كتبت - مونيكا عياد «أين أنا وأين زوجى» لا تخافى أنت فى مكتب السفريات كما قلنا لكِ مسبقًا وزوجك سينهى بعض الإجراءات الخاصة بالسفر من مجمع التحرير وسيلحق بنا، وذلك حتى يكون جميع أوراقكما جاهزة لإرسالها إلى الشركة الأجنبية اليوم، لأنه اليوم الأخير لتقديم طلبات العمل بها. «أشعر بالقلق وبأن شيئاً مخيفاً سيحدث.. لأن هذا لا يمكن أن يكون مكتب سفريات»، تحدث نفسها، ثم حاولت أن تتمالك أعصابها لتفكر بهدوء، بعد أن تركوها فى إحدى الغرف بمفردها، التى تحتوى على مكتب وطاولة، وعرضوا عليها بعض الأوراق المطلوب التوقيع عليها لإنهاء إجراءات السفر، وقدموا لها عصيراً كواجب الضيافة، وطلبوا منها أن تشربه، جلست تفكر فى الأجواء المريبة التى تحيطها، حيث لم يكن هناك زبائن غيرها فى الشقة، ولم يكن هناك سكرتارية لاستقبال طالبى السفر، كما أن المكتب فى مكان ناءٍ. وعلى الفور هداها خاطرها لأن ترحل مسرعة دون أن تخبرهم.. وفى خطوات خفيفة على أطراف أصابعها هرولت باتجاه الباب وتحاول همساً فتحه بهدوء. ولكن تظهر الكارثة ونبضات قلبها تزداد قوة، حيث اكتشفت أن الباب مغلق بالمفتاح، وفجأة يظهر خلفها رجل ضخم خرج مسرعًا من إحدى الحجرات المتواجدة بهذه الشقة، حاول تكتيفها بذراعيه وهى تصرخ تطلب المساعدة، لعل أحد المارة أو الجيران يسمعها. ثم قام بكتم أنفاسها وظهر آخر وغرس فى ذراعيها حقنه قائلاً: «لماذا لم تشربى العصير كنتى نمتى فى هدوء حتى ننتهى من شغلنا معاكى دون عويل وصراخ»، وسقطت غائبة عن الوعى. ******** يجلس «تامر» فى أحد المطاعم مع أصدقائه، وفجأة يسمع صوت ضحكة رنانة ليبحث بنظره عن مصدر هذه الضحكة، فتقع عينه على فتاة بيضاء وما زالت آثار الضحكة على وجهها تاركة ابتسامة مشرقة، تجلس على الطاولة المقابلة له مع صديقاتها، يشعر بانجذاب كبير لها وكأن قوة مغناطيسية تجذبه لها بقوة، يراها كالشمس وسط الحاضرين تسطع جمالاً، تتمتع بشخصية قوية وكأنها الزعيمة وسط أصدقائها توزع الأدوار وتحل المشاكل، وفى ظل ذلك تطغى أنوثتها ورقتها على ملامح وجهها البرىء. شرد يفكر كيف يتحدث معها ويتقرب منها، تخيل نفسه ذاهباً إليها ويطلب أن يتحدث معها على انفراد ولكنه تراجع عن هذه الفكرة سريعاً، لأنها قد ترفضه أمام أصدقائه وزملائها، وبهذا يكون قد خسرها للأبد. ووسط تفكيره فى طريقة للوصول إلى فتاة أحلامه، سمع صوتاً يناديه «تامر انت فين ولماذا لم يرك أحد منذ فترة» ليلتفت إلى صاحبة الصوت ليجدها ابنة خاله، ليرحب بها ويسألها عن سبب مجيئها لهذا المطعم. وكانه أصيب بصدمة، حيث لمعت عيناه ودق قلبه رقصاً عندما أشارت إلى الطاولة المقابلة له قائلاً: «جئت لمقابلة صديقاتى».. وضحكت قائلة: «تعالى أعرفك عليهم يمكن تعجبك واحدة ونفرح بك» وشعر «تامر» بأن العناية