لم تكن ضد الثورة، بل كان بعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار من جماعة الإخوان المسلمين، لكن العلاقات تغيرت بعد ذلك عندما دخلت الجماعة مع قيادة الثورة في صراع على السلطة. وكان لدى عبدالناصر، الذي كانت له قبل الثورة علاقات بجماعة الإخوان، ولدى رفاقه في قيادة الثورة شكوك كثيرة حول انتماءات وولاءات جماعة الإخوان المسلمين وعلاقاتها الخارجية بجهات معادية للثورة، الأمر الذي أوجد الصدام بين الثورة والإخوان في إطار الصراع على السلطة. لكن الإخوان ذهبوا يصورون الصراع على أنه عقائدي بين الدين وأعداء الدين، وذلك بهدف تشويه صورة الثورة وعبدالناصر لدى الشعب، وزرع الفتنة داخل مصر، الأمر الذي أدى إلى إيقاف نشاط الجماعة ومحاكمة بعض قياداتها، وهروب الآخرين خارج مصر. بمشورة من واشنطن، وبالتحديد من هنري كيسنجر، أعاد أنور السادات الإخوان للساحة السياسية في مصر، لمواجهة المد الناصري والقومي واليساري الذي كان مسيطراً على الساحة السياسية، والذي كان يعيق خطط السادات وواشنطن لمرحلة ما بعد حرب أكتوبر عام 1973. ولم يفوت الإخوان الفرصة للثأر من عهد عبدالناصر الذي أطاح بهم، فذهبوا يقودون الحملة لتشويه إنجازات ثورة يوليو، ولتشويه سمعة عبدالناصر، مستخدمين سلاحهم المعروف؛ باتهامه بالكفر ومحاربة الإسلام وجر مصر إلى الشيوعية الملحدة.. ولم تفلح حملتهم هذه أمام ما قدمه حكم عبدالناصر للإسلام، والذي لا يتسع المجال هنا لذكره، ومنه على سبيل المثال، تأسيس أول محطة إذاعة مخصصة للقرآن الكريم تعمل أربعاً وعشرين ساعة، ودعمه الكبير للأزهر الذي شهد أزهى عصوره في عهد عبدالناصر، ودعم جامعة الأزهر بميزانية خاصة من الدولة، وبناء مدينة البعوث الإسلامية لاستقبال الدارسين في الأزهر من كل أنحاء العالم على نفقة الحكومة المصرية، وإصدار مجلة "منبر الإسلام" التي كان يكتب فيها نخبة من علماء الدين، والتي لم تر مصر مثلها بعد الستينات.. وغير ذلك الكثير والكثير. في ذكرى الثورة لا نطالب الإخوان بأن يقدموا لمصر وشعبها، ولو جزءاً بسيطاً من إنجازات ثورة يوليو وعهد عبدالناصر، فهذا أكبر بكثير من طاقاتهم وطموحاتهم، لكن نطالبهم فقط بأن يتخلوا عن حسابات الماضي وأن يلتفتوا للمستقبل، وأن يكون ولاؤهم، مثل ما كان ولاء عبدالناصر، فقط لمصر ولشعبها ولأمتها العربية والإسلامية. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية