منذ طفولتى وأنا أعشق قصص الحب، تمنيت أن أعيش تلك التجربة الرائعة.. كنت مصدر إلهام أصدقائى.. فى كل قصص الحب التى كانت تمر على حياتى، كنت دوما أنصح لأصحابها عليكم بالوعود والحنان، واحترام الطرف الآخر قبيل المشاعر الملتهبة المتأججة التى يختفى لهيبها مع أول عاصفة للخلافات والتى تقتحم الحياة الزوجية. وبهذا المنطلق تزوجتُ من جارى بعد أن أعجبت بشخصه الجذاب وسلوكه المتحضر.. بالرغم من أنه موظف بسيط إلا أننى صممت على الارتباط به.. تصورت أن من شروط قصص الحب العظيمة التى تحفر فى ذاكرة الأذهان الكفاح والتحلى بالصبر والتغلب على الظروف القهرية. حفل زفافى بالرغم من بساطته إلا أننى شعرت وقتها بأننى ملكة قد تم تتويجى على عرش قلب زوجي. بدأت رحلة كفاحى مع زوجى وتحملت الكثير والكثير بسبب قسوة الظروف خاصة أن راتب زوجى يكفينا بالكاد. رزقنى الله من زوجى بثلاث بنات اعتبرتهن ثلاث زهور فى بيتى الصغير، وحتى لا تحرم بناتى من شىء قررت النزول إلى مجال العمل بقلب محب مقررة العطاء بلا حدود، ولأننى لا أملك شهادة جامعية كانت فرص العمل محدودة جداً. عملت فى محل كوافير لكنى عجزت عن الصمود لأن المواعيد جعلتنى بعيدة عن بناتى فبحثت عن عمل آخر حيث قمت بالعمل بمحل للملابس الجاهزة. كل ذلك كنت أقوم به بدون كلل أو ملل كان الحب يغمر قلبى وزوجى انتهز الفرصة وقرر التخلى عن مسئولياته تماما لم أشعر وقتها بحقيقة الوضع الذى أعيشه ولم يخطر ببالى أن زوجى يدعى الفقر وقلة الحيلة على خلاف الحقيقة. تخيلت أن زوجى يكنّ لى الكثير من الحب الذى يفيض ويتساوى مع تضحياتى خاصة بعد أن وافق على أن أعمل فى بعض الأحيان كخادمة فى البيوت حتى أوفر طلبات بناتنا لعجز زوجى عن توفير طلباتهن. خمسة عشر عاما مرت على زواجى كنت أكافح وأعمل حتى اكتشفت ما لم أتوقعه أو حتى يخطر ببالى بعد أن وقع فى يدى خطاب من أحد البنوك والذى يؤكد أن حساب زوجى الشخصى وصل إلى ربع مليون جنيه. مهما حاولت إيجاد الكلمات المناسبة لشرح الألم الذى شعرت به فلن أجد كلمات تتمكن من وصف شعورى، فجميع لغات العالم تعجز عن وصفه.. الدقائق مرت علىّ كانت ثقيلة جدا كأنها شهورا وأعواما.. الذاكرة عادت بى إلى يوم زواجى كل تفاصيل حياتى مرت أمام عيونى كأننى أعيشها لحظة بلحظة مرة أخرى. الدموع تحجرت داخل عيونى من هول الصدمة دبت الرعشة فى جسدى والبرودة استقرت فى أطرافى لم أتذكر كم مر من الوقت علىّ وأنا على هذا الوضع انتبهت فجأة على صوت ابنتى التى كانت تصرخ بعد أن شاهدت سيلاً من الدماء يتدفق من أنفى حاولت التحرك لكن الهزلان والضعف أصابا جسدى فجأة ولم أقو على الحركة. اتصلت ابنتى الكبرى بوالدها أخبرته بضرورة الحضور بعد وقت بسيط عاد زوجى من عمله ليجدنى ملقاة على سريرى والدماء تغطى ملابسى وفى يدى ورقة البنك.. لأول مرة أشاهد زوجى فى ثورته بعد أن شعر بأننى اكتشفت حقيقة أمره.. طلبت منه توضيح سر هذه الأموال ومن أين تحصل عليها فوجئت بإجابة قاتلة بمعنى الكلمة بعد أن أكد لى أن هذا المبلغ هو شقا عمره ولن يتخلى عنه مهما حدث. شعرت وقتها بأن سكينا قد غرز بقلبى صرخت صرخة مدوية سألته كيف ارتضى بإهانتى وحرمان بناتى من طلباتهن بالرغم من أن لديه المال الكافى لتوفير حياة كريمة لنا.. لكننى لم أجد الإجابة الشافية فقررت طلب الطلاق منه بعد تحطيم التمثال الرائع الراسخ فى قلبى له لكنه رفض ليس تمسكا بنا بل خوفا من دفع أى نفقة لى ولبناتى. فقمت بإقامة دعوى خلع حتى أحصل على حريتى... وأمام مكتب فض المنازعات بمحكمة الأسرة بالجيزة أصرت الزوجة على طلب الخلع وكذلك قدمت لهم ما يثبت أن زوجها قادر على الإنفاق عليها وعلى بناته.. حاول الزوج تكرارا ومرارا أن يحيدها عن طلبها ولكنها رفضت بعد أن تأكد أنه ما زال يرغب فى ذلها وإهانتها والإصرار على استمرارها فى العمل للإنفاق على بناتها.