سعر الريال السعودي في البنوك اليوم الثلاثاء 7 مايو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    أسعار اللحوم والدواجن اليوم 7 مايو    اليمن.. وقوع انفجارين قرب سفينة تجارية جنوب عدن    هيئة المعابر: توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات بشكل كامل لقطاع غزة    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية اليوم    ياسمين عبدالعزيز: كنت شقية في المدرسة.. وقررت تكون شخصيتي عكس أمي    ياسمين عبدالعزيز: ولادي مش بيحبوا «الدادة دودي» بسبب مشاهد المقالب    7 تصريحات نارية ل ياسمين عبدالعزيز في «صاحبة السعادة».. اعرفها    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    مصطفى شوبير يتلقى عرضا من الدوري السعودي.. الحقيقة كاملة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    البيضاء تواصل انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الثلاثاء 7 مايو في البورصة والأسواق    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مصر الجديدة»... محاولة أخيرة لمقاومة القبح


1- «هليوبوليس».. التاريخ المنسى للأرستقراطية
للأمكنة سحرها الخاص، الذى يحكى قصة الحجر مع البشر، يروى المكان بتضاريسه ودروبه القديمة عن أزمنة انقضت بناسها وبناياتها ولكن تبقى فى الذاكرة رائحة وأيقونة وتراتيل صلاة.
هنا فى حى مصر الجديدة وهى المنطقة التى كانت تسمى قديماً باسم مدينة «أون» الفرعونية، التى عرفت فى العهد اليونانى باسم «هيليوبوليس» أى مدينة الشمس.
للمكان فى حى مصر الجديدة سطوته وبريقه المعمارى وشوارعه ذات الصيت والتاريخ الممتد لمائة عام ويزيد، ففى عام 1905 باعت الحكومة المصرية 5952 فداناً إلى «باغوص نوبار باشا» وإلى «البارون إمبان» صاحب بنك بروكسيل البلجيكى، لإنشاء حى متكامل من المرافق والخدمات يتاخم العاصمة ويكون امتدادًا عمرانيًا لها، وهو ما حدث فى غضون سنوات قليلة تحولت فيها تلال من الصحراء الصفراء الى واحة معمارية على الطراز البلجيكى تسمى مصر الجديدة، يسكنها نحو أربعمائة موظف تابع لشركة حديد مصر الكهربائية فى تحف معمارية تتكون من بلوكات سكنية عريضة بحدائق أزيلت مع مرور الزمن، ومن حولها بعض المبانى السكنية على بعضها مآذن وهمية، لخلق نوع من خداع البصر، ولمحاكاة الشكل المعمارى القاهرى الشهير، يتخللها عدد من المحلات التجارية، ويخترقها أول خطوط المترو السريع في 1 فبراير 1910 بتشغيل 27 قاطرة تربط الحى الجديد بالقاهرة، ويتم افتتاح أول فندق عالمى فى الضاحية وهو فندق هيليوبولس «بالاس».
شوارع حى مصر الجديدة فى أوائل القرن الماضى صممت لتكون عريضة، على جانبيها تصطف بيوت لا يتجاوز فى ارتفاعها الأدوار الأربعة، مداخلها مفصولة عن الشارع بممرات تحفها حدائق من الجانبين تتميز بالزهور والأشجار خاصة أشجار المانجو والجوافة.
يقدم لنا عبدالحليم حافظ فى رائعته السينمائية «الوسادة الخالية» مع الفاتنة لبنى عبدالعزيز عام 1957، معزوفة رومانسية ووثيقة مرئية لأشهر شوارع مصر الجديدة وهو شارع «السباق»، الذى كانت تسكنه حبيبته لبنى عبدالعزيز فى الفيلم.
وكانت عقود إيجار المبانى أو تمليكها فى حى مصر الجديدة حتى منتصف القرن الماضى تشترط على ساكنيها الحفاظ على نظافة العمارة والعناية بالحدائق أمام العمارات وعدم نشر الغسيل فى الحدائق ولا على حبال فى بلكونات تطل على الشوارع الرئيسية، وعدم ترك القمامة أمام باب الشقق أو شقق الجيران، وعدم إزعاج الجيران، وهو ما يجعلك تشعر بالحزن والأسى على اختفاء تلك الحدائق الغناء وزحف الضوضاء والإهمال فى تلك الضاحية الجميلة لدرجة بناء كشك سجائر بوضع اليد فى حرم فيلا الفنانة الراحلة الجميلة مارى منيب بشارع الصومال، الذى كانت تسكنه مع عائلتها حتى وفاتها فى ستينات القرن الماضى.
