على رصيف محطة مصر، يسير بخطى غير ثابتة، مرتديًا جلبابا ليغطى جسده النحيف، حاملًا على كتفيه حقيبته، ومن خلفه تسير زوجته قابضة بيديها ابنيها الإثنين، وفى إحدى زوايا المحطة جلس ليلتقط أنفاسه. عبد الفتاح على، رجل صعيدى من محافظة سوهاج، جاء إلى القاهرة ليعمل فى المعمار، يقطن فى منطقة فيصل، وقال إن الحادث الذى وقع على رصيف محطة رمسيس لن يرهب المواطنين إطلاقًا، مشيرا إلى أن القطارات الوسيلة الأرخص للمواطنين الصعايدة العاملين فى القاهرة. «شاى يا أستاذ.. شاى يا معلم».. بهذه الكلمات يرددها بائع الشاى على رصيف المحطة، للمواطنين المنتظرين قدوم القطار من الوجه البحرى القاصد جنوب الصعيد، ولم تمر دقائق معدودة حتى دوت صافرات قدوم القطار في أرجاء المحطة، التى تحولت إلى أشبه بساحة القتال فالمواطنون يتسابقون على أولوية الدخول لحجز المقاعد المليئة بالأتربة. ومن داخل القطار دنيا تانية رصدتها عدسة «الوفد»، أجساد المواطنين تتلاحم من كثرة الزحام، لتكون عربة القطار أشبه ب «علبة السردين»، مقاعد مليئة بالأتربة، وطرقات غير واضحة معالمها من كثرة القمامة والمسافرين. عشرات المواطنين افترشوا على أرضية القطار، غير عابرين بالروائح الكريهة المنبعثة من القمامة الملقاة أسفل المقاعد، أو المنبعثة من الحمام، بدأ المواطنون الذين فازوا بالحصول على المقاعد يرددون أدعية خاصة بالسفر والبعض الآخر يتشاجرون بسبب حجز المقاعد للأصدقاء والأقارب لحين وصولهم إلى المحطة. حمام القطار، يصيب بالغثيان لما يحتويه من روائح كريهة تنم عن عدم نظافته لشهور طويلة، وبرغم ذلك اتخذه بعض المسافرين مكانًا وافترشوا بداخله وبدأوا يتناولون وجبة الغذاء غير عابرين لما يحيطهم!. أقدام الباعة تسير وتدهس الجالسين، وصراع الأطفال تعلو شيئًا فشيئًا، وصراعات مستمرة على طول الطريق، وأصوات عالية بنبرات ذات حدة عالية، بين الباعة والمواطنين المفترشين على أرضية القطار. «عيش.. جبنة وبيض وعيش».. جملة اعتاد مستقلى القطارات سماعها فور الدخول إليه، من قبل الباعة المتجولين، لم يعلم أحد مصدر هذه المأكولات، وخطورة تناولها من أيادى الباعة المتسخة، وبرغم ذلك، يجبر الجوع بعض المواطنين على تناول مثل هذه المأكولات. «الحال عمره ما هيتعدل».. بهذه الجملة استهل عبد الكريم حمدى، أحد الركاب، وقال إنه يستقل القطار منذ 12 عاما، مؤكدًا أن منظومة القطارات فى مصر لا تزال فى حاجة إلى تطوير. وتابع: «أنا مش بسافر للصعيد إلا فى الظروف الشديدة، وكل مرة مش بلحق أجيب تذاكر مكيفة فبركب القطار ده من القطارات هى الأفضل فى السفر ولاهميتها هذه ينبغى تطوير منظومتها. والتقط أطراف الحديث راكب آخر قائلًا: «القطار أهون بكتير من الميكروباصات.. ده غير أنه أرخص طبعًا»، مشيرا إلى أنه يشاهد العديد من التجاوزات داخل القطار منها نصب الباعة المتجولين على الركاب، فيعلنون عن أسعار المشروبات، وبعد التناول يضاعفون السعر وعندما ترفض دفع المبلغ، تتعرض للضرب، وكثيرًا ما شاهد هذه المواقف أمامه. اعتراف وجاء حادث انفجار جرار قطار محطة مصر ليفتح من جديد ملف هيئة السكة الحديد، التى عانت خلال السنوات الماضية من الإهمال، الأمر الذى اعترف به الدكتور عمرو شعت، مساعد وزير النقل، فى تصريحات صحفية سابقة مؤكدًا وجود مناطق لم يلمسها التطوير منذ أكثر من 50 عاما، مشيرا إلى أن هناك نقصًا فى عدد الجرارات، فضلًا عن أن 80% من عربات القطارات متهالك. وكشفت التحريات الأمنية مفاجأة حول أسباب وقوع حادث القطار على رصيف نمرة 6 بمحطة رمسيس، وقالت إن سائق الجرار المنكوب يدعى علاء فتحى، مقيم فى طنطا ويعمل «سائق خدمة بالقاهرة» وقعت مشاجرة بينه وبين