يبدو أن التهديدات التي تواجه الثورة الليبية لن تقتصر فقط على انتشار فوضى السلاح وسعي أنصار العقيد الراحل معمر القذافي لإثارة القلاقل في البلاد, وإنما امتدت أيضا لتشمل الصراع بين الجماعات القبلية من أجل السلطة والسيطرة على الموارد. ففي 22 فبراير, هدد قائد الجيش الليبي يوسف المنقوش بأن القوات الحكومية ستتدخل إذا لم تتوقف الاشتباكات المتواصلة بين قبيلتي التبو والزوي في إقليم الكفرة في جنوب شرقي البلاد والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى. وأضاف المنقوش في تصريحات لوكالة "رويترز" أنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف القتال بين القبيلتين في 19 فبراير, لكن اشتباكات أكثر كثافة وقعت فيما بعد. وأشار إلى أن وزارة الدفاع والجيش يحذران من أنه ما لم يتوقف القتال , فسيكون هناك تدخل عسكري حاسم لوضع حد للاشتباكات. وسرعان ما أعلن المنقوش في 25 فبراير عن تدخل الجيش الليبي بالفعل لوقف الاشتباكات في الكفرة, قائلا:" إن التدخل في الكفرة أظهر أن الجيش الوطني الذي تشكل فقط في الأسابيع القليلة الماضية أصبح قادرا على فرض النظام والقانون". وأضاف المنقوش "الآن الجيش موجود بالفعل ووحداته موجودة وأمنت المطار والمنطقة, الجيش سيفعل كل ما في وسعه لحل المشكلة بين قبيلتي الزوي والتبو". وكانت قبيلة الزوي اتهمت قبيلة التبو المجاورة بمهاجمة معاقلها بدعم من مرتزقة من تشاد للسيطرة على الكفرة, لكن "التبو" قالت إنها هي التي تعرضت للهجوم أولا. واتهم عيسى عبد المجيد رئيس قبيلة التبو في تصريحات لوكالة "فرانس برس" قيبلة الزوي بمهاجمة قبيلته, مشيرا إلى أن 113 شخصا على الأقل من قبيلة التبو و20 آخرين من قبيلة الزوي قتلوا في الكفرة منذ اندلاع القتال بين القبيلتين في 12 فبراير. وفي المقابل, قال عبد الباري ادريس وهو مسئول أمني من قبيلة الزوي إن مسلحين محليين من القبيلة اشتبكوا مع مقاتلين من جماعة التبو العرقية بقيادة عيسى عبد المجيد الذي يهاجم "الزوي" بدعم مرتزقة من تشاد, متهما عبد المجيد بجلب آخرين من التبو من تشاد المجاورة ومحاولة توطينهم في الكفرة. وينتشر التبو أساسا في تشاد, لكنهم موجودون أيضا في أجزاء من جنوب ليبيا والسودان والنيجر ويعبرون في كثير من الأحيان الحدود الصحراوية غير المميزة بعلامات ذهابا وإيابا. وبالنظر إلى أن الكفرة هي منطقة نائية في جنوب شرقي ليبيا وتشترك في حدود مع السودان وتشاد وتعتبر مركزا للمهربين الذين يستغلون الحدود التي لا تخضع لسلطة القانون في جنوب الصحراء الكبرى, فقد ظهرت تحذيرات من احتمال خروج الأمور عن نطاق السيطرة وعرقلة محاولات المجلس الانتقالي الليبي بسط سلطته على أنحاء البلاد. ولعل التهديدات التي خرجت من داخل الكفرة بإعلان الانفصال زادت من حدة التحذيرات السابقة, خاصة أنه تم قمع تمرد قبلي هناك في عام 2009 بعدما أرسل القذافي طائرات هليكوبتر مقاتلة للقضاء عليه. وكان فرحات عبد الكريم بو حارق منسق الشئون الاجتماعية في حكومة الكفرة المحلية انتقد في الأيام الأخيرة المجلس الوطني الانتقالي لتجاهله جنوب شرق البلاد, رغم أن إقليم الكفرة هو أكبر الأقاليم الليبية ويمتد على حدود السودان وتشاد. وذكرت صحيفة "القدس العربي" اللندنية أن بو حارق هدد بأن الكفرة ستضطر إلى إعلان الاستقلال عن ليبيا ما لم تتلق الدعم اللازم لإنهاء ما وصفها بهجمات المرتزقة القادمين من تشاد, موضحا أن المقاتلين المحليين طلبوا مساعدة من بنغازي ومصراتة بعد تعرض ثكنات عسكرية محلية لهجمات "المرتزقة", لكنهم لم يتلقوا أي استجابة. وبصفة عامة, فإن تحرك الجيش الليبي لاحتواء اشتباكات الكفرة كان أمرا لا مفر منه, خاصة أن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل اتهم في 23 فبراير صراحة فلول نظام القذافي باستغلال تلك الاشتباكات لتأجيج الفتنة في الكفرة وإشعال الاضطرابات في البلاد.