تحقيق: على عبدالعزيز تلبية نداء الطبيعة، أو قضاء الحاجة أو التبول.. مسألة صعبة إذا كنت من مرتادى شوارع القاهرة. وأضرار حبس البول كثيرة، بداية من الإصابة بالالتهابات البولية والفشل الكلوى وحصوات الكلى والمثانة، فما بالك بالمرضى بالكلى والسكر والتهاب مجرى البول والمثانة والعديد من الأمراض الداخلية والفطرية من مرضى الزهرى والسيلان. وهؤلاء المرضى يجبرون على عدم التحرك من المنازل إلا فى أوقات الضرورة للغاية وإذا خرجوا إلى الشوارع لا يجدون ما يفرغون فيه حاجاتهم وقت الضرورة، فتخيل ماذا يفعلون فى هذا الوضع، وما يشعرون به من إحراج وضيق. ونسمع عن «الحمامات العمومية» وهى دورات من المفترض أن تكون فى الميادين والشوارع ليلجأ المواطنون لها ومن المفترض أن تكون هذه الدورات تابعة للدولة ويقف موظف خاص على الباب ليقطع التذاكر مقابل الخدمة. ومن المفترض أن الاهتمام بنظافتها أكثر من أى شىء ولكن الوضع على الأرض ليس كذلك بالمرة، الأمر الذى يجعل البعض يتبول فى الشوارع. وانتشرت ظاهرة التبول فى الشوارع وعلى الجدران وتحت الكبارى ويمكن أن تراها بشكل مستمر ويومى خصوصاً فى المناطق الشعبية وعندما تشاهد حالة دورة المياه العمومية بميدان عبدالمنعم رياض على الأغلب ستنتظر حتى تذهب إلى المنزل ولن تلج إلى هذا المكان تحت أى ظرف من الظروف. يرفع لك عامل الدورة أحد أصابعه إلى أعلى فى إشارة إلى أن تذكرة الدخول تساوى جنيهاً واحداً، لا ترى ما الذى يكتب بها من الأساس يأخذ منك جنيهاً ويقطع التذكرة ويرميها بسرعة فى سلة القمامة المجاورة له، دون أن تدرى لماذا يفعل ذلك وما الذى يخاف منه إذا شاهد مريدو الدخول تذكرتهم هل ثمن التذكرة أم أن التذكرة بيضاء من الأساس. وعندما تدخل من الباب تشعر وكأنك تريد الخروج والعودة مرة أخرى بعد مشاهدة الحالة البشعة التى يظهر بها بيت الراحة لأن المكان قذر للغاية، وكأنه لم يتم تنظيفه منذ شهور فضلاً عن حالة الأبواب الخاصة بالحمامات المكسورة والتى تشعر عندما تدخل أنك تقضى حاجتك فى العراء، دون أن يسترك شىء والأكثر أن بعضهم لا يوجد به مصباح إضاءة حتى يصبح الأمر معتماً للغاية. فى واجهة الحمام من الداخل يوجد صنبورا مياه يهدران الماء طوال الوقت، لأنهما لا يعملان من الأساس ولا تعرف كيف تسيطر عليهما ليتم إغلاقهما لأنهما مكسوران، وفى الأعلى يوجد أماكن لما يقرب من 12 مصباح إضاءة، لا يعمل منها إلا خمس لمبات فقط والباقى إما مكسور أو محروق أو غير موجود من الأساس. «غصب عنى بأدخلها».. هكذا يتحدث محمود عيسى، 44 عاماً، قال إنه يدخل دورات المياه العامة رغماً عن إرادته لأنه لا يمكن أن يقضى حاجته فى الشوارع، وأضاف أنه يظل كثيراً يبحث عن دورة مياه عامة فى الشوارع ويشترى المناديل ويسكب الكثير من المياه قبل دخوله ويحاول بقدر الإمكان ألا يلامس أى شىء داخل الحمام ويحمد الله على عدم معاناته من أى أمراض تجعله من الضرورى الدخول إلى دورات المياه مثل أخيه الذى يعانى الأمرّين لأنه مريض بالسكر، ويريد أن يدخل دورة المياه كل فترة قصيرة، وبالتالى يؤجل جميع أعماله غير الضرورية ويجلس فى المنزل أو العمل لتوافر الحمامات بها. محمود كامل، 30 عاماً، يرى أن دورات المياه العامة من