" الباب ده هو اللي حمانا ومش ممكن نفرط فيه أبدا مهما حصل ".. بهذه الكلمات بدأ عم محمد اسماعيل كلامه عن بوابة المتولي باعتباره أحد سكان البوابة التي يعتبرها كالعرض والشرف لا يجوز المساس بها إلا لتحديثها وتجميلها. سألته : تعرف إيه عن بوابة المتولي؟ فقال ان عمرها حوالي ألف سنة وبناها المعز لدين الله الفاطمي وكان اسمها في البداية باب زويلة نسبة إلى الجنود من قبيلة زويلة البربرية الذين كانوا جزءا من الجيش الفاطمي وكان معسكرهم بجوار البوابة، ثم تغير اسمها إلى بوابة المتولي في بدايات القرن التاسع عشر لأنها كانت منفذا لمرور البضائع، وكان الشخص الذي يتولى فرض الرسوم مقابل مرورها يطلق عليه ( المُتَولي ) وهي صفة ،وليست اسما، لكل من يشغل هذه المهمة. لم يكن حديث عم محمد مفاجأة لنا فهو معروف في المنطقة بالمثقف رغم أنه لم يكمل تعليمه وتجاوز الستين من عمره. حماية للسكان أخذنا عم محمد بعد ذلك إلى الحاجة صديقة عبد البر ،من السكان القدامى بالمنطقة ( 81 سنة )، وتقيم في عطفة سبيل.. سألناها عن ذكرياتها مع بوابة المتولي فقالت : أنا مولودة في المنطقة، وكان بيتنا القديم بجوار مسجد "المؤيد شيخ" الملاصق للبوابة، وكان الأهالي ومنهم خال والدتي ،تاجر عطارة، يقومون بغلقها وفتحها في زمن الاحتلال الانجليزي. وهنا تذكرت الحاجة صديقة مشهد أحد الشباب الذين اشتركوا في المظاهرات وهو يدخل البوابة مسرعا بعد إطلاقه الرصاص على عسكري انجليزي، فقام " جدعان الحتة " بغلق الباب ولم يتم فتحه إلا بعد هروب الشاب من ناحية الغورية بشارع الأزهر. وبسبب هذا الموقف تم فتح البوابة ومراقبتها عدة أسابيع . نفحات صاحب الباب من بين المواقف الطريفة والمعتقدات الخاصة بسكان بوابة المتولي ،كما ترويها الحاجة صديقة، أن الشباب والبنات الذين يتأخرون في الزواج وبالمثل الزوجات اللاتي يتأخرن في الإنجاب كانوا يعتقدون في بركات سيدي المتولي وأن له نفحات، ووفقا لكلامها فإن أمها ونساء أخريات قدمن عطايا وهبات لسيدي المتولي قبل ثورة 1919 عبارة عن أسنان قمن بخلعها وتعليقها في الباب من أجل فك النحس وفقا لمعتقداتهم ..! شاب آخر من سكان المنطقة ويدعى أيمن الشريف ،حاصل على ليسانس شريعة بجامعة الأزهر، يقول : أنا سعيد جدا بالسكن في هذا الحي التاريخي وأتباهي به وبباب زويلة أمام أصدقائي، ويكفي النظر إليه لتشعر بعبقرية المصريين في العهد الفاطمي، وهي عبقرية لا تقل عن الفراعنة بناة الأهرامات ، فالباب ارتفاعه يتجاوز ال 8 أمتار وسمكه حوالي 20 سم من الخشب الزان والصاج ومزود بالمسامير الصلبة كبيرة الحجم . أيمن أكد أن المنطقة برغم أهميتها إلا أنها لا تحظى بأى اهتمام من المسئولين في الحي والمحافظة، وكذلك أعضاء الشعب والشورى الذين لم ينزلوا المنطقة منذ انتهاء الانتخابات، وإذا حدثت أى مشكلة بالمنطقة في الصرف أو الكهرباء أو مياه الشرب يلقون مشقة كبيرة في الوصول لهم وفي الغالب لا يستجيب لهم أحد، ولكن في نفس الوقت أشار إلى اهتمام المسئولين بوزارة الثقافة فقط بترميم المنشآت التاريخية بالمنطقة ووضع حراس عليها . متمسكون بالبوابة وبداخل أحد المحال التجارية المخصصة في تصنيع وبيع الشموع سألنا صاحبه خالد الشرقاوي : هل من الممكن ترك هذه المنطقة وهل تقبلون رفع بوابة المتولي من مكانها أسوة بباب الوزير مثلا؟ فأجاب دون تفكير : من الصعب علينا وقد نشأنا في الحي أن نرحل عنه تحت أى سبب، ويكفي ليالي رمضان والصلاة في مسجد "المؤيد شيخ" لتشعر بحالة روحانية جميلة لا تجدها في أي منطقة أخرى، وأما البوابة فلا أتخيل ،وقد تجاوز عمري 54 سنة، أن استيقظ صباحا دون أن أراها في مكانها. خالد وصف سكان المنطقة ،الذين يبلغ عددهم تقريبا حوالي 15 ألف مواطن، بأنهم "ناس طيبين" ومعظمهم يعملون في الأعمال الحرفية الخاصة بورش تصنيع الجلود والقماش والشموع ومستلزمات الخياطة، والبعض الآخر يعمل في الأعمال الحرة.. بخلاف الشباب الجامعي، أي أن المنطقة بها ناس " واصلة " على حد قوله . حكايات باب زويلة من ناحية أخرى التقينا وعم سليمان ،الموظف المسئول عن الآثارالإسلامية بباب زويلة وقبة مسجد المؤيد شيخ، وقد سمح لنا بإلتقاط صور للباب من أعلى المسجد مشيرا إلى أن المهندس بدرالدين الجمال قام بتشييده في عهد جوهر الصقلي والمعز لدين الله الفاطمي، وهو نفس المهندس الذي صمم أبواب القاهرة السبعة في العصر الفاطمي ( باب زويلة أو بوابة المتولي ، باب الشعرية ، باب الخلق ، باب العزب ، باب الوزير ، باب الفتوح ، باب النصر) والتي لم يتبق منها سوى بوابة المتولي وباب النصر وبوابة الفتوح. وبسؤاله عن تمثيل أفلام وأعمال درامية بالمنطقة قال: لم يحدث ذلك من قبل حتى إن مسلسل بوابة المتولي لم يتم تصوير مشاهده من هنا، واكتفى المخرج بتصوير البوابة فقط ، أما باقي المشاهد تم التقاطها في الاستديو . وعن رواية الحاجة صديقة الخاصة ببركات سيدي المتولي قال عم سليمان: هذا الكلام موجود في التراث المصري فقط، ولكنه ليس له سند تاريخي، وهو ما تم ذكره ضمن طرائف باب زويلة والمعلقة على جدران المتحف الملاصق للباب. ويمضي في الحديث مفسرا: كل ما حدث أن أحد الذين كانوا يتولون فرض الرسوم والذي يحمل صفة المتولي ،وكان هذ الشخص عادلا في حساباته ويحبه الناس، عندما توفى حزن الناس عليه كثيرا وأخذوا يتذكرونه بالخير دوما وأنه صاحب كرامات. وبمرور الزمن اعتقد الأهالي أن للمتولي مقاما بجوار باب زويلة وهذا بالطبع كلام غير صحيح . شاهد الصور: أسنان وضروس في مقام سيدي المتولي ! شارع جوهر الصقلي الواصل بين المتولي وأبو الفتوح