نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية فى 16 مايو مقالاً للكاتب حسام الحملاوى يوثق فيه جرائم تعذيب تتم بمعرفة السلطات الرسمية، والمقال بعنوان «فى مصر مازالت آلة مبارك القمعية حية وتعمل بكفاءة». يقول الكاتب: إن الثورة عليها مساندة الإضرابات التى يقوم بها المجندون والموظفون إذا كنا نريد حل وزارة الداخلية المكروهة. ويبدأ الكاتب فى عرض حالات التعذيب، قائلاً: إنه منذ أكثر قليلاً من أسبوع فى مدينة العبور تمرد المئات من المجندين من قوات الأمن المركزى الشهيرة نتيجة تعرضهم للتعذيب على أيدى ضباطهم، خرج المجندون للطريق العام وأغلقوا الطريق ثم بدأوا يغنون أغنية شهيرة معادية للشرطة ألفها فريق الألتراس من مشجعى كرة القدم المشهورين. وقامت قوات من الجيش بقمع التمرد سريعاً بعد تقديم بعض التنازلات والوعود للمتمردين، ولم تكن هذه هى الحالة الأولى لتمرد مجندين منذ اندلاع ثورة يناير 2011، فقد وقعت عدة حركات تمرد من المجندين يوم «جمعة الغضب»، ويقول الكاتب إنه فى اليوم التالى قابل شخصاً فى شارع محمد محمود من مجندى الأمن المركزى كان يسير فى مظاهرة متجهة إلى وزارة الداخلية، وكان هذا المجند قد هرب من معسكره للاشتراك مع المتظاهرين. وقد تم وقوع العديد من حركات التمرد فى القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى خلال الأشهر التالية بسبب سوء معاملة الضباط للمجندين وساعات العمل الطويلة التى يكلفونهم بها ورداءة الطعام الذى يقدم لهؤلاء المجندين. ويستطرد الكاتب قائلاً إن قوات الأمن المركزى هى الجيش التابع لوزارة الداخلية وأداتها المركزية فى سحق أى تظاهرات فى الشوارع ومجندو هذا الجيش يتلقون رواتب هزيلة، ويقدم لها طعام ردىء، كما يتعرضون للتعذيب من ضباطهم، الذين يكلفونهم بأقذر الخدمات التى تحتاجها الدولة، وكانت آخر مرة يتمرد فيها هؤلاء الجنود على نطاق واسع هى سنة 1986، وقد قام مبارك بسحق هذا التمرد بقوة عنيفة مستعيناً بجنود الجيش، وقد قام الموظفون المدنيون كذلك فى وزارة الداخلية بتظاهرات كبيرة بسبب نظام معاشاتهم وضعف رواتبهم وبسبب المعاملة المهينة التى يتعامل بها ضباط الشرطة مع المدنيين. وقد أعقب ذلك إضراب عام من ضباط الصف فى الشرطة، وكان السبب أيضاً ضعف الرواتب وسوء ظروف العمل، وسوء معاملة الضباط لهم، وطالب ضباط الصف بإنهاء المحاكم العسكرية داخل جهاز الشرطة، كما قام عمال ثمانية مصانع تملكها وزارة الداخلية وتنتج بضائع استهلاكية للضباط، بالتظاهر بسبب شروط عقد العمل الذى يعملون بموجبه فى وزارة الداخلية. تأكدوا مما أقوله لكم، إن وزارة داخلية مبارك مازالت حية وتمارس عملها بكفاءة، لقد وجهت الثورة لها بعض الضربات القوية يوم جمعة الغضب، وحارب الثوار البوليس ببسالة فى عدة مناسبات من ضمنها «الثورة» المصغرة فى نوفمبر سنة 2011، ومع ذلك فإن قوات الأمن المركزى التى يسمونها الآن قوات الأمن القومى مازالت قوية تماماً ومازالت آلتها القمعية فى عنفوانها، وفضلاً عن ذلك فإنها تتلقى مساعدة مباشرة من الشرطة العسكرية ومن المخابرات الحربية التابعة للجيش. حتى لو استطاع جنرالات المجلس العسكرى الحاكم سحق حركات التمرد التى تقع حالياً فى صفوف جنود البوليس، وحتى لو نجحوا فى منعها من الانتشار فإن الظروف الموضوعية التى كانت وراء التمرد الكبير الذى