فى الدولة المدنية الحديثة التى ينشدها المصريون لابد أن يكون قوامها المواطنة التى تحفظ للجميع حقوقهم، مسيحيين قبل المسلمين، البسطاء قبل الأغنياء.. فى الدولة المدنية التى تسود فيها المواطنة يكون الوطن للجميع والدين لله، على خلاف تماماً الدولة الدينية الثيوقراطية التى دائماً ما تثير الأزمات والخلافات والشقاقات بين أبناء الوطن الواحد.. وبما أننا فى مصر تحولنا إلى نظام مدنى لم تشهده البلاد من قبل، فلابد أن تكون المواطنة هى أساس هذا النظام السياسى الجديد الذى جاء بعد ثورة 25 يناير العظيمة. وكل المصريين بلا استثناء إلا من رحم ربى وهم قلة، يؤمنون بالمواطنة التى تعطى للجميع حقوقهم، فالكل شركاء فى الوطن، رغم الاختلافات الأيديولوجية والمعتقدات الدينية، من حق كل مواطن أن يعتنق ما يشاء من الأديان، ومن حق كل مواطن أن ينتمى إلى ما يريد من أيديولوجيات، والجميع يؤمن بأن الوطن للجميع، يضم كل أطياف المجتمع.. ولو تم تطبيق مبدأ المواطنة بحق، لن نجد على الاطلاق أى خلاف دينى أو مذهبى أو عرقى.. ففى دولة المواطنة المصريون شركاء فى الوطن مصر ينهضون به ولا أحد يشعر على الاطلاق بغبن أو ظلم أو قهر أو ما شابه ذلك.. ولا أحد ينكر على الاطلاق مدى الخوف الشديد الذى ينتاب حالياً الإخوة المسيحيين فى مصر، بعد صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وهؤلاء يتوجسون خيفة من ذلك، وتنتابهم مشاعر القلق والترقب، لدرجة أن هناك أصواتاً مسلمة ومسيحية طالبت جماعة الإخوان، بتطمينات على مستقبل الإخوة المسيحيين.. وهؤلاء معذورون فيما يقولونه وما يعبرون عنه من خيفة وتوجس، لكن أكبر رسالة تطمين يمكن أن تقوم بها جماعة الإخوان للجميع مسلمين أو مسيحيين هى تفعيل مبدأ المواطنة.. صحيح أن الدين الإسلامى هو دين الدولة، وعلى كل من يعتنق ديانة أخرى أن يحتكم إلى شرائعه فيما يخصه إلا أن ذلك ليس كافياً لنشر الطمأنينة داخل المجتمع المصرى، والذى يقضى على كل ريبة وخوف هو تفعيل مبدأ المواطنة، خاصة أننا نعيش الآن فى ظل دولة مدنية جاءت برئيس مدنى منتخب. وبما أننا الآن بصدد وضع دستور جديد للبلاد، لابد أن يتضمن هذا الدستور الوليد، تفعيل مبدأ المواطنة الذى يحفظ للجميع حقوقهم، وعلى لجنة المائة فى اللجنة التأسيسية المكلفة بالدستور أن تراعى ذلك، والا يكون العمود الرئيسى للدولة المدنية هشاً، فإذا كان الجميع من اللجنة حريصاً على دستور ديمقراطى، فلابد أن يتم تفعيل مبدأ المواطنة، وهو وحده كاف بأن يكون أكبر رسالة تطمين ليس فقط للإخوة المسيحيين ولكن لكل جموع الشعب المصرى العظيم.. وأى حديث آخر عن تطمين المسيحيين بدون تحقيق المواطنة يكون كلاماً فارغاً لا يشفع ولا ينفع.. ففى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، التى يسود فيها مبدأ المواطنة، تضمن للوطن السلامة، وتنأى به عن أى قلاقل أو مشاكل وبخلاف ذلك نتوقع اضطراباً وخلافاً وانشقاقاً بل وفوضى عارمة تضرب الوطن فى مقتل. المواطنة تحقق للجميع الحرية فيما يعتنق والحرية فيما يدين به،فى إطار القانون والدستور، فالإخوة المسيحيون ليسوا بمعزل عن الوطن بل هم شركاء فيه، يؤلمهم ما يؤلم إخوانهم المسلمين ويفرحهم ما يفرحون به، والكل سواء أمام القانون، وبذلك تحفظ هيبة الوطن وصلابته فى درء أية أخطار قد يتعرض لها. أما إذا دفنا رأسنا فى التراب، وتغاضينا عن تفعيل المواطنة نكون بذلك عازمين على حرق الوطن، ولا أعتقد أبداً أن أى مصرى يقبل أن يتعرض الوطن لأى سوء أو مكروه. فى دولة المواطنة نبنى مصر وننهض بها لنكون دولة قوية تعود إلى مكانتها العظيمة التى يحلم بها كل مصرى وطنى..وبغير ذلك نتوقع الخراب والدمار.. اللهم احفظ مصر وأعن من يقوم بوضع الدستور لتفعيل مبدأ المواطنة.