تأخذك قدماك الى أحد أرقى شوارع مصر الجديدة وهو شارع العروبة، حيث كانت تسكنه معظم شرائح الطبقة الارستقراطية فى فلل أنيقة، تتألف من طابقين، جميعها باللون الأبيض، تحفها حديقة شاسعة تتميز بزهور البنفسج والجاردينيا وأشجار المانجو والموالح والجوافة، وبها نافورات صغيرة جميلة الشكل وأخرى لرى الحديقة وهو الرى المعروف بطريقة «التنقيط المباشر» ولكل فيلا حارس أمين يرتدى السروال الأزرق بخيوط مذهبه وسائق يرتدى البذلة السوداء والكاسكيت والجوانتى أبيض، يهرول لفتح باب السيارة لتلك العائلة الميسورة.
أما ما يعرف باسم «جاردان ديفار»، أى «الحديقة الشتوية»، وهى عبارة عن بلكون مغلق بالزجاج المشطوف الملون وتحفه زروع طبيعية، وهو مكان تجتمع فيه الأسرة خلال فصل الشتاء، حيث تتسرب أشعة الشمس من خلال الزجاج الملون، ويطوف «السفرجي» وقت العصارى بأقداح الشاى والسحلب والقرفة بالمكسرات، فى طقس من الجمال كان شائعاً فى مصر قبل ان تغزوها العمارات الشاهقة والشوارع الخانقة والأغانى الهابطة وتعرف مصر الجميلة مناطق العشوائيات المزدحمة بأشباه البشر.
ينتهى شارع الأهرام الشهير بحى مصر الجديدة الذى سمى بذلك لأنه كان من الممكن رؤية الأهرام فى أفقه، بكنيسة البازليك، التى أنشئت خلال الفترة من 1911 إلى 1913، وهى من تصميم المعمارى العالمى «الكسندر مارسيل»، الذى وضع تصميمها على نمط كنيسة «آيا صوفيا» الشهيرة فى اسطنبول، ولكنها أصغر منها حجماً. وكان البارون إمبان يريد أن يطلق عليها اسم كنيسة نوتردام، لكنه غير الاسم إلى البازليك.
وتتوسط الممشى الرئيسى للكنيسة مقبرة البارون المبنية تحت الأرض يعلوها شاهد من المرمر الرمادى والأسود منحوت عليه اسم «البارون إمبان».
أما شارع الكوربة وبواكيه الشهيرة فسميت بذلك لأنه كان شارعا منحنيا- على غير العادة فى وقتها- والكلمة بالإيطالية تعنى الانحناءة أو القوس حيث مقهى «الامفتريون»، الذى اشتهر بتقديم المأكولات الفرنسية ومقهى ومطعم «لاكاجتنا» المتخصص فى المأكولات الإيطالية، و«كورتيجاونو» المتخصص كذلك فى أطباق «الستيك» على الطريقة الإيطالية.
2-قصر البارون «إمبان».. أساطير وأشباح ليلية
بارون بلجيكى، ذو عقلية هندسية جبارة، أنشأت مترو باريس، وبنك بروكسل الشهير، يمتلك كنوز الدنيا بلغة زمنه الذى عاش فيه أواسط القرن التاسع عشر، حينما حطت سفينته العملاقة قادمة من الهند على شاطئ القناة الجديدة التى شقها الخديو «إسماعيل» وقعت عيناه على مصر فعشقها وقرر البقاء فيها بعد أن عاش مغامراً جاب أركان الدنيا الأربعة، منطلقاً بأمواله التى لا تحصى إلى معظم بلدان العالم، طار إلى المكسيك ومنها إلى البرازيل، ومن أمريكا الجنوبية إلى إفريقيا، حيث أقام الكثير من المشروعات فى الكونغو وحقق ثروة طائلة، ومن قلب القارة السمراء اتجه شرقا إلى بلاد السحر والجمال الهند، ولأنه شخص غريب الأطوار، ولا يعرف أحد ما يدور داخل رأسه عن المستقبل، فاجأ الجميع واختار الصحراء المتاخمة لشرق القاهرة والقريبة من السويس ليقيم عليها مدينته وقصره الذى لا يقل غرابة وروعة عن صاحبه.. إنه البارون «إدوارد إمبان» مؤسس حى هيليوبولس أو مصر الجديدة.
