حوار: بوسى عبدالجواد - تصوير: أحمد بسيونى الفن باب للفساد.. و«ناصر» حكم مصر بالحديد والنار تبنيت قضايا المرأة فى أفلامى.. ولم أر فيلماً مصرياً منذ عام 1995 ورش الكتابة خرجت عن الأصول.. ومسلسل محمد فوزى يبحث عن منتج خالد يوسف عبر عن الطبقة العشوائية بشكل عشوائى جلسنا وبسرعة أخذنا نتجاذب أطراف الحديث عن المستجدات السياسية والشأن العام للبلاد، كما أدلى بشهادته كمشاهد وكاتب فى شكل الدراما الآن بحيادية شديدة، وسجل انطباعاته وملحوظاته عن حال السينما بكل ما فيها من استقامة واعوجاج، اكتشفت جانباً آخر من جوانب شخصيته بجانب الالتزام والانضباط المعروفين عنه، حيثُ وجدت إنساناً يحمل فى قلبه حباً كبيراً للوطن الذى يؤويه ويحتضنه، وعقله قادر على الابتكار والتحليل والربط بين الأحداث رغم وقوفه فى أواخر العقد السابع من عمره.. أنه الكاتب والسيناريست الكبير مصطفى محرم الذى ذهبت إليه وفى ذهنى العديد من الأسئلة عن الماضى بكل ذكرياته والحاضر بكل تداعياته المؤلمة منه والمفرحة. عندما بدأ حديثه عن السياسة ظننت أننى أمام مُفكر، وبعد أن انتقلنا إلى محطة السينما والدراما وجدت نفسى أمام كاتب مخضرم.. لأكتشف فى النهاية أننى أمام عقلية متوهجة تجمع بين همة الشباب ورجاحة عقل الكبار. فى بلدان أخرى يكفى أن تذكر اسمه، لتمر على خاطر السامع حكاية عاشق ل«الفن السابع» بجنون، ذلك الفن الذى وهب له حياته وكل ما يملك من إبداع، ليقدم عدداً كبيراً من الأعمال المهمة، التى حظيت بإشادات على نطاق واسع، أهمها أفلام «أغنية على الممر»، «الهروب»، «المجهول»، «الراقصة والطبال»، «الباطنية» وغيرها من الأعمال السينمائية المهمة التى رسخت فى وجدان الجمهور. اشتُهر بأعماله المتنوعة، وإسهاماته فى السينما والتليفزيون.. ولأن الدراما تستمد قوتها من السياسة، والسياسة واقع يومى نعيشه، لذلك اخترت أن أبداً من حيث أراد هو، خاصة ونحن نحتفل بمئوية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، تحديداً عندما شعرت أنه يهاجم الحقبة الناصرية، وله فيها رأى مختلف.. وإلى نص الحوار. نادرة تلك الأفلام التى تجدها مختلفة عن بقية الأفلام فى نفس فئتها.. يُداعب ذهنى كثيراً سؤال كلما شاهدت فيلم «أغنية على الممر».. لماذا اخترت الهزيمة ونكسة 67؟ - يقول: هذا الفيلم من أوائل الأفلام التى بدأ يعرفنى بها الجمهور والنقاد وصناع السينما، وكان سبباً فى اعترافهم بوجودى كسيناريست شاب موهوب، حاولت أن أبرر أسباب هزيمة 67، ففى الحقيقة نحن كنا مهزومين داخلياً قبل خوض المعركة بفعل التمزق السياسى بين قائد الجيش ورئيس الجمهورية آنذاك، لذا الخسارة نتاج طبيعى فى هذه الفترة تحديداً وهى «الحقبة الناصرية» الصعبة، وهى أسوأ فترة مرت على مصر، فقد دمرّ عبدالناصر الديمقراطية، وضيع وطناً بأكمله، عبدالناصر كان يحكم مصر بالحديد والنار مثلما يُقال، ورجالته هم الذين كانوا يديرون زمام الدولة. أفهم من ذلك أنك تحمل عبدالناصر الهزيمة؟ - نعم، أنا دائماً أحمل رئيس الدولة أى شىء، لأنه هو المسئول أمامى، حتى فى اختياره للوزراء، وبمناسبة هذا أنا مندهش من فكرة تغيير الوزراء بين الحين والآخر الآن، أنا ضد ذلك فالتغيير المستمر يحدث نوع من الخلل، ومن الكوارث الكبرى أيضاً هو عدم وجود بدائل لوزراء بعينهم إذا عزمت على التغيير. عدم إيجاد بدائل حقيقة لبعض الوزراء يعنى أن مصر باتت تفتقد الكفاءات؟ - مثلما يوجد الطالح هناك أيضاً الصالح، لكن أصحاب الكفاءات الذين يجب توليهم هذه المناصب، رافضون بسبب سرعة تغيير الوزراء، وخوفاً من أن يتم اتهامهم بالفساد، فهؤلاء احترموا أنفسهم وعلينا أن نحترم قراراتهم، فكل من ابتعد عن المقعد السياسى احترم ذاته. شهور وستنتهى فترة رئاسة الرئيس السيسى، هل أنت مع فكرة ترشحه لفترة ثانية؟ - نعم، لسبب لاستكماله المشروعات التى افتتحها، كما أن النظام الديمقراطى لا بد أن يأخذ حقه حسبما تعهد هو أمام الشعب، بجانب ذلك الرجل يجتهد و«شغال» فهو أجدر شخص لقيادة مصر فى المرحلة الحالية، وبعد انتهاء الفترة الثانية نبدأ فى محاسبته. مصطفى محرم يفضل العيش فى دولة رئيسها ذي خلفية عسكرية أم مدنية؟ - أحب أن أعيش فى دولة ديمقراطية، بصرف النظر إذا كان الحاكم مدنيا أو عسكرياً، مع العلم أننى أفضل الحاكم ذا الخلفية العسكرية عن المدنى من ناحية الانضباط، خاصة إذا كان نزيهاً وراقياً، يمكن الحاكم ذو الخلفية العسكرية الوحيد الذى أحببته هو أنور السادات وبالطبع السيسى. هل المشهد السياسى يتحكم فى قلم الكاتب؟ - طبعاً، أنا حالياً أكتب مقالات وأسجل فيها انطباعاتى وملحوظاتى عن الوضع السياسى الحالى. وهل بالضرورة أن يكون للكاتب توجهات سياسية؟ - الكاتب لابد أن يكون مهموماً بقضايا مجتمعه بصرف النظر إذا كانت سياسية أو اجتماعية، كما أن السياسة الآن أصبحت جزءاً من حياة الإنسان اليومية. هل لديك ملامح لسيناريو لشكل «الانتخابات الرئاسية» المُقبلة؟ - اندهشت من ترشيح سامى عنان هو أصبح ورقة محروقة الناس نسيته خلاص، والمرشحون أمام الرئيس السيسى جميعهم من ورق ليس لديهم رؤية واضحة أو برنامج محدد يؤهلهم لرئاسة دولة، وهذا بالطبع يعزز من فرصة فوز السيسى. بعيداً عن السياسة.. دعنا أن نغرد فى سرب آخر عن السينما والدراما وهى منطقتك.. هناك اعتماد كبير على جيل الشباب فى كتابة الأعمال الدرامية.. هل ترى أنهم قادرون على مناقشة القضايا الاجتماعية؟ - لن أقول رأيى الشخصى، ولكنى سأتحدث بلسان الناس، الجمهور والكتاب جميعهم مستاءون من الأعمال الدرامية المطروحة، هؤلاء ليسوا كتاباً ودائماً ما يكون مرجعهم الأفلام الأمريكية السيئة الذى يطلق عليها أفلام الدرجة الثالثة، يقومون بتمصيرها وتحويلها لعمل درامى، وبعد ذلك نسمع أنه رئيس ورشة كتابة، وفى الحقيقة المنتجون شاركوا فى هذه الجريمة لأن بعضهم يسترخص فيبدأ يبحث عن المؤلف الذى لا يكلفه كثيراً، فتجد القضايا المطروحة فى الأعمال الدرامية بعيدة كل البعد عن هموم الشارع المصرى، وأبطالها لم تعد تشبه المواطن البسيط. يبدو لى من كلامك أنك ضد ورش الكتابة؟ - ورش الكتابة لها أصول، أولا هى فكرة ليست مستحدثة، تم تطبيقها فى أمريكا، ولكن هناك الورشة تتكون من خمسة مؤلفين ويشرف عليها كاتب كبير له تاريخ وفاهم الدراما نطلق عليه «دير ماتولجى»، لكن فى مصر الأمر مختلف أى شاب عمل مسلسل واحد أو اثنين أصبح بعد ذلك رئيس ورشة. ومتى غاب الإبداع؟ - عندما رفع المخرجون والمنتجون أيديهم عن العمل الذين يقدمونه، وأصبح النجم أو البطل المتحكم الرئيسى فى العملية بداية من اختيار القصة مروراً بطاقم العمل نهاية بالمخرج والمنتج. أثار مسلسل «الطوفان» حالة جدل بين مؤيد لمناقشة تلك القضايا، ومعارض لها باعتبارها أموراً دخيلة على المجتمع.. مع أى فريق تتفق؟ - «الطوفان» عمل كارثى، لا أعرف كيف سمح المسئولون بعرض مسلسل مثل هذا على الأسر والأطفال، فهو معادٍ لكل القيم الإنسانية والأخلاقية، الدراما بعد أن كانت قوة ناعمة تحض على الفضيلة أصبحت رذيلة تعلم الأطفال كيفية قتل أمهاتهم، بجانب المط الشديد والألفاظ الخارجة الذى تضمنها العمل. المرأة فى أفلامك كانت حاضرة وبقوة.. «المرأة الحديدية».. «اغتيال مدرسة».. «لعدم كفاية الأدلة».. وغيرها.. لماذا غابت سينما المرأة؟ - حاولت أن أقدم المرأة المصرية بكل جوانبها، فقدمت المثقفة، والشعبية، والرياضية، والحديدية، تقدرى تقولى أن كل النشاطات النسوية قدمتها، كما تناولت القمع والظلم الواقع على المرأة المصرية فى أفلامى، أنا المؤلف والسيناريست الذى تبنى قضايا المرأة فى أعماله، المرأة غابت بغياب المؤلفين والكتاب الحقيقيين المهمومين بقضايا المرأة. كيف سيكون شكل السينما والدراما لو كان استمر عهد الإخوان؟ - كان سيتم تقنينها بشكل يتفق مع مبادئهم، لكن الفن تحديداً يكون له القدرة على المروة، وخير دليل على قولى، دولة إيران رغم أنها حكم إسلامى متشدد، إلا أنها نجحت فى إنتاج عدد من الأفلام السينمائية المهمة التى حصلت على جوائز عالمية، لتتفوق بذلك على السينما الأوروبية، وهذا يعنى أن الفنان الحقيقى هو الذى يستطيع أن يعبر بأى شكل من الأشكال عن معتقداته. من المخرج والكتاب الذين لفتوا انتباهك فى الفترة الأخيرة؟ - لم أر فيلماً مصرياً واحداً منذ عام 1995، لكن يمكن أقول إن المخرج شريف عرفة هو أفضل الموجودين، فهو مخرج متميز ولديه رؤية فنية. وماذا عن أفلام المخرج خالد يوسف.. هل ترى أنه قدّم صورة حقيقية عن واقع الطبقة العشوائية؟ - خالد يوسف عبرّ عن الطبقة العشوائية بشكل عشوائى. من المسئول عن الوضع المتردى الذى وصلت إليه السينما والدراما الآن؟ - المجتمع والدولة.. أنا وأنت ونحن، والانهيار فى الحقيقة لم يقتصر على السينما فقط، وإنما فى الاقتصاد والسياسة والسياحة وغيرها من القطاعات الأخرى، وهذا بالتأكيد ينعكس على صناعة الفن الذى يعتبر جزءاً من المجتمع، فنجد فى الدراما توقف التليفزيون المصرى عن الإنتاج الدرامى رغم تواجد قطاع الإنتاج، وشركة صوت القاهرة، ومدينة الإنتاج الإعلامى التى حولها هيكل ل«شقة مفروشة» يتم تأجيرها للقنوات الفضائية. كما أن المنتجين المتولين زمام الأمور الآن ليس لديهم خبرة ولا ثقافة، فكان هناك مشروع تعاون يجمعنى بالسبكى لكنه لم يعجبنى تفهمه وطريقة عمله، اتضح لى أنه يتعامل مع الفن باعتباره «سبوبة» وليس نظاماً وإبداعاً، فلا أستطع أن أعمل فى هذه الأجواء، لم أنظر إلى الفن كمصدر رزق أو أكل عيش، كما أن النجوم حالياً لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن عمل جيد، وأصبحوا يلبون رغبات المنتج فى صناعة عمل هابط يقتصر على الراقصة والبلطجى والعرى، وهو بالطبع لا يهمه سوى المكسب المادى دون النظر للمحتوى والمضمون. الفن هو القوة الناعمة القادرة على معالجة القضايا.. كيف تراه الآن؟ - الفن الآن أصبح من أسباب انتشار الفساد، ففى فترة الستينات والسبعينات وهى الأيام التى حملت لقب «العصر الذهبى للسينما»، كانت السينما المصرية تنافس السينما العالمية، لكن الفن الآن أشبه بالسلاح الفاسد الذى يضر بصاحبه قبل أن يضر بالآخرين. لماذا قررت أن تقدم حياتك فى السينما والتليفزيون فى كتاب؟ - أولاً أنا لست الكاتب الأول الذى فعل ذلك ولا الأخير.. كثيرون من الكُتاب والمخرجين رووا تجاربهم فى كتاب وأنا استفدت منهم كثيراً.. ففكرت أن أكتب عن تجربتى مع السينما والتليفزيون فى كتاب لكى يستفيد منها الجيل الجديد. وأخيراً.. متى يخرج مسلسل «محمد فوزى» إلى النور؟ - الفنان سمير صبرى هو الذى تبنى فكرة المسلسل، هو يرى أن حياة محمد فوزى مليئة بالأحداث التى يمكن سردها فى سياق درامى، كشخص جاء من القاع ليصل إلى القمة الحقيقية، بجانب إسهاماته فى الموسيقى، العمل موجود ولكنه يبحث عن منتج فاهم وقناة كى يخرج للنور.