كم من قلوب ونفوس تعيش بيننا متعطشة لحياة كريمة علي أسس ومناهج عادلة ومعبرة عن آمالهم وتطلعاتهم، وكانت دعوة المشير محمد حسين طنطاوي - رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة - البرلمان للانعقاد من أجل انتخاب جمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور لمصر يعبر عن كل أطياف الشعب المصري، بمثابة الثمرة الثورية الحقيقية المنتظرة بعد نضال ودماء وتضحيات بلا حدود. إن ما عانيناه خلال سنوات وعقود مضت ولانزال، وما قدمناه من نفوس وأرواح طاهرة لتحيي هذه الأمة من جديد، لابد وان يقابله أيضا دستور مثالي يؤكد أن جمهورية مصر دولة مدنية موحدة وحرة مستقلة ونظام الحكم بها «مختلط» رئاسي برلماني ويتضمن تحديدا وتعريفا محددا لماهية «الدولة المدنية» ويقر ويحمي ويحترم كافة حقوق الإنسان طبقا للمواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها مصر وتعبر مواده عن تلك القيم ولا تتعارض معها تحت أي مسمي، ولا يجيز المساس بكرامة الإنسان عامة حتي ولو كان متهما أو مدانا وتعتبر الدولة بكافة مؤسساتها ملزمة باحترامها وحمايتها وتطبيق العدالة والمساواة بين الناس أمام القانون دون تمييز من أي نوع، وينظم أيضاً ممارسة الحقوق الديمقراطية بعد تحديدها وعلى رأسها حق التظاهر والاعتصامات وباقي أشكال التعبير الديمقراطية الجماعية مع سن قوانين بعقوبات رادعة لمن يسىء استخدام حقوق مشروعة كحق التظاهر أو الاضراب بما يعطل سير مؤسسات الدولة ويعطل مصالح المواطنين. دستور له صفة الازلية الشعبية «المستمدة من إرادة ورغبة الشعب» لحمايته من عبث الحكام، دستور يؤكد استقلال القضاء والفصل بين السلطات وتحديدها بهدف حماية أمن المواطن وترسيخ مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والمدنية والمساواة، ويؤكد قيم المواطنة واحترام القانون والشفافية والمساءلة والتداول السلمي للسلطة، واحترام الكفاءة ويضمن تعدد مراكز صنع القرار وعدم الخروج على الشرعية أو الشريعة»، ويؤكد حق المواطنين في العمل والتدريب أو يعوضهم ببذل بطالة لفترات معينة وحقهم في السكن وحقهم في الحياة والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين الجميع دون تمييز على أي اساس سوى الكفاءة اضافة الى حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وأيضاً حقوق المرأة والمعاقين والاطفال والاجيال الجديدة من الشباب من الجنسين ليكونوا عماد المجتمع وادارته وضرورة تمثيلهم في كافة المستويات لنضمن تجديد المجتمع ودعم الجمود وبالتالي تحديد حد أدنى بالنسبة لأية قوائم انتخابية او ترشيحية يجب ان تتضمن شبابا من فئات عمرية أقل، مع عدم التمييز ضد الفئات العمرية الأكبر، وتكوين الاحزاب بشروط ميسرة من حيث العدد او التكلفة المادية للاشهار وكذلك تكوين المنظمات والجمعيات الأهلية تنفيذاً واحتراما للحق المتساوي للجميع دون تمييز لأثرياء على فقراء في تكوين المنظمات والاحزاب التي تعبر عنهم وتنظم عملهم من خلاله. دستور يعيد للأزهر الشريف مكانته الحقيقية المفقودة، ويؤصل المواطنة واحترام حرية العقائد والاديان ويكون كل المصريين فيه متساوون بصرف النظر عن دينهم او لونهم او عرقهم، الى جانب نصه على جميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان يإعتبارها جزءا لا يتجزأ من الدستور ولا يجوز اصدار اية تشريعات تخالف هذه الاتفاقيات والحقوق المنصوصة عليها فيها، ويكون هذا الدستور خلاصة جميع الدساتير ومنها دستور 1923 ودستور 1930 الذي وضعه صدقي باشا وألغى، ودستور 1954 الذي لم ينفذ ودستور 1956 ودستور 1971، الى جانب العديد من دساتير الدول ومنها الدستور الفرنسي، والدستور الامريكي والدستور الفنلندي - ودساتير الهند - البرازيل - اليابان - اندونيسيا. نريد دستوراً ينص على انتخاب المحافظين بدلاً من تعيينهم مع اعطاء صلاحيات كبيرة وواسعة لأعضاء المجالس المحلية المنتخبة لاستجواب المحافظين وهو ما يساعد على تفكيك المركزية ودعم اللامركزية والفصل بين السلطات، دستوراً نستطيع بموجبه احالة الوزراء وكبار رجال الدولة الى التحقيق في قضايا الفساد بعد التحقيق معهم من خلال لجنة برلمانية يكون حكمها النهائي العزل من المنصب، ويطبق نفس الامر على رئيس الجمهورية من خلال لجنة تشكل من الهيئات التشريعية تضم رؤساء اللجان ورئيس المجلسين ووكلائهم ورئيس المحكمة الدستورية العليا في حال رئيس الجمهورية ورئيس محكمة النقض في حالة الوزراء ورئيس الوزراء يقدم بعدها اذا ثبتت ادانته للمحاكمة الجنائية يمثل النائب العام فيها الادعاء. ان الدستور الجديد هو خريطة حياة المصريين جيلاً بعد جيل، وهو كتاب الوطن والميراث الحقيقي الذي يجب ان نتركه لابنائنا كي يبقى لهم وطناً مصرياً عظيما ومتحضراً يجد فيه كل مصري بغيته وعلينا ان نسعى الى اتمامه بجدية وهدوء، ولا نسمح فيه بالالفاظ المطاطة او التعبيرات التي يمكن تفسيرها بأكثر من طريق، فبدونه سو ف نكون أو لا نكون.