وقع سنة 1986 مازالت قائمة، ومازال احتمال تكرار ما حدث سنة 1986 قائماً، فالموجات الجديدة من المجندين الذين يلتحقون بالأمن المركزى ليسوا فقط أبناء فلاحين وعمال فقراء ممن لا يشعرون بتعاطف مع ضباطهم المنتمين إلى الطبقة المتوسطة، ولكن الذى يحركهم هو مشاعر الثورة القائمة، فقد شاهدها هؤلاء المجندون الجدد وهى تندلع، وكان من الممكن أن يشتركوا فيها بأنفسهم لو كانت الثورة قد اندلعت قبل تجنيدهم. لن تستطيع وزارة الداخلية إعادة تنظيم قوات الأمن المركزى، فليست لديها الرغبة السياسية فى القيام بذلك، فجنرالات وزارة الداخلية الذين ينتمون إلى شلة حبيب العادلى، وزير داخلية مبارك، يسعدهم جداً أن يستمر وضع جيش العبيد الذى يسخرونه لخدمتهم على ما هو عليه، أما جنرالات الجيش فيسعدهم إحياء جيش الأمن المركزى الذى تكون أيام مبارك، وأن يقوم هذا الجيش بواجبه فى قمع المظاهرات بدلاً من أن يضطر إلى الاستعانة بقوات الشرطة العسكرية وتدخلها فى هذا العمل. وبينما نستمر فى تنظيم صفوفنا، ونستمر فى حربنا ضد وزارة الداخلية فى سبيل الوصول لتفكيك تركيبها الحالى ومحاولة استبدالها بجهاز شرطة نابع من المجتمع ويخدم أهدافه، فإننا كثوار علينا مساندة هذه الإضرابات وحركات التمرد من المجندين وصف الضباط والموظفين المدنيين فى وزارة الداخلية على أمل إحداث المزيد من الشروخ فى جهاز القمع هذا. وإلى هنا ينتهى مقال الكاتب حسام الحملاوى الذى نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية، ولا يمكننا أن نمر مرور الكرام على مقال كهذا دون أن نضع بعض النقط شديدة الأهمية فوق الحروف: - يوحى كلام الكاتب أنه ينتمى لثورة 25 يناير المجيدة، وأنه يريد عمل كل ما فى وسعه لتحقيق أهدافها، ولكن الثورة المجيدة أعلنت أهدافها بوضوح وهى الحرية والعدالة والخبز ولم يرد ضمن أهداف الثورة تفكيك وزارة الداخلية واستبدالها بجهاز شرطة آخر، إن تطهير وزارة الداخلية من كل من ارتكب جرماً لحساب الرئيس المخلوع ووزير داخليته السفاح أمر واجب والجرائم التى ارتكبوها لا تسقط بالتقادم، ولكن محاسبة المجرمين على جرائمهم شىء وحل وزارة الداخلية شىء آخر تماماً، فهل يا ترى هناك مخطط تدفعه إحدى الجهات المعادية للثورة لزعزعة أحد أركان الدولة؟ إننا لا نشكك فى وطنية الكاتب أو فى دوافعه لكشف جرائم التعذيب، أو فى إخلاصه فى الانتماء للثورة المجيدة، ولكننا فقط نتساءل: فالطريق للجحيم يكون أحياناً مفروشاً بالنوايا الطيبة. - كل حالات التمرد التى رواها الكاتب تعود فى أصلها إلى النظرة الاستعلائية التى زرعتها عصابات الحكم الدكتاتورى على مدى ستة عقود فى عقول أدواتها القمعية التى تعتبر نفسها أنصاف آلهة تتحكم فى الرعاع الذين تحكمهم، ويستوى فى ذلك الرعاع من المدنيين بصرف النظر عن طبقاتهم الاجتماعية والرعاع من المجندين الذين يفرض عليهم القانون تجنيداً إجبارياً. - عندما نلتفت حولنا ونرى جرائم القمع والتعذيب مازالت تمارس على نطاق واسع، ومازال أبطال شباب الثورة قابعين بالآلاف فى سجون حربية بعد محاكمات عسكرية وهم مدنيون، وفى الوقت الذى يحاكم فيه الرئيس العسكرى المخلوع أمام محكمة مدنية فوق ظهر سلحفاة وبكل ضمانات المحاكم المدنية، عندما نرى ذلك حولنا ألا نلتمس للكاتب عذراً مهما بلغ الشطط ببعض فقرات مقاله؟ -------- نائب رئيس حزب الوفد