حينما تقودك قدماك إلى قصره المسحور فى شارع الثورة بحى مصر الجديدة وتعرف أنه كان المبنى الوحيد الموجود وسط الصحراء مترامية الأطراف على طريق السويس، لابد أن تنتابك قشعريرة ما وأنت تحدق بعينيك على جدران القصر المزينة بتماثيل رائعة من المرمر وراقصات تدور من الهند، وأفيال ترفع النوافذ، وفرسان يحملون السيوف وحيوانات أسطورية متكئة على جدران القصر ونموذج لبوذا وقطع فنية صيغت بأيدى فنانين عالميين. وكأن مصمم القصر الفنان الفرنسى العالمى «ألكسندر مارسيل» أراد أن يجارى صاحب القصر فى جنونه وغموضه، فيصنع قصراً على مدار خمس سنوات لن يجود الزمان بمثله بسهولة يجمع بين أسلوبين من المعمار.. أحدهما ينتمى لعصر النهضة خاصة التماثيل الخارجية.. والأسلوب الآخر وهو بناء القصر نفسه الذى ينتمى إلى الطراز الهندى بقبته الطويلة المحلاة بتماثيل الإله بوذا والحجرات المزينة بتماثيل من القصص الهندية الخرافية.. ولمزيد من الإثارة والشطط يصمم القصر على مساحة ستة أفدنة ونصف أى نحو 30 ألف متر مربع... بحيث لا تغيب عنه الشمس فهو يدور فوق عجلات متحركة على رولمان بلى.. فقد صب العمال المصريون ولأول مرة تحت إشراف مهندسين من بلجيكا وإيطاليا اكبر قاعدة خرسانية ترتكز على رولمان بلى.. وقد علا الصدأ الآن العجلات فوقف القصر ساكنا فى مكانه لا يبارحه، ولا يوجد فى العالم كله قصر يتحرك إلا قصر البارون الى جانب سراديب طويلة تحت القصر أحدها يؤدى إلى الكنيسة التى تحمل اسمه ودفن فيها البارون عام 1928، بناء على وصيته أن يدفن فى تراب مصر حتى لو وافته المنية خارجها!، والثانى يؤدى إلى الفندق الذى يحمل اسمه أيضا وهو فندق البارون، أما السرداب الثالث فهو يؤدى كما يقال إلى قصر رئيس الجمهورية.
على الرغم من أن البارون «إدوارد إمبان» المؤسس الفعلى لحى مصر الجديدة حينما تقدم الى الحكومة المصرية عام 1905 للسماح له بإنشاء ضاحية مصر الجديدة لإقامة مساكن كبيرة فى الأراضى الصحراوية بسعر جنيه واحد لفدان الأرض.. وبتشجيع من الحكومة المصرية وتسهيلات كبيرة أقام البارون العديد من الشركات كشركة المياه والكهرباء ومترو مصر الجديدة وشركات أخرى لتقسيم الأراضى وبناء مساكن ومبان وفنادق وشوارع وأماكن سباقات للخيل، حتى وصل الأمر إلى إنشاء «الترام» إلا أن قصر البارون نفسه يظل هو الأكثر إثارة وجدلاً منذ نشأته بشكله الهندى المميز، وبمعماره الجميل ذى الطابع الإسلامى، وببرجه الذى يدور حيث دارت الشمس، وبحجراته القليلة التى يملؤها الغموض، وبالوفاة الغريبة لزوجة البارون التى قيل إنها حشرت فى المصعد الذى ينقل الطعام أو قد تكون سقطت من أعلى البرج وماتت، وفى كلتا الحالتين كانت الجريمة بفعل فاعل، وكانت ابنته الصغرى «آن» عمرها عندئذ ثمانية أعوام، وقد شاهدت هذه الحادثة البشعة فأثرت فيها كثيرا لتتوفى هى الأخرى فى عمر التاسعة عشرة بعد أن احتار الأطباء فى علاجها، وأشار طبيب القصر إلى ضرورة تغيير حجرتها حتى تشعر بالهدوء والاسترخاء ولكن دون جدوى.. وما زاد الأمور سوءًا مصرع ست خادمات الواحدة تلو الأخرى، ومنهن مدام «دى مورييه» رئيسة خدم القصر، حيث حشرت فى المصعد الذى يبدأ من البدروم حيث المطبخ إلى الدور العلوى وكان يحمل رأسها منفصلًا عن جسدها.. والعجيب أنه عقب كل حادثة كانت «آن» تحاول الانتحار ما كان يشير إلى وجود صلة بينها وبين هذه الحوادث البشعة.. أيضا لقى شقيق البارون مصرعه داخل السرداب.. ليعود البارون إمبان إلى النمسا بعد هذه الكوارث وبعد أن أصيب بمرض نفسى، ولتكتمل أسطورته بانقطاع نسله بعد وفاته، فلم يظهر له وريث واضح يطالب به.