الإلهية تدخلت لإنقاذه من دوامة الحب وتوصله إلى حبيبته بسلام. تطورت مشاعر الحب بينهما، وانجذب «تامر» أكثر لشخصية «منى» القوية التى لا تحنى رأسها لأحد، تتكل على نفسها، وطلب يدها من أسرتها، وفى ثلاثة أشهر تم الزواج على الرغم من معارضة أهل العروس، لأنّه لا يمتلك منزلاً خاصاً، حيث تحدى الاثنان الأهل، واستأجر منزلاً، وامتد شهر العسل لتسعة أشهر فقط. خسر «تامر» وظيفته بسبب مشكلات مادية تعرضت لها الشركة التى يعمل فيها. وكانت هذه بداية التحول حيث بدأت الزوجة تتولى نفقات المنزل، ومقابل ذلك أخذت تتسلط عليه وتشعره بالضعف. ******** «أنت إنسان غبى.. لا أعلم كيف تزوجتك.. فلتذهب للجحيم»، لتلقيه بالكوب الذى فى يديها وتستكمل وصلة الردح «كان يوم أسود يوم زواجى منك.. قم انشر الغسيل بدلاً من جلوسك بلا فائدة». ليصرخ الزوج «ارحمينى.. لا يمر يوم حتى تكسرينى وتحطمى نفسيتى بكلامك الجارح هذا.. حتى جيرانى أخذوا ينظرون لى نظرات استهزاء بسببك.. سأرحل من أمام وجهك حتى يهدأ شيطانك». يهرب «تامر»، ويجلس على أحد المقاهى البعيدة عن المنزل حتى لا يراه أحد من الجيران بعد أن أطلقوا عليه اسم «زوج الست»، وهناك تعرف على «خالد» الذى صار فيما بعد صديقه المقرب وأخذ يفضفض معه عن المعاناة التى يعيشها بها يوماً قائلاً: «انها تسكتنى أمام الناس وتتكلم عنى بالسوء أمام الجميع وتنقص من رجولتى، يعلو صوتها ليعلم الجيران بمشكلاتنا لدرجة أصبحت أخجل من المرور بينهم. ورغم أننى عثرت على وظيفة فى أحد المحلات، لكن الأمور لم تتبدل، ظلت تعاملنى معاملة سيئة، وتطورت الأمور من تعنيفى لفظيًا ونفسيًا إلى حدّ تعنيفى جسديًا، كانت تضربنى بأى شىء يقع فى يدها». ويأخذ نفساً عميقاً ويشكو ذله «مرّة ضربتنى بالمنفضة لأننى رفضت الذهاب معها لزيارة أهلها بعد يوم عمل شاق. مرة أخرى ضربتنى بملعقة خشب، بقيت آثارها واضحة على يدى لمدّة أيام، لأننى انتقدت صوتها العالى وفقدانها أنوثتها.. اشعر أنها تعانى عقدًا نفسية.. وعلى الرغم من كل ما تعرضت له لم أرفع يدى يومًا عليها». اقترح صديقه عليه بأن يطلقها ويتخلص من هذا الكائن المتوحش، وينقذ ما تبقى من كرامته، ولكن تامر رفض قائلاً: «لم أمتلك مالاً حتى أدفعه كمؤخر لها حيث كتبت على نفسى مليون جنيه ظناً أنها ستكون شريكة حياتى للأبد على الحلو والمر.. حيث إننى لم أتخيل أن يأتى مثل هذا اليوم أبداً.. ونظراً لتحديها أسرتها وقبولها الزواج منى فكنت على استعداد أن أكتب لها الدنيا بأكملها»، وبعد ساعات من الحديث، جاء لهم الجرسون وطلب منهم الانصراف لغلق المقهى. وعاد «تامر» إلى منزل الزوجية متسحباً بخفه حتى لا يوقظ زوجته النائمة، وبهدوء دخل إلى الغرفة لينام فيها بملابسه حتى الصباح، ليستيقظ باكرا قبلها وينصرف إلى محل