أولويات الحياة ويجب أن تكون أهم أولويات الدولة لأن أى شىء يمكن الصبر عليه إلا هذا النداء الإنسانى، الذى لا يتحكم فيه الإنسان بنفسه وبالتالى يجب توفيره حتى يعمل المواطن بشكل طبيعى، وينتهى من مصالحه ومشاويره براحة نفسية دون أن يكون منزعجاً أو يوجد أى شىء يؤرقه. حافظ السعيد، رئيس هيئة نظافة القاهرة يقول ل«الوفد»: إن دورات المياه لا تتبع الهيئة بالمرة وأن الهيئة ليست لها أى صلة بنظافة دورات المياه العمومية موضحاً أنها تابعة بشكل رسمى للأحياء، وأنه تم نقلها إلى تبعية الأحياء منذ ما يزيد على 10 سنوات. مواد قاتلة ومسرطنة هكذا أكد محمود عمرو، مؤسس المركز القومى للسموم بقصر العينى جامعة القاهرة، حول تأثير التبول فى الشوارع أو حتى عدم نظافة دورات المياه العمومية، مؤكداً أن الدولة عليها دور كبير يبدأ من خلالها فى متابعة دورية وتنظيف المراحيض العامة ثم بعد ذلك على المواطن نفسه أن يكون حريصاً على النظافة وتجنب الأمراض. وأوضح «عمرو» ل«الوفد» أن التبول عبارة عن مركبات كيميائية وبيولوجية ومواد مسرطنة ينشرها المتبول على الحوائط وفى الشوارع وتخرج لتتفاعل مع الأرض، وإذا كانت الأرض مزروعة تخرج هذه المسرطنات فى المزروعات نفسها والطريقة الثانية عندما تتبخر وتدخل للإنسان عن طريق الاستنشاق والهواء وتصل بعد ذلك إلى الجهاز التنفسى وعندما تصل إلى القلب يقوم بتوزيعها على جميع أجزاء الجسم وتصبح الكارثة عامة. وأكد مؤسس المركز القومى للسموم أن هذه الطريقة تصيب الإنسان بجميع الأمراض الصدرية والأكثر عندما يتفاعل البول مع المخلفات الأخرى الموجودة مسبقاً فى الشارع ويصل التأثير إلى الكبد والكلى موضحاً أن الأمر يزيد سوءاً بالتزامن مع عدم تنظيف الحمامات العمومية وبالتالى فإن كل متبول يضع مخلفاته والذى يليه يفعل مثله حتى يصبح الوضع عبارة عن كومة أمراض مركزة فى مكان واحد وتصيب من يأتى بعدوى مباشرة. اليوم العالمى للمراحيض العالم الحديث والمتحضر يهتم كثيراً بشأن دورات المياه حتى خصصت له الأممالمتحدة يوماً للاحتفال به واعتبرته ضمن الأيام الدولية لتذكر الناس به وهو ما يوافق 19 من نوفمبر. وكانت أبرز الحقائق التى ذكرتها هيئة الأمم على موقعها الإلكترونى أن هناك 2.4 مليار شخص حول العالم يفتقرون إلى مرافق الصرف الصحى المحسنة، و10٪ من سكان العالم لا توجد لديهم دورات مياه ويقضون حاجتهم فى العراء الطلق، وأن الإسهال الناجم عن سوء الصرف الصحى والمياه غير المأمونة يتسبب فى وفاة 315 ألف طفل سنوياً. إضافة إلى أن ذلك له أثر اقتصادى، فالأمراض التى تنتقل فى أماكن العمل بسبب الممارسات الصحية الخاطئة وسوء النظافة تؤدى إلى 17٪ من جميع الوفيات فى مكان العمل وكذلك تتسبب فى أمراض تكلف الدولة خسائر إنتاجية تصل إلى 5٪ من الناتج المحلى الإجمالى. وأعلنت الصين عزمها بناء وتجديد 64 ألف مرحاض عام بين 2018 و2020، فى إطار «ثورة المراحيض» التى تهدف إلى دعم قطاع السياحة وزيادة مساهمته فى النمو الاقتصادى. وحققت «ثورة المراحيض» التى بدأت قبل ثلاث سنوات إنجازات كبيرة وفقاً للإدارة الوطنية للسياحة.. لكن لا تزال الشكاوى من نظافة المراحيض فى المواقع السياحية الصينية تؤثر على آفاق انتعاش القطاع.