رغم أن الدين الاسلامي قد خلا مما يعرف ب " الكهنوت " اي طبقة رجال الدين الذين يحكمون باسم السماء ويصادرون حرية الفكر والابداع إلا أن المؤكد أن هناك من يستميتون لانتاج ثقافة كهنوتية تنشر الخوف والجهل والعصبية في أوساط الناس من عموم المصريين على الأخص ومعروف أن عصور الانحطات عادة ماتشهد مصادرات على العلم والابداع والحرية باسم الدين وهو الامر الذي يتنافي مع جوهر الاسلام .. إن ثورة يناير 2011 لم تسقط فقط نظام مبارك المستبد والذي نهب البشر والحجر ولكن عواصف هذه الثورة قد كشفت لحظة سقوط النظام المباركي الغطاء عن فوهة قمقم خرجت منه جماعات متلفعة بالدين لا لتركب الثورة ولكن الأهم من ركوب الثورة لدي هؤلاء غزو عقول المصريين الذين ارهقتهم عقود الظلم والفقر والاستبداد وكلها صفات وسمات مناخ مناسب جدا لظهور الطفيليات الدينية التي تنمو وتتكاثر بقوة بالاجساد والعقول المنهكة والمعتلة بعلل مزمنة .. يقول الكاتب والمؤرخ دكتور محمود اسماعيل في كتابه الاسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين - " تعتبر مصر نموذجا لهذه الحالة – التي يستند الفرعون فيها على سدنة من الكهنة تحتكر المعرفة وتصادر على الابداع وماتاريخ الاستبداد في مصر في جوهره إلا توظيفا مخلا للدين في تجهيل الشعوب وتغييب وعيها " وكم كنت اتمنى في زحام المناظرات السطحية للمرشحين لأهم منصب في مصر أن يسأل المحسوبون على التيار الاسلامي عن موقفهم من حرية البحث العلمي والابداع الفني وعن قراءتهم للتاريخ وموقفهم من حوادث مثل فكر ابن رشد وقضية خلق القرآن وموقف الفرق الاسلامية منها وعن الحريات الشخصية للأفراد ووجوب احتر امها .. كنت أتمنى أن يستفيض المتحاورون مع المرشحين في استبيان موقفهم بوضوح من حرية الاعتقاد ومن تحديد الحقوق والواجبات استنادا لمبدأ المواطنة وليس الدين والجنس .. إن مستقبل مصر ربما يحدده خلال أيام أو ساعات بيان يقول بأن أول رئيس لمصربعد ثورة 25 يناير هو ( فلان ) والفارق بين رئيس مدني وآخر يدين بالسمع والطاعة للجماعة هو الفارقبين أن تستمر مصر معاصرة لزمانها وبين أن يلقى بها إلى تيه التاريخ وربما فوضى الجغرافيا .. وأنا لست مرعوبا بلا مبرر من هذا المصير ولكن مبررى أن برلمان سيطرت عليه أغلبية من جماعة الاخوان وتوابعها يحاول باستماته خلال مائة يوم مضت أن يقلب مصر رأسا على عقب ويسلبها سماتها الحضارية لصالح عمائم ولحى واثواب تنبعث منها روائح نفطية وتخاريج وهابية .. ومن الموضوعية أن تلوم كل التيارات الغير محسوبة على الاسلام السياسي نفسها لأن جماعات الاسلام السياسي تاريخيا لاتظهر على السطح وتستقوى بشعارات التدين والاسلمة التلفيقة إلا في الفترات التي تشهد ضعفا مذريا للتيارات المدنية ولحركة التطور الاجتماعي وهزال البرجوازية الوطنية . نحن أمام لحطة فارقة في تاريخ مصر الحديث تحول فيها الدين إلى لون من الوان الغواية والمتاجرة الى حد المقامرة .. وهذا ما يبرر خشيتنا من جمهورية الخوف التي قد تتحكم بها جماعة او جماعات في خصومة مع مصر ومع العصر ..