وربما كانت حياة البارون التعسة هى أحد أهم الأسباب التى زادت من قصص الأرواح، التى تناقلها الناس لمائة عام مرتبطة بالخوف والرعب والسحر والشعوذة والشياطين فى قضية «عبدة الشيطان»، وبرجال الأعمال الطامعين الذين سعوا للسيطرة عليه، وتحويله لفندق أو قاعات مناسبات. ويقال إن أصوات ترتيل حزينة تسمع ليلا فى غرفة الدماء بالقصر خلال شهر مارس من كل عام، وهو الشهر الذى لقيت فيه «آن» ابنة البارون مصرعها.
فقد ولد البارون «إمبان» بعرج ظاهر فى قدميه بالإضافة إلى كونه مريضا بالصرع، وكثيرا ما كانت تنتابه النوبات الصرعية فيقع فى حديقة قصره وتشرق عليه الشمس وكلبه يقف بجانبه إلى أن يفيق، فالبارون لفرط صرامته لم يكن يستطيع أحد من الخدم الاقتراب منه إلا بأمره، حتى لو كان ملقى على الأرض فاقد الوعى.
ومعظم الأقاويل التى جعلت «قصر البارون» بيتا حقيقيا للرعب تدور حول سماع أصوات لنقل أثاث القصر بين حجراته المختلفة فى منتصف الليل، والأضواء التى تضىء فجأة فى الساحة الخلفية للقصر وتنطفئ فجأة أيضا، وتبلغ درجة تصديق السكان المجاورين للقصر حدا كبيرا، بأن الأشباح لا تظهر فى القصر إلا ليلا، وهى لا تتيح الفرصة لأحد أن يظل داخل القصر مهما كان الثمن.
3- ترام مصر الجديدة لم يتبق منه سوى خطين فقط
كأسد عجوز، باتت ترقد فى استسلام تام، فقد قل الرفاق، وذهب المحبون، وما تبقى منها، لا ينم إلا عن أنها تستعد لنهاية الرحلة، وأنها فى القريب العاجل سوف تصبح تراثًا، إنها قضبان ترام مصر الجديدة، الذى ظل لأكثر من مائة عام، متعة من التنقل والترحال، كان فيها شريانًا يضخ الحياة فى قلب مصر الجديدة، واستطاع أن يملأ الضاحية البعيدة الهادئة بالمتعة والجمال.
لقد بدأت الدولة منذ أكثر من عامين، فى تفكيك كافة خطوط ترام مصر الجديدة، ولم تُبق منه إلا على خطين فقط، هما خطا «المحكمة، ألماظة» و«ألماظة، الحجاز»، واللذان بحسب تصريحات هيئة النقل والمواصلات، سوف يتم تطويرهما، بعدما تمت إزالة قضبان المترو من خط «روكسى، رمسيس» لإنشاء مسار معزول، وتيسير أتوبيسات مفصلية بدلاً منه، فضلاً عن إزالة باقى الخطوط، التى تربط بين منطقتى حلمية الزيتون ومصر الجديدة.
سيظل التغيير دائمًا سيد الموقف، لقد تغيرت منطقة مصر الجديدة، مثلما تغيرت مصر كلها خلال الخمسين عامًا الأخيرة، فازدحمت المدينة الهادئة، ولم تعد فى حاجة لربطها بالعاصمة الأم، لذلك اتخذت الدولة قرار إزالة مترو مصر الجديدة، بهدف التوسعة، نتيجة للتكدس المرورى، على الرغم من اعتراض غالبية سكان المنطقة على هذه القرارات.
