شهد يوم أمس صدور حكمى المحكمة الدستورية العليا بإعدام قانونى "العزل" و"الإنتخابات البرلمانية",وما يترتب على هذه الأحكام من سقوط وحل ل"البرلمان" بغرفتيه , الشعب والشورى, و إستمرار الجنرال أحمد شفيق فى السباق الرئاسى..بعد ساعة تقريبا أو يزيد من صدورالأحكام , عقد شفيق مؤتمرا صحفياً , حرص فيه على مد يده متصالحا, مع الإخوان والكل,مؤكدا على وعوده الإنتخابية وبرنامجه , بما يضمه من مشروعات تنموية مأمولة , ولم تكد تمر ساعات حتى عقد منافسه "الشيخ" الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة "الإخوان المسلمين" مؤتمرا صحفياً هو الآخر..مرسى الذى كان خارجاً لتوه من الإجتماع الطارئ لمكتب الإرشاد برئاسة المرشد العام للجماعة ,كان فى كلمتة بالمؤتمرالصحفى عنيفاً متوتراً, وجاءت كلماتة بمثابة خطبة نارية بلغة إنتقامية مليئة بالغل , تدعو للجهاد إذا تم تزوير الإنتخابات فى جولة الإعادة الرئاسية , وموحياً بأن التزوير قادم لامحالة , ومهدداً للجميع شعباً وفلولاً وجيشاً, بالإنتقام والعواقب وخيمة . يحلو ل"الجماعة" تصوير جولة "الإعادة" المقبلة للفوز بالمقعد الرئاسى , على أنها معركة بين "الثورة" التى يمثلونها هم بمرشحهم "الشيخ" مرسى , و"الفلول" الذين يمثلهم الجنرال شفيق المنسوب للنظام السابق , بيد أن تسويق الأمر على هذا النحو ليس صحيحا ,إذ انها "الموقعة الفاصلة" بين "المرشد" العام للجماعة , الذى يريدها دولة دينية تنتقص من الحقوق والحريات ,وتكون فيها السيادة العليا له , على النمط الإيرانى , بل ويذهب إلى أبعد من ذلك توهما بعودة "الخلافة الإسلامية", فى مواجهة أنصار الدولة المدنية القوية والحديثة التى تحترم حقوق المواطنة , حتى وإن قامت على أكتاف أحد رجال النظام السابق, من ذوى الخلفية العسكرية , وهوالجنرال أحمد شفيق وزير الطيران المدنى فى نظام مبارك وآخر رئيس وزراء فى عصره , بتوليه هذا المنصب قبل سقوط مبارك بعشرة أيام , وجاءت الاحكام الصادرة أمس من المحكمة العليا مؤيدة لهذ "المعنى", وهو معنى تؤكده أيضا قراءة نتائج الجولة الرئاسية الأولى..فقد قالت النتائج الرسمية , بأن نسبة المشاركة فى التصويت بلغت 46.4% .. فمن إجمالي 50 مليونًا و996 ألفًا و746 صوتًا، يحق لهم التصويت، أدلى 23 مليونًا و672 ألفًا و236 بأصواتهم، من بينهم 23 مليونًا و265 ألفًا و516 صوتًا صحيحًا، وجاء تعداد الأصوات التى حصل عليها المرشحين الخمسة الكبار من بين 13 مرشحا على النحو التالي : 1 - محمد مرسى: 5 ملايين و764 ألفًا و952 صوتًا, بنسبة 25% . 2 - الفريق أحمد شفيق: 5 ملايين و505 آلاف و327 صوتًا, بنسبة 24%. 3 - حمدين صباحى: 4 ملايين و820 ألفًا و273 صوتًا, بنسبة 21%. 4 - عبد المنعم أبو الفتوح: 4 ملايين و65 ألفًا و239 صوتًا, بنسبة 17%. 5 - عمرو موسى: 2 مليون و588 ألفًا و850 صوتًا, بنسبة 11%. معانى الأرقام 1- تقول الأرقام بأن الجنرال شفيق وعمرو موسى وهما من نجوم النظام السابق , حصلا معا على 35% من أصوات الناخبين , وقد كانا يقدمان نفسيهما للناخبين على أنهما سوف ينشران الأمن والنماء فى ربوعها , ويقيما دولة مدنية تحترم حقوق المرأة و الأقباط وتُعلى من مبادئ المواطنة , والحقوق والحريات و المساواة , دون تمييز ديني أو عرقي أو طائفي , وصولا إلى مصر القوية , كما تقول الأرقام أيضا بتفوق شفيق الذى جاء فى المركز الثاني بفارق بسيط ( 1%) , بما يعنى إن خلفيته العسكرية كانت دافعا لانتخابه , أملا فى مساندة الجيش له , كي يعيد صورة الدولة القوية التى تعرضت للانهيار بعد الثورة , وصارت الفوضى والانفلات هما السمة الغالبة لها , بما ترتب عليه شلل الحياة الاقتصادية وزيادة نسه البطالة , وتدنى المستوى المعيشي للغالبية من الشعب والذي يعيش نحو 50% منه تحت خط الفقر وفقاً لتقديرات دولية قبل الثورة , كما أن هذا يعنى أن اصوات مؤيدى موسى قد تذهب لشفيق غالباً . 