الحرب النفسية تعتمد على استخدام مخطط للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو بطريقة منظمة وتنتشر فى وقت السلم والحرب. وصف السياسى الألمانى إرفين رومل، الحرب النفسية بأنها تستولى على عقول الأعداء قبل أجسادهم، ووصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال خطاباته ب«فوبيا إسقاط الدولة»، حيث تم استخدامها فى كثير من الحروب عبر الزمن، وبدأ بها الفراعنة فى حروبهم، كما استخدمها هتلر فى معاقبته للضباط، ونابليون قبل دخوله لمصر، وفى حرب العراق، والاستنزاف ونصر أكتوبر 73. حرب العراق استخدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرب النفسية ضد العراق، لكونها الأكثر خطورة من العسكرية، وتعتمد على العزف على عقول المواطنين وبث سموم داخل أفكارهم، فكثير يعلمون مدى خطورة الحرب العسكرية، ولكن الحرب النفسية تتسلل إلى نفس الإنسان دون أن يدرى. وسخرت أمريكا الحرب النفسية ضد العسكريين والمدنيين فى العراق، وبدأت بإشاعة خبر اختفاء نائب الرئيس العراقى «طارق عزيز»، وإصابته ثم قتله بسبب تمرده على الرئيس صدام حسين، وكانت المفاجأة عندما ظهر عزيز على شاشات التلفاز ينفى هذه الشائعة. واستمرت الولاياتالمتحدة فى استخدام الحرب النفسية، وكانت هذه المرة عن طريق إعلان الضربة الأولى للعراق وبثها عبر وسائل الإعلام، والتى استخدمت فيها أكثر من 40 صاروخاً من نوع كروز، وذكرت أنها دمرت مقرا للقيادة العراقية وبداخله الرئيس صدام. لم يمر الوقت كثيرًا وظهر مرة أخرى الرئيس العراقى يلقى خطابه على شاشات الفضائيات، ثم جاءت مسرحية أسر عدد كبير من الجنود العراقيين ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل قامت الولاياتالمتحدة بإلقاء 17 مليون نسخة من المنشورات فوق العراق وكان آخرها قبل الحرب بيوم واحد عندما قامت الطائرات الأمريكية بإلقاء 2 مليون منشور تطالب فيها من الجنود العراقيين بالاستسلام ورفع الراية البيضاء. ولجأت الولاياتالمتحدة لإشغال العرب فى معارك جانبية وافتعال أزمات داخلية وباستغلال هذه الأحداث وتصعيدها، ومحاولة لاستخدام أبواق الدعاية للنيل من الوحدة العربية والتشكيك فى نوايا العرب، وفى إخلاصهم وفى التزاماتهم إزاء القضية العربية المصيرية ناهيك عن إشاعة الفرقة والانقسام بين صفوف الأمة، والتفرقة بين الشعوب وحكوماتهم، والتفرقة بين الجيش وبين المدنيين، مما يؤدى إلى تمزيق الجبهة الداخلية واستنفاد الطاقات فى الخصومات. نكسة 67 نكسة 67، أو كما أسماها جيش الاحتلال «حرب الأيام الستة»، لتمكنهم من السيطرة على القوات المسلحة المصرية من خلال تمكنهم فى فن استخدام الحرب النفسية، وكانت قد خرجت وثائق عن أنشطة الوحدة 640 التى كانت تنفذ مهمة الحرب النفسية ضد الجنود المصريين والعرب. وقالت صحيفة «معاريف» العبرية إن أعضاء الوحدة عرفوا أن الجنود فى الناحية الأخرى «العرب» تغذوا من «قصص ألف ليلة وليلة» حول «العدو الصهيوني» واستغلوا عامل الخوف بشكل رائع للغاية، واعتمد الإسرائيليون في حربهم النفسية فى نكسة 67 على اتجاهين متوازيين، الأول كان عبارة عن منشورات وبيانات مطبوعة، والثانى عبارة عن إعلانات بواسطة مكبرات الصوت. وفيما يخص المنشورات، كشفت الوثائق أن الجيش الإسرائيلى ألقى نحو 100 ألف منشور وبيان مطبوع خلال أيام الحرب على الجبهات المختلفة، مستغلاً أن معظم جنود الجيش المصرى والأردنى كانوا من الفلاحين البسطاء الذين لا يعرفون شيئا عن الجيش الإسرائيلى، وتغزوا على قصص ألف ليلة وليلة التى نسجت حول العدو الصهيونى، وهو ما دفع الإسرائيليين لاستخدام عنصر الخوف ضد المصريين والأردنيين بشكل رائع. وكشفت الوثائق الجديدة أنه على الرغم من زيادة عدد القوات المصرية والعربية عن القوات الإسرائيلية، إلا أن الجيش الإسرائيلى كان يلقى منشورات على القوات المصرية يقول فيها «نحن كثيرون.. أكثر وأقوى منكم»، فى إطار عمليات الحرب النفسية. الحرب النفسية التى كشفت عنها الوثائق الجديدة والتى قامت بها الوحدة 640 فى الجيش، لا تزال تستعملها إسرائيل حتى اليوم، لكن مع اختلاف الآليات والتكتيكات. تقول دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى، أعدها الخبير العسكرى، لويس رينيه، إن المسئولين الإسرائيليين عرفوا منذ اللحظة الأولى، حاجتهم إلى عامل مكافئ للقوة العسكرية فى المنطقة، يوازى التفوق العددى العربى، ولذلك عملوا منذ البداية على امتلاك القنبلة النووية لتشكل عامل ردع بالنسبة للعالم العربى، وفزاعة توقف أى خطوة عربية لشن عمليات عسكرية موسعة ضد إسرائيل. وتابعت الدراسة أن إسرائيل اعتمدت على سياسة «قنبلة فى المخبأ» بهدف تصدير الخوف إلى الجانب العربى، والمساهمة بجزء فعال فى استمرار الحرب النفسية الإسرائيلية على العرب، مؤكداً أن اتباع سياسة التعتيم النووى، دون الكشف عن طبيعة الأسلحة النووية الإسرائيلية وإمكانية استخدامها وقوتها التدميرية، سيظل يواصل عمله فى الحرب النفسية الإسرائيلية، وترسيخ فكرة الخوف من النووى الإسرائيلى لدى الآخر. كيف استخدمت مصر الحرب النفسية فى نصر أكتوبر 73 كما استخدمت مصر الحرب النفسية ضد إسرائيل وكان لها الفضل فى نصر أكتوبر 73، وخرجت القوات المسلحة بعدة بيانات هزت نفوس قوات الاحتلال، فبين الفترات كانت تعلن القوات المسلحة ببدء مناورة عسكرية، ما يجبر جيش الاحتلال على رفع حالة الاستعداد القصوى ما يكبدهم ملايين الجنيهات، حتى أعلنت القوات المسلحة بدء مناورة أخرى وكانت الأخيرة لبدء الحرب، فى المقابل تجاهل جيش الاحتلال ذلك الأمر خوفًا من الخسائر المالية، وفوجئوا بعد ذلك ببدء الحرب. كما أعلنت القوات المسلحة فتح باب العمرة لقياداتها ما يوحى لجيش العدو بحالة التراخى العسكرى لمصر، وغيرها من منشورات الجرائد بحالة الفساد المتفشى فى المؤسسات، وانتشار الأمراض والأوبئة ما دفعهم لإخلاء مستشفى الدمرداش، ولكن كانت حقيقة الأمر استعداداً للحرب ولتلقى المصابين من الجنود.