عمله، حتى يبتعد عن المشاجرات معها.. واستمر على هذا الحال لأكثر من أسبوعين. ********** وجاءت له «منى» إلى محل عمله تأمره بأن يعطيها 5 آلاف جنيه لشراء فستان لارتدائه فى فرح شقيقتها، وبدأت المناقشات الساخنة لأنه يرى أن سعر الفستان يتجاوز إمكانياته المادية.. وهنا قامت بإلقاء مقص حديدى فى وجهه وصرخت بعلو صوتها فى الشارع «انت مش راجل» وترك لها المحل وجلس على المقهى البعيد عن المنطقة الذى اعتاد الذهاب اليه، وظل هذا المشهد راسخاً فى ذهنه وأشعل نار الانتقام فى قلبه. واتصل بصديقه «خالد» ليأتى له ويفضفض معه وظل قرابه ساعتين يشكو له مرارة مأساته، وأفعال زوجته وممارساتها الشاذة الأخيرة معه، قائلاً: « بدأت تنحو إلى رغبات غريبة تفرحها حيث أصبحت تشعر باللذّة عندما ترى الغير متألمًا.. بل تمادت أكثر وانسحبت تصرفاتها على العلاقة الجنسية، فبدأت تطلب منى أموراً لا تخطر على بال وأصبح كل ما يهمها أن أكون لها عبدًا.. لم أعد احتمل تلك الحياة وشعرت بأنها شخصية سادية مريضة». وتابع بصوت كئيب قائلاً «إمعانها فى هذه التصرفات أبعدنى عنها. لم تعد تجذبنى، وانقطعت علاقتنا الجسدية». جلس «تامر» يفتش مع صديقه «خالد» عن مخرج وحل لأزمته، قبل أن يجن جنونه بسبب أفعالها. وهنا اقترح عليه صديقه مازحاً نبيعها لتجار الأعضاء حتى ينتقم منها. وانصرف «خالد» بعد أن جاء له تليفون من والده يطالبه بإحضار دواء لوالدته على وجه السرعة. ************** اختمرت فكرة بيعها لتجار الأعضاء فى ذهن «تامر»، ووجدها حلاً جهنمياً لم يخطر على بال أحد لينقذه من عذابه الدائم، ويطفئ نار الانتقام التى تزداد يوماً بعد يوم. وبدأ «تامر» يجهز لخطته الشيطانية للتخلص من زوجته، وتذكر جنون زوجته بالمال، فأخده مدخلا لإقناعها بسهولة برغبته فى اصطحابها للعمل بالخارج بمرتب مغرٍ، ووعدها بأنه سيجعلها تعيش ملكة ويجلب لها ما تشتهيه، قائلاً لها: «أحلم يوماً بأن تعود حياتنا الزوجية سعيدة كما كانت سابقاً وأن أعوضك على الفترة السابقة حتى تعودى زهرة جميلة»، وانخدعت الزوجة بسهولة أمام كلام زوجها المعسول ولمعت عيناها نحو الكنز الزائف. وطلب منها الزوج ألا تخبر أحداً من أسرتها أو من الجيران، قائلاً: «لا تخبرى أحداً بسفرنا لأننى أخشى من الحسد وألا يكتمل الموضوع.. لكن بعد أن ننهى أوراق السفر ونحجز تذاكر الطيران يمكنك أن تخبرى أهلك.. لكن الآن لا يمكن وهذا لمصلحتك لأننى وافقت على السفر والعمل للخارج من أجلك فقط». واتفق الزوج مع تجار الأعضاء البشرية على بيع زوجته لهم، وأن يأخدوا منها ما يريدون مقابل قتلها وعدم عودتها، وقال لهم: «خذوا منها الكلى والكبد والقرنية حتى القلب إذا أردتم ولا أريد منكم مالاً خلصونى منها.. وسنتقابل فى مجمع التحرير على أنكم أصحاب مكتب للسفريات