يتمثل الشعار الرئيسى لثورة 25 يناير فى «عيش، حرية، ديمقراطية، عدالة اجتماعية»، ولقد ترتب على عدم وجود زعامة موحدة للثوار عدم تولى هذه الزعامة للحكم، بعد نجاح الثورة، بل تولى السلطات العامة للدولة المجلس العسكرى، الذى أصدر الدستور المؤقت، الذى خول المجلس سلطات رئيس الجمهورية واختصاصاته لمجلسى الشعب والشورى ويترتب على ذلك خلال السنة الماضية أن تحمل هذا المجلس مسئولية تحقيق أهداف الثورة، ومطالب الشعب المصرى ورغم ما وقع من صدامات دموية بين الشباب الثائر الأعزل وأجهزة الأمن سواء فى الشرطة أو فى القوات المسلحة وسقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين، نتيجة لمحاولات الثوار المستمرة للاحتشاد والضغط بالتظاهر والاعتصام على المجلس العسكرى الحاكم لتحقيق مطالبهم، التى تتمثل فى شعار الثورة والذى يمكن ترجمته بالعديد من المطالب والأهداف الشعبية، وعلى رأسها تحقيق الأمن للوطن وللمواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية أى القضاء على البطالة وتحديد الحد الأدنى والأعلى للأجور وتثبيت المؤقتين وضمان حقوق العمال، وتحقيق «العدالة الضرائبية» بفرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء وتخفيض ضرائب كسب العمل والضرائب غير المباشرة عن الفقراء مثل ضريبة المبيعات والضريبة الجمركية، وإعادة النظر فى دعم السلع والخدمات الأساسية للشعب بما يكفل توفير الدعم الكافى للمحتاجين من معدومى ومحدودى الدخل، والأولوية فى هذا الشأن بالطبع تكون لدعم الطاقة الشعبية فيما يختص بالبوتاجاز والسولار والبنزين مع مراقبة الغلاء والسوق السوداء مراقبة جادة، سواء بدعم عرض السلع التموينية التى تستهلكها الأغلبية محدودة الدخل، بثمن عادل وتطبيق نظام التسعيرة الجبرية ومنع الاحتكار فى الأسواق، وتفعيل قانون التموين وتحديد الأرباح والسيطرة على العرض ومنع التخزين للاستغلال والقضاء على الأزمات الخانقة المتلاحقة والمقررة والتى يعانى منها معظم الشعب المصرى مثل أزمة الخبز المدعم وأزمات أنبوبة البوتاجاز والبنزين والسولار وحديد التسليح والأسمنت وأزمة الإسكان. الحقيقة الغريبة أنه رغم تشكيل ثلاث وزارات من عناصر من توابع النظام الساقط كأغلبية واستكمال تشغيل مجلس الشعب من أغلبية إسلامية!! وتوليه اختصاصاته فى الرقابة والتشريع، فإن الحكومة والمجلس لم يبذلا أى جهد له قيمة، فى مواجهة تلك الأزمات الخانقة، ولا فى وضع السياسات والبرامج الفعالة لتحقيق الأهداف الشعبية الثورية، بل إن الأزمات السالف ذكرها فى السلع والخدمات الأساسية أصبحت خلال السنة الماضية ظواهر طبيعية عادية ومتكررة، وانشغل الجميع برلماناً وحكومة ورأياً عاماً إعلامياً فى مشاكل سياسية تتعلق بطموحات الأغلبية الإسلامية متمثلة فى رفض أولوية وضع الدستور على الانتخابات، وإجراءات تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وتنظيم انتخابات رئيس الجمهورية، وتشكيل الوزارة من الأكثرية وذلك بالإضافة إلى تقصى الحقائق والتحقيق والمحاكمة لقتلة المتظاهرين ويضاف إليهم الألتراس الأهلاوى ببورسعيد! أى أن السلطتين التنفيذية والتشريعية ومعهما بالطبع معظم الفضائيات والصحف والإذاعات تعمل وتنشط مستبعدة ما يتعلق بالمشاكل الحياتية الأساسية والأولية للشعب بل إن الحكومة التى أطلق عليها حكومة الإنقاذ الوطنى قد اهتمت بكل مشاكل المستثمرين الذين استولوا على الأراضى المملوكة للشعب، بثمن بخس وبإجراءات غير مشروعة يشوبها الفساد والبطلان، وقد صرح «الجنزورى»، رئيسها بأنه لن يسترد الأراضى من المستغلين الفاسدين، ولكن سوف يسوى فروق الأسعار!! فقط.. ويمثل ذلك إهداراً لأحكام القضاء وانحيازاً لمصلحة هؤلاء المستغلين، كما أعلن «الجنزورى» أنه سوف يقدم تسهيلات من بنوك الدولة للمستثمرين الذين يملكون مصالح متعثرة، كما أجل تطبيق الضريبة العقارية، وقال: إنه سوف يفعل عملية الاستصلاح والتصرف فى الأراضى بمشروع «توشكى» غير ذى الجدوى الاقتصادية، فضلاً عن اهتمامه بدعم وإنجاز ما يسمى بمدينة زويل!! وهذا كله يمثل سياسة غريبة لوزارة مؤقتة لن تبقى إلا عدة شهور، ولا يهتم بالضرورات والاحتياجات الشعبية العاجلة داعياً بما يحتاج إلى وقت طويل وعلى كثير من الانحياز لمصالح المستثمرين المستغلين بينما فى مصر 43٪ من الأميين و45٪ ممن لا يزيد دخله على 10 دولارات، ويضاف إلى ما سبق اهتمام مجلس الشعب بأغلبيته الإسلامية بالتحقيقات فى مقتل المتظاهرين وتغيير القسم الدستورى، وبإقامة الأذان للصلاة ويتضح من ذلك كله أن النخبة الحاكمة فى المجلس العسكرى ومجلس الشعب الإخوانى والحكومة مشغولون بأمور بعيدة عن المطالب والحاجات الضرورية للشعب ومنحازة إلى طائفة المستغلين من رجال الأعمال، وبالتالى فإنه لم يحدث تغيير جوهرى فى تغيير النظام المباركى ولا فى سياساته المستغلة، وتكون قد حلت دكتاتورية جديدة محله، ولذلك يزداد الاحتقان فى الشعب، وسوف يستمر الإضراب والتظاهر وسقوط الضحايا ولا حول ولا قوة إلا بالله. ------------- رئيس مجلس الدولة الأسبق