سائق آخر يدعى أيمن أثناء التحويلة فى حوش المحطة؛ بسبب وقوع احتكاك بين الجرارين «المناورة» المتخصصين فى تدوير القطارات أثناء خروجها من المحطة. وأشارت التحريات إلى أن سائق الجرار المنكوب نزل للمشاجرة مع السائق الثانى بسبب الاحتكاك ولم يرفع فرامل القطار؛ ما تسبب فى تضاعف سرعته إلى أن دخل المحطة ثم وقعت الكارثة. ولم تكن المرة الأولى لتحرك قطار دون سائق، فمنذ عامين و فى محافظة الإسكندرية تحرك القطار دون سائق أثناء تصليحه داخل ورشة الصيانة، وأنقذت العناية الإلهية المكان من كارثة، ومنذ عام كانت واقعة أخرى من داخل ورشة الفرز فى محطة مصر، وأيضًا تم السيطرة على الوضع حينها دون خسائر. وقال وليم زكى، رئيس رابطة سائقى القطارات سابقًا، إن جرارات القطارات فى هيئة السكة الحديد تفتقد وسائل الأمان، منها «رجل الميت» الخاص بتوقف الجرار حال تعرضه للوفاة أو وعكة صحية مفاجئة، كما تفتقد المحطات الصدادة فى جميع الأرصفة التى تمتص سرعة القطار حال حدوث حادث. وأضاف «زكى» أن من وسائل الأمان المفتقدة خراطيم الإطفاء داخل المحطات، الأمر الذى أدى لزيادة الخسائر فى حادث محطة مصر، كما نوه بتعطل جهاز «ETC» الخاص بتحديد سرعة القطار، فجميع القطارات مفتقدة الجهاز والذى يسمى ب«التحكم الآلى». أستاذ الطب النفسي: «علاء» كارثة نفسية الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي، بجامعة عين شمس، قالت إن قائد جرار قطار محطة مصر «علاء محمد»، يمكن تحليله من خلال 3 زوايا، ففي البداية حينما ترك الجرار للمشاجرة مع زميل له، فهو بذلك شخصية اندفاعية، وتلك الشخصية ليس له الدراية الكاملة في التعامل مع المواقف ومستهترة، فضلاً عن اللامبالاة، كما تعد كارثة نفسية. وأضافت عيسوي، أن الشخصية المندفعة ليس لها صلاحيات قيادة مثل هذه الجرارات لكونها مستهترة، كما لا يتحمل العمل تحت ضغط الأمر الذي دفعه لترك العمل والذهاب للمنزل، وهذا أكبر دليل على اللامبالاة، مشيرة إلى أن السائق يميل إلى التصرفات الطفولية حينما أراد التشاجر مع زميل له ترك الجرار غير عابر بمدى المخاطر التي تقع، ولا يستوعب مدى المخاطر التي تحاصر الأخرين. وأشارت الخبيرة النفسية إلى أن السائق في حديثه مع وسائل الإعلام حول الحادث أوضح مدى تبلد مشاعره، واللامبالاه في الحديث عن قضية هزت الرأي العام، ولهذا خلال الأيام المقبلة، سنجد تغيرات في سلوكياته، فتاره ستجده يضحك ثم يبكي، وهذه هي مرحلة تسمى الصدمة المتوسطة. وطالبت أستاذ الطب النفسي الجهات المختصة بإجراء فحص نفسي بشكل سنوي لكل العاملين في الدولة والذين يتعاملون مع المواطنين بشكل يومي، لاحتمال إصابة أحدهم باضطراب نفسي، وهو الأمر الذي قد يتسبب في كارثة. أستاذ قانون: قضية سائق القطار تحولت إلى جنحة! قال الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام، ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن حديث علاء فتحي حول حادث محطة مصر، حولت القضية من جناية إلى جنحة وعقوبتها أصبحت الحبس بدل السجن. وأضاف أستاذ القانون العام أن هناك نوعين من الجرائم؛ أولا العمدية ولابد أن يكون به ركنان الأول مادي وهو السلوك الإجرامي، والثاني معنوي وهى الإرادة نحو تحقيق هدف إجرامي، أما النوع الثاني الجرائم غير العمدية، يتوفر فيها الركن المادي، وينقص بها الركن المعنوي، وتصريحات السائق تنفي عمله بوقوع الحادث ونيته في تحقيق الواقعة. وأشار «مهران» إلى أن هناك قضية أخرى ظهرت لسائق القطار وهى تعاطي المخدرات، وهى تهمة جديدة بجانب جنحه حادث القطار، وبهذا تكون جنحة مشددة، وهو ما يعرف في قانون العقوبات ب«التعدد المادي» وفقا للمادة 32 من قانون