الذى جلب لى عملاً بالخارج بمرتب مغرٍ جداً». وأخذ «تامر» زوجته وتوجه عدة مرات إلى مجمع التحرير بزعم استخراج جواز سفر لها، وهناك عرّفها على تجار الأعضاء البشرية على أنهم أصحاب مكتب السفريات، وطلب منها الزوج أن تذهب معهم للمكتب لإنهاء بعض الأوراق الخاصة بالسفر، حتى ينجز هو بعض الأوراق الأخرى بالمجمع. وبالفعل توجهت معهم الزوجة فى السيارة، وهى فرحة بحلم السفر للخارج، وفى الطريق تحدثوا معها عن إغراءات الوظيفة الوهمية من توفير سكن خاص لهم فى أفضل المناطق السياحية، وسيارة ملاكى يوفرها العمل للزوج بالإضافة إلى 20 ألف جنيه شهرياً مرتباً مبدئياً. وفى هذا الوقت توجه الزوج إلى محكمة الأسرة لإقامة دعوى نشوز يتهم فيها زوجته بترك المنزل والهرب منه دون أن يعلم أين ذهبت. وذلك حتى تكتمل خطته الشيطانية ليبعد عنه أى شبهة جنائية عندما يجدون جثتها. ***** تلقت أسرة الزوجة إخطار دعوى النشوز، وتعجبوا منه لأن ابنتهم لم تأت لزيارتها أكثر من أسبوع، وذهب الأب إلى زوج ابنته، لأنه شعر بأن شيئاً غير طبيعى يحدث، شاهد «تامر» حماه فحاول أن يتفاداه، لكنه أوقفه فى مدخل العقار وصرخ قائلاً: «أين ابنتى وماذا فعلت بها». يستنكر «تامر» غضب «حماه» ويصرخ فيه قائلاً: «ألم يكفيك ما فعلته ابنتكم بى.. ابحثوا عنها يكفى أن كرامتى وشرفى بنتك ضيعته». يسير الأب خارج العقار منكسراً متألمًا على ابنته، ليوقفه حارس العقار قائلاً: «لا تقلق ابنتك ستكون بخير فأنا رأيتها آخر مرة وهى برفقة زوجها وكانت السعادة والابتسامة ترتسم على وجهها». هنا شعرت أسرة الزوجة بأن مكروهاً يحوم حول ابنتهم، على الفور قاموا بتحرير محضر أكدوا فيه تواجد ابنتهم مع زوجها واتهموه بأنه وراء اختفائها. وباستدعاء الزوج والتضييق عليه اعترف بالتخلص منها، ببيعها لتجار الأعضاء البشرية، حتى يتخلص من العذاب النفسى والجسدى التى كانت ترتكبه فى حقه يومياً. وقال «تامر» فى اعترافاته أمام النيابة «تعرفت على شخصين يتاجران فى الأعضاء البشرية واتفقت معهما على بيع زوجتى لهما». وتابع بدموع الندم: «قد أكون أخطأت بالتفكير فى هذا الحل، لكن تعرضى للإهانة والضرب يومياً، جعلنى شخصاً غير سوى فى تفكيرى، حيث جن جنونى عندما بدأ الناس يسخرون منى بسبب تعرضى للضرب أمامهم فى الشارع». وأنهى حديثه: «ليتنى طلقتها بدلاً من أرضخ لهذا الفكر الشيطانى وأضيع نفسى». واعترف تجار الأعضاء البشرية، ارتكابهم الجريمة، بعد أن قاموا باستدراجها للشقة بمفردها على أنه مكتب سفريات، وقالوا: «حاولنا وضع مخدر بالعصير الذى قدمناه لها إلا أنها حاولت الهرب فقمنا بحقنها بمخدر بعد أن قام عثمان بتكتيفها وسقطت فى حالة إغماء وتم إجراء العملية والاستيلاء على أعضائها، ثم تخلصنا من الجثة بدفنها فى منطقة نائية».