2- أن حمدين صباحي , و عبد المنعم أبو الفتوح الذين سوقا لأنفسهم بإعتبارهما أبناء الثورة وحماتها , حصلا معا على 38% من أصوات الناخبين , مع ملاحظة أن صباحي ينتمي للفكر الناصري , وقد نجح فى إستحضاربعضاً من أسلوب الراحل جمال عبد الناصر , ولغته فى الخطاب التى تتعاطف مع الفقراء والمهمشين , ومن ثم فقد حصل على أصوات الكثيرين من الفلاحين والعمال والطبقات الكادحة , أملا فى عودة مصر الناصرية الداعمة للبسطاء , كما وقف وراءه قطاع عريض من الشباب المنحاز للثورة , وإما المرشح الآخر أبو الفتوح , فهو أصلا "كادر تنظيمي" يزعم أنه منشق عن "الإخوان المسلمين ", بسبب رفض الجماعة لترشحه للرئاسة , وقدم نفسه على انه متحرر ومستقل عن الجماعة , وأنه ليبرالي , وداعية للدولة المدنية , ومن ثم فقد أيده ,فضلا عن شباب الإخوان , فئات شبابية وليبرالية مدنية , ممن إنخدعوا بإنشقاقه المزعوم , غير أنه سرعان ماوقع فى أخطاء كشفته سريعا , إذ حصل على دعم الجماعات السلفية المتشددة , وهذا لا يكون إلا بتعهدات منه لهم بشأن تطبيق أحكام الشريعة , بما يتناقض مع مزاعمه بتبني "الدولة المدنية" , وقد ساهمت المناظرة التى جرت بينه وعمرو موسى , فى كشف تناقضاته ,ومن ثم هبوط حظوظه بعد أن كانت مرتفعة , على أنه يعنينا فى سياق التحليل , أنه من بين نسبة 17% التى حصل عليها أبو الفتوح من أصوات الناخبين , فإن نحو الربع تقريبا أو أكثر هم لأبناء التيار الإسلامى الإخوان والسلفي , أي نحو 5% من أصوات الناخبين ,وهذه النسبة سوف تعود لمرشح الإخوان ,ومعها نسبة صغيرة من مؤيدى صباحى . 3- بغض النظر عما تردد من قيام "الإخوان" بشراء للأصوات بمقابل مادي أو مساعدات عينية غذائية , فإن مرشحها الشيخ أو الدكتور مرسى حصل على 25% من أصوات الناخبين , وهذه النسبة تضم المنتمين للجماعة , وغالبية السلفيين المؤيدين ل"المرشح الإسلامى" , فإذا أضفنا إليها نسبة أل 5% من أصوات الناخبين , وهى أصوات الإسلاميين التى نُقدِر أنها ذهبت لأبوالفتوح , تكون أصوات "التيار الإسلامى" كله هى نسبة 30% أو أكثر قليلاً , من جملة أصوات الناخبين .. فإذا عُدنا للوراء قليلا لإنتخابات مجلس الشعب التى إنتهت فى يناير من العام الحالى , وأسفرت عن فوز الإسلاميين بنحو 72% من مقاعد البرلمان , 43% لجماعة الإخوان ,29% للسلفيين والجماعة الإسلامية , أى أن الإسلاميين وقتها حصلوا على نفس النسبة ( 72% ) من أصوات الناخبين , بما يعنى هبوطاً شديداً لشعبية التيار الإسلامى , خلال أربعة اشهر فقط من 72% إلى 30% , بفعل "الممارسات" الإخوانية والسلفية بالبرلمان , وهى ليست موضوعنا ,غير انه لايفوتنا الإشارة إلى أن سقوط البرلمان بحكم الدستورية العليا يسهم فى المزيد من الهبوط لشعبية الجماعة. إذن هى المعركة الحاسمة بين المرشد والجنرال .. المرشد وجماعتة , يمثلهم الشيخ الدكتورمرسى ,والجنرال شفيق عن الدولة مؤيداً من الأقباط , والمرأة وقطاعات عريضة متضررة من حالة التدهور الإقتصادى والأمنى, وأنصار الدولة المدنية , ومعهم الجيش الذى يعتبر "مدنية" الدولة خطاً أحمر .. المزعج هنا أن الجماعة رغم هبوط شعبيتها , تهدد بالجهاد المسلح إن لم يُحسم السباق لصالحها , بما ينذر بصدام مقبل, تحت دعاوى تزوير الإنتخابات , وهى دعاوى لم تثبت صحتها بشهادات دولية محايدة .. ندعو الله ان يوقى مصر الشرور.