العقوبات، وبهذا تصل مجمل الأحكام في تلك القضيتين ما بين 5 و7 سنوات. ونوه مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية إلى وجود شبهة إرهابية في الواقعة، تم التخطيط إليها من عناصر فاسدة، مشيرا إلى أن من السائق سيتعرض لعقوبات تأديبية منها الفصل من العمل وحرمانه من العمل في مكان آخر، متسائلاً: كيف سمحوا في هيئة السكة الحديد لمتعاطي مخدرات بقيادة القطار ويكون مسئولا عن أرواح ملايين المواطنين؟. وطالب مهران مسائلة كل العاملين في هيئة السكة الحديد، المتسببن في وجود السائق حتى الآن برغم وقوعه في قضية مخدرات. ونوه «مهران» إلى بعض الجمل التي استخدمها السائق للهرب من الجنايات إلى جنح، ومنها الجرار حالته بايظة ولو كانت حالته كويسة مكنش حصل كل ده، وبهذه الجملة تقع المسئولية على الهيئة، والمفروض أوقف الجرار لكن أنا اهتميت اتخانق مع زميلي اللي خبط فيا، ولما نطيت من الجرار عشان اتخانق نسيت أعمل احتياطاتي عشان يوقف، ولما الجرار انطلق بسرعة كبيرة اتصلت بالبرج رد علي مرة والمرة التانية مردش على البرج كان ممكن يعمل حاجة لكن لما كلمته مرة رد علي الموظف قالي ماشي ماشي، والمرة التانية مردش علي الموضوع ده بيحصل كتير لأن الجرار ده وغيره مينفعوش يطلعوا والمفروض يبقى فيه اتنين على الجرار مينفعش يطلع السواق لوحده لكن كله بيأكل عيش، انا بعد الحادثة روحت عادي ونمت كنت مجهد وكنت هروح الشغل بكرة عادي محدش قالي إن فيه حادثة اتقالي تصادم بس. استقالة هشام عرفات ليست الأولى فى وزارة النقل في فبراير 2017 تولى الدكتور هشام عرفات، وزارة النقل، وسعى كثيراً في تطوير هيئة السكة الحديد، حيث صمم أكثر من 10 كباري، كما سبق له المشاركة في تصميم وإنشاء الخطين الأول والثاني من مترو الأنفاق، كما عمل لفترة استشاريًا في المملكة العربية السعودية. وأشرف عرفات على عملية تمرير الحفار العملاق نفرتاري أسفل ماسورة الصرف الصحي في شارع بورسعيد في منطقة باب الشعرية عام 2010، خلال تنفيذ المرحلة الأولى من الخط الثالث للمترو حيث رأس لجنة شكلها وزير النقل الأسبق علاء فهمي للإشراف على عملية نقل الحفار في هذه المرحلة، التي كانت هي الأصعب بسبب التخوفات من حدوث انهيار أو كسر للماسورة مما كان سيترتب عليه من غرق القاهرة في مياه الصرف الصحي، إلا أنه استطاع إتمام العملية بنجاح، كما كان يشغل رئيس قسم الهندسة الإنشائية بجامعة المستقبل. حافظ وزير النقل السابق هشام عرفات على منصبه، حتى وقع حادث انفجار قطار محطة مصر، ما دفعة للتقدم بالاستقالة، ليعكس الصورة الإيجابية للحكومة المصرية في تحمل الوزير مسؤولية ملفه، ومن قبل قدم المهندس إبراهيم الدميري، استقالته من وزارة النقل في حكومة حازم الببلاوي، حينما وقع حادث قطار دهشور، واصطدم القطار بسيارة نقل وأخرى «ميني باص»، وراح ضحيته 27 شخصًا، في سبتمبر 2013. كما تقدم المهندس محمد لطفي منصور، باستقالته من وزارة النقل في 2009، وأعلن مجلس الوزراء قبول الرئيس الأسبق حسني مبارك استقالة المهندس محمد لطفي منصور، على خلفية تصادم قطارين بمدينة العياط بمحافظة 6 أكتوبر من العام نفسه. وفي 17 نوفمبر 2012، تقدم المهندس محمد رشاد المتيني، استقالته من وزارة النقل، وبلغ عدد الحوادث في عهده نحو 15 حادثة، أبرزها تصادم قطاري الفيوم، الذي وقع ضحيته 4 قتلى و43 مصابًا، وأُقيل بسبب تصادم قطار أسيوط بأتوبيس لنقل الأطفال كان ضحاياه 47 طفلًا و13 مصابًا. المهندس حاتم عبداللطيف، والذي تولى الوزارة في 17 نوفمبر 2012 حتى 8 يوليو 2013، وأُقيل من الوزارة بسبب حادثة قطار البدرشين يوم 15 يناير 2013، الذي أوقع 19 شخصًا صريعًا، وأصيب 117 آخرون.