حظى فيلم المخرج المكسيكى ألفونسو كوارون، الجديد «روما – Roma» على قدر كبير من الاحتفاء خلال عرضه الأول بمهرجان ڤينيسيا السينمائى، فكان هناك جمهور كثيف توّاق لمشاهدته ونقاد معجبون بأعماله، فسجله الفنى يحفل بالعديد من الأعمال السينمائية الهامة، فأبى أن يرحل دون أن يقتنص «الدب الذهبى» من المهرجان، ومن هنا خرج ليستكمل مسيرة نجاحه التى بدأها من ڤينيسيا، فاستطاع أن يهيمن على جوائز المهرجانات السينمائية العالمية أبرزهم جولدن جلوب، والبافتا البريطانية، وجائزة اختيار النقاد، ونقابة ممثلى الشاشة حتى توج بأوسكار أفضل إخراج. عبّر شخصيات رئيسية لم يعتد المرء عليهم كثيراً وبطلة غير معروفة، وقصة بسيطة ربما تكون معتادة ومتكررة، وخيوط سردية واضحة المعالم، وشريط سينمائى بالأبيض والأسود، تمكّن ألفونسو، من رسم ماضيه، وإيضاح الترابط العاطفى الذى نشأ بين عائلته والخادمة «كليو»، وسرد تفاصيل حقبة كاملة بكل ما فيها من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية، بدون تعقيد أو تشابك فنى. فى «روما» تيمناً ب«حى روما» فى مكسيكو سيتى، يمر المخرج بإطلالات على التاريخ دون عمد منه، فكان كل ما يشغله هو إبراز شخصية الخادمة «كليو»، الفتاة الصغيرة البريئة والساذجة، القادمة من الأرياف، والمرتبطة بشاب أهوج غير جدير بتحمل المسئولية، والمنضم إلى ميليشيا مسلحة يظهر دورها فى نهاية الفيلم، يتخلى عنها فى ذروة علاقتهما بعد علمه بحبلها، ليتحول الفيلم من دراما اجتماعية إلى بانوراما تاريخية يمكنك استشراف مستقبل دولة المكسيك خلال الأعوام القادمة من خلالها. ابتعد «كوارون» الذى تولى كتابة وإخراج وتصوير ومونتاج الفيلم، فى سرد «سيرته الذاتية» عن شخصه، ليجعل من «كليو» التى جسدتها «ياليتزا اباريسيو» بطلة تتمحور حولها الأحداث. لم يكن ألفونسو الذى حصل مؤخراً على أوسكار أفضل إخراج عن فيلمه روما، إلى جانب جائزتين أفضل فيلم أجنبى وأفضل مونتاج غريب أو جديد على جائزة الأوسكار الذهبية، فقد حصل من قبل على أوسكار أفضل مخرج وأفضل مونتاج عن فيلم Gravity. فى حوار خاص أجرته مجلة فارايتى الأمريكية، مع المخرج المكسيكى ألفونسو كوارون، أعرب عن سعادته باستيعاب أكاديمية العلوم والفنون المانحة للأوسكار لقصة جديدة مثل «روما» الذى يخلو من المشاهير المعروفة، كاشفاً عن أمنيته فى أن تصبح هوليوود أكثر شمولية فى القصص التى تضعها على الشاشة. رغم حصوله سابقاً على الأوسكار عن فيلم «Gravity» لكن الأوسكار الذى حصل عليه عن فيلم روما كان له مذاق مختلف، لأنه يحكى عن تجربة شبه ذاتية عنه، بجانب قصته الذى يعتمد على خادمة منزلية بسيطة، وصورة بالأبيض والأسود، وهذا ما يتعارض إلى حدّ ما مع شروط الفيلم الحاصل على الأوسكار، ففى «روما» يشعر بلذة انتصار لم يذقها من قبل حسبما صرح فى حواره. وأشار إلى أنه لم يتوقع مطلقاً الاحتفاء الكبير بالفيلم وصُناعه، فكان هناك احتفال شديد وتفاعل كبير على الفيلم، فى الحقيقة لم أعتقد هذا النجاح الكبير، لأن الفيلم لا يوجد به العناصر التى تجذب الأوسكار، على الرغم من أهمية القصة لكنه غير مفعم بالخطب الكبيرة والنجوم الكبار. وعن سر دوافعه الفنية فى عدم الاستعانة بممثلة معروفة لتولى قيادة العمل قال: الفيلم ليس بحاجة إلى نجوم، وهذا القرار ناتج عن إدراكى بأن ما أقدمه هنا هو سيرة ذاتية من بطولة أناس عاديين وبسيطة غير مكلفة فى الشكل أو المظهر، وهنا لا أعنى أن الممثلين المعروفين لا مكانة لهم فى أفلام السيرة الذاتية، لكن هنا أردت أن أجعل القصة محور الاهتمام وليس النجوم. وأكد أن عملية البحث عن بطلة للفيلم لم تكن سهلة، فقد استغرق الأمر منه أعوام وأشهر، حتى وجد وجه ياليتزا ذات الملامح الهادئة البسيطة، لتقنعه بأنها الأجدر لتجسيد الخادمة «كليو». وأشار إلى أنه لم يتعمد صنع فيلم سياسى، ولكن أحداث الحقبة التى كان يسردها «مطلع السبعينات» بكل تفاصيلها جعلت من الأحداث السياسية والاقتصادية أن تفرض نفسها على الفيلم، مؤكداً أنه من المخرجين الذين يولون اهتماماً كبيراً بالتفاصيل الصغيرة وهذا ما يتضح من خلال المشاهد اللافتة للانتباه والمُكررة. واستطرد قائلاً: الفيلم لا يحكى عنى، وإنما يسرد قصة حياة خادمة بسيطة لكنها تتمتع بقلب كبير، خاصة فى مشهد البحر والغرق الوشيك للأطفال لولا إنقاذهم من قبل الخادمة. وبسؤاله هل تأمل أن يشاهد «دونالد ترامب» رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية الفيلم؟ قال: لا أدرى لأن الفيلم يتعارض مع سياسته التى تميل إلى العنصرية، وكذلك مع رؤيته للمهاجرين الذين يعتبرهم أعداء الوطن. وأعرب عن سعادته بالتعاون مع شركة «نتفليكس» التى تولت إنتاج العمل، مؤكداً أن نجاح «روما» وهيمنته على جوائز المهرجانات السينمائية، حسم الجدل حول مشروعية منافسة أفلام منصات خدمة تقديم الترفيه عبر الإنترنت فى المهرجانات. وكانت نتفليكس قد أنفقت 30 مليون دولار أمريكى، على الحملة الدعائية للفيلم، وهو المبلغ الذى يمثل تقريبًا ضعف ميزانية فيلم روما، وبالتأكيد هى أكبر حملة دعائية على الإطلاق لفيلم أجنبى، وربما تكون الحملة الأكبر لأى فيلم ينافس على أوسكار أحسن فيلم.