تعود قصّة ترام مصر الجديدة، إلى ما تعود إليه قصة مصر الجديدة نفسها، إلى ثمانينات القرن الماضى، حينما قرر البارون إمبان المهندس البلجيكى، إنشاء الضاحية الأرستقراطية الهادئة، وكانت فكرته حينها، تدشين ترام يجوب الشوارع الفارغة، ليجذب إليها المواطنين، وكانت البداية بخطين، واحد يصل إلى العباسية، والآخر إلى العتبة، وتشجيعاً للمواطنين فى كافة أنحاء القاهرة على الذهاب لمصر الجديدة، كان البارون إمبان يعطى كل راكب مترو إلى مصر الجديدة، تذكرة مجانية ل« لونا بارك» أول ملاه مائية فى القاهرة.
أنشئ مترو مصر الجديدة، بواسطة شركة بلجيكية خاصة، سميت شركة سكك حديد مصر الكهربائية، وفى عام 1951 بدأ تشغيل خط عبد العزيز فهمى، وبعدها بعام واحد فقط، تم نقل نهاية خط النزهة، من محطة عماد الدين إلى شارع الجلاء، ليستمر الوضع هكذا لمدة عشر سنوات، حيث تم إنشاء خط مدينة نصر وامتداد خط الميرغنى؛ لتكتمل شبكة مترو مصر الجديدة فى عام 1972، مع بداية تشغيل خط المطرية الدراسة، بعد ذلك قررت الحكومة نقل إدارة الترام لهيئة النقل العام عام 1992.
وفى أكتوبر 2014 بدأت أولى مراحل إزالة مترو مصر الجديدة، حيث تم إزالة القضبان، التى تضم شارعى الأهرام وأحمد تيسير، لتوسعة الشارعين، كأحد الحلول لمشكلة المرور، ولكن حينها سادت حالة من الغضب بين سكان حى مصر الجديدة ومدينة نصر لقيام المحافظة بإزالة قضبان المترو، مؤكدين أنه تراث تاريخى يعود عمره لأكثر من 100 عام، وطالبوا بتطويره بدلًا من إزالته، والاقتداء بدول العالم التى تحافظ على تراثها.
وفى كل العالم، يعتبر المترو وسيلة نقل شعبية وسريعة، بل وجزءاً من ثقافة الدول، لما يمكن أن تحمله محطاته من تراث، تستطيع أن تجسد الحقب التاريخية لأى دولة، بل إنه يمكن أن يصبح معلماً سياحياً بارزاً للزائرين، أو أن يصبح معرضًا مفتوحًا، إذا استطاع أصحاب القرار توظيفه جيداً والاستفادة منه.
وعلى هذا فإن مدنًا أثرية ك«ڤيينا» و«باريس»، تحرص على الحفاظ على الترام كوسيلة مواصلات رئيسية فى التنقلات الداخلية للمواطنين والسائحين، حيث يعد أنسب المواصلات، خاصة داخل مدن تمتاز بالطابع التاريخى، حيث يقلل من آثار انبعاثاته الكربونية على المبانى الأثرية التى تتميز بها تلك المدن، وهو ما يتوفر بالطبع بمصر الجديدة، التى تحتوى على عدد كبير من المبانى الأثرية ذات الطرازات الأوروبية المتنوعة.
كذلك تأتى تجربة روسيا فى ذلك فريدة، على الرغم من أنها تأتى بعد تجربة مصر مع الترام بربع قرن، ولكن ما زالت موسكو تحتفظ بتراثها من خلال الترام الظاهر، فيحتفى مترو موسكو برموز تمجد الإمبراطورية السوفيتية، يقرأها ويستحضرها الملايين، الذين يستخدمون المترو يومياً فى تنقلاتهم، ويُعد أعجوبة تقنية ومعمارية فريدة من نوعها، شارك فى تشييدها أبرز الحرفيين والنحاتين والرسامين الروس، الذين حولوا محطاته إلى سلسلة من المتاحف الممتدة، اختزنت التاريخ، وضمت أروع اللوحات والتماثيل، والثريات الفاخرة، ورصعوا جدران أعمدته بالأحجار الكريمة، والمرمر والرخام النادر. ط أيضًا فإن عدداً من الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة، نفذت مشروعاً للترام السطحى، حيث أعلنت إمارة « دبى»، عن تشغيل 11 محطة كمرحلة أولى فقط يسمح بتجديدها، وحرصاً منها على الحفاظ على الترام، والتأكيد على أهميته كوسيلة نقل جماعى، قامت حكومة دبى بتحديد غرامة تصل إلى 30 ألف دولار، لمن تصطدم سيارته بالترام، فضلاً عن نزع رخصة سيارته لمدة عام كامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.