خرج مصطلح "حزب الكنبة" من رحم ثورة 25 يناير مثله مثل أي مصطلح آخر. ودائما ما كان الثوريون يسخرون من "حزب الكنبة" على أساس أن أعضاءه من الذين يفضلون الاستقرار ويرفضون المظاهرات والاعتصامات والمليونيات التي لا طائل منها، حسب ما يرى أنصار هذا الحزب، كما تعرض أنصار "الكنبة" في أوقات كثيرة إلى العديد من الاتهامات باعتبارهم من الفلول وأنصار الرئيس المخلوع ومحبي المجلس العسكري، وطبعا وصل الأمر إلى اعتبار هؤلاء من أعداء الثورة وكارهي الحرية والديمقراطية. ولكن تأتي الرياح، ربما بما لا تشتهي الثورة، ويصبح حزب الكنبة لاعبا مؤثرا وربما حاسما في نتائج الانتخابات الرئاسية، لأنه أمام صناديق الانتخابات فإن كل مواطن يكون عبارة عن "صوت واحد فقط" يضع من خلاله رأيه، ووفقا للقواعد الديمقراطية فإنه يجب أن يلتزم بقرار الصناديق طالما أن التصويت يتمتع بالحرية والنزاهة. إذن فالحكم الآن سيكون للصناديق وليس للميادين، وفي المرتين السابقتين كان حزب الكنبة مع التيارات الإسلامية هو الجانب المنتصر في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وانتخابات مجلسي الشعب والشورى على حساب القوى الثورية الأخرى، ولكن الخريطة ستتغير إلى حد ما في انتخابات الرئاسة. فوفقا للخريطة الانتخابية لمرشحي انتخابات الرئاسة فإنه يمكن تقسيمها كالتالي: مرشحون ثوريون وإسلاميون: الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الدكتور محمد سليم العوا، الدكتور محمد مرسي، حمدين صباحي،خالد علي، أبو العز الحريري. مرشحون ينتمون للنظام السابق: عمرو موسى، الفريق أحمد شفيق. وبالتالي فإن الثورة، التي ولدت بدون رأس ولا تزال تسير منذ ولادتها بدون رأس ثورية أو مجلس قيادة يجمع على أهداف محددة وواضحة، تواجه أخطر تحد منذ سقوط رأس النظام الرئيس السابق حسني مبارك، إما أن يفوز مرشح إسلامي أو ثوري وهو ما سيقبل به أنصار الثورة، مع تحفظ بعضهم على المرشح الإخواني، أو أن يجلس على كرسي الرئاسة رجل سبق له العمل مع النظام السابق، وهو ما ينذر باشتعال الأوضاع في حالة عدم قبول الطرف الإسلامي والثوري لتلك النتيجة. التحديات التي تواجه المرشحين الثوريين والإسلاميين كثيرة، وأهمها على الإطلاق "تفتيت الأصوات". التيارات الإسلامية، أو أنصار الإسلام السياسي، منقسمون بين أبو الفتوح ومرسي، الأول إخواني سابق، والثاني إخواني حالي ورئيس حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين. يحظى أبو الفتوح بدعم من حزب النور السلفي وقطاع عريض من التيارات السلفية، إضافة إلى قبول قوي لدى بعض التيارات الليبرالية، بينما يدعم الإخوان مرشحهم مرسي بكل قوة وانضمت إليهم تيارات سلفية أخرى انشقت عن حزب النور والدعوة السلفية بالإسكندرية، ومن بعيد يقف الدكتور العوا في وضع بعيد نسبيا عن المنافسة الحقيقية. ائتلافات شباب الثورة أكدت أنها لن تدعم مرشحا إخوانيا أو مرشح من "الفلول"، وبالتالي فإن التوجه العام لتلك الائتلافات يصب في مصلحة المرشح حمدين صباحي الذي يبدو حصانا أسودا في السباق الرئاسي، ومن بعيد يقف المرشح الشبابي الثوري خالد علي. ننتقل إلى موسى وشفيق، وهما فرسا الرهان لدى "حزب الكنبة"، الأول يحظى بقبول بعض الأحزاب المدنية، وعلى رأسها حزب الوفد، إضافة إلى تمتعه بقدر من الجماهيرية في الشارع بوصفه دبلوماسي قادر على قيادة مصر في المرحلة المقبلة، وفقا لأنصاره، بينما يحظى الفريق شفيق بقبول يبدو مقبولا في أوساط رجال الأعمال ومؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي المنحل إضافة إلى مواطنين عاديين غير محسوبين على تيارات الإسلام السياسي أو القوى الثورية. تلك القوة الصامتة أصابتها "الصدمة" من أداء بعض نواب البرلمان المحسوبين على التيارات الإسلامية، وتصريحات بعض الدعاة عن حرمة التصويت ل"الفلول" وغيرها من المواقف الأخرى. ومما لا شك فيه أن موسى وشفيق سيحظيان بدعم كبير من الأقباط في مصر. في نهاية المطاف، ووفقا للتوقعات، فإن انتخابات الرئاسة ستشهد جولة إعادة، لأنه من الصعب في وجود هذا الكم من المرشحين أن ينجح مرشح في الحصول على أكثر من 50% في الأصوات. الأرجح أن تكون تلك الجولة بين أحد أعضاء الفريق الثوري والإسلام السياسي ( صباحي، أبو الفتوح، مرسي )، وبين أحد أعضاء النظام السابق ( موسى، شفيق )، إلا إذا حدثت مفاجأة ودخل الإعادة اثنان من نفس الفريق، ولكن إذا سارت الأمور دون مفاجآت فإن حزب الكنبة هو الذي سيحدد رئيس مصر القادم.