تعكس الأحداث الطائفية المتكررة خلال الفترة الأخيرة أزمة فى الدماغ، فالتفكير المحدود يقود إلى ارتكاب أفعال تؤدى إلى كوارث، ومن ينظر إلى ما جرى يجد أن الوقائع الطائفية تبدأ بمشكلة صغيرة، لكن بعض الأشخاص من ذوى التفكير الضيق يتدخلون فيشعلون فتيلا يوقدها نارا فى قرية بأكملها، وقد تمتد ألسنة اللهب لتهدد بإحراق الوطن كله، لكن ميزة هذا الوطن أنه لا يستمع لأصحاب الدعاوى الخبيثة التى تهدف إلى تمزيق العلاقة المتينة بين أبناء أرض مصر، فالمسلمون والمسيحيون فى هذا البلد من أصل واحد، فتح العرب مصر فاعتنق من شاء من المصريين الإسلام وبقى من بقى على مسيحيته، ولا شك أنه حدث تزاوج بين العرب والمصريين، وذاب العرب فى الشخصية المصرية، لتكون النتيجة أننا جميعا مصريون من دم ولحم واحد، ولذلك تفشل محاولات زعزعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ومهما حاول من حاول فإن العلاقات تعود إلى ما كانت عليه، وبعد زوال الظلم وعودة العدالة الاجتماعية سيعيش أبناء الوطن الواحد مستقبلا جميلا يرسمون ملامحه سويا، لا فرق فى ذلك بين مسلم ومسيحى. لا أشك فى أننا جميعا مقصرون فى الأزمات الطائفية، فنحن الإعلاميين من المفترض فينا أن نبحث عن الحقيقة لنقدمها للقارئ والمستمع والمشاهد، لكن التنافس الأعمى يجعلنا نجرى وراء الإشاعات (الإشاعة كلمة فصيحة، لأنها مصدر للفعل أشاع) فنرسخها لدى الناس وكأنها حقائق، وتكون النتيجة أن بعض النفوس تصاب بشروخ تؤدى إلى الإحساس بالظلم، وهذا يقود إلى الانفعال وارتفاع الأصوات مطالبة بالانتقام، ووسط الجلبة والضجيج تخفت الأصوات العاقلة ولا تجد من يستمع إليها، وتكون الكارثة عند اشتعال الموقف ووقوع قتلى بين أبناء الوطن فتسيل دماؤهم التى ترجع إلى أصل واحد، هو الدم المصرى. واجب الإعلام أن يتثبت من الحقيقة، وألا يتحول الإعلاميون إلى مشعلى حرائق، وعلى سبيل المثال ففى الأزمة التى حدثت فى قرية النهضة فى منطقة العامرية التابعة لمحافظة الإسكندرية سرت الأقوال بأنه حدث تهجير للمسيحيين، وترسخت هذه المعلومة فى جميع وسائل الإعلام بانتقالها من وسيلة إلى أخرى فى وقت قصير. وعندما ذهب الزميل عبدالوهاب شعبان إلى القرية للوقوف على حقيقة الأمر (الوفد 18 فبراير 2012) اكتشف أن مسألة «تهجير المسيحيين» من العامرية كذبة كبرى وفخ وقع فيه الإعلام المكتوب والفضائى، التقى الزميل بمسلمين ومسيحيين فى القرية، وتوصل إلى أن الأهالى كانوا يناقشون مشكلة الشاب المسيحى الذى ادعى أنه على علاقة بسيدة مسلمة، وكان الحوار مع عائلة هذا الشاب، وأثناء النقاش أطلق أبناء عائلة «أبو سليمان» المسيحية الأعيرة النارية، وأصر بعض المسلمين على رحيل عائلة الشاب المسيحى وعائلة السيدة المسلمة وعائلة «أبو سليمان» من القرية حتى تهدأ الأمور، ورفض المشايخ المسلمون مبدأ الرحيل، ولتهدئة الأوضاع وافق «أبو سليمان» فى جلسة عرفية على رحيل عائلته من القرية حتى تهدأ الأمور، واستضافت أسرة مسلمة عائلة «أبو سليمان»، أى أنه لم يحدث تهجير للمسيحيين، لكن بوق الإعلام الكاذب كان أعلى صوتا من كل الأصوات. هذه هى الحقيقة، وإن كنا نختلف مع مبدأ الترحيل، حتى لو كان لبعض الأسر التى وصلت إلى ثلاث أسر فقط، وذلك لأن اللجوء إلى القانون هو الحل؛ من أذنب يعاقب، والآخرون لا ذنب لهم حتى يتعرضوا للتشريد. ولا يوجد دليل واحد على أن الشاب المسيحى على علاقة بالمرأة المسلمة، وقد أشار أحد أبناء الأسرة المسلمة التى استضافت عائلة «أبو سليمان» المسيحية إلى أنه لا يوجد أحد فى القرية شاهد مقطع الفيديو الذى يشير إلى علاقة الشاب المسيحى بالمرأة المسلمة (المصرى اليوم 17 فبراير 2012) وبذلك ينتفى الدليل الذى قامت الدنيا من أجله ولم تقعد. وكانت الأزمة فى الدماغ التى صدقت الأوهام ولم تتكلف عناء البحث عن الحقائق. أيها الإعلاميون، تيقنوا من الحقائق قبل أن تشعلوها نارا قد تأكل الأخضر واليابس، وتنتزع بعض الأرواح فتجعل أصحابها فى عداد الأموات. أحيوا العلاقات الطيبة بين الناس، بدلا من أن تعكروا المياه الصافية، ارحموا تنالوا الرحمة. [email protected]