وسط الأحداث الدامية التي تنزل بالوطن تقع أحداث جسام تؤثر علي مستقبل الوطن كله.. ونكاد نفقد واحداً من أهم الموانئ المصرية.. بل هو ميناء الحاويات الأول هو ميناء دمياط. ويبدو أننا تعودنا علي قتل مشروع ناجح من أجل مشروع آخر مازال في علم الغيب.. ولا يمكن أن ننسي التجربة المريرة التي عاشها المشروع القومي لتنمية سيناء.. من أجل مشروع توشكي، حتي أننا اغلقنا باب الانفاق علي تنمية سيناء لكي نخصصها لمشروع توشكي.. فقد كان النظام السابق يحلم ان يبني الهرم الذي سيحمل اسمه عبر صفحات التاريخ.. فلا نحن أتممنا المشروع القومي لتنمية سيناء.. ولا نحن مضينا قدماً في تنفيذ مشروع توشكي.. فخسرنا المشروعين.. إيه الحكاية؟! هي حكاية ميناء دمياط مع حكاية مشروع شرق التفريعة.. إزاي؟! فالحكومة دعمت ميناء دمياط لأنه أول ميناء داخلي أي بني أو حفر داخل الأرض ثم تم فتحه علي البحر المتوسط، وهذا جعله الميناء الوحيد في مصر الذي لا يغلق أمام الملاحة أبداً.. ولا تؤثر فيه العواصف البحرية.. وبذلك أصبح الميناء الأول بمصر لسفن الحاويات.. وأصبح ميناءً رئيسياً أمام معظم خطوط سفن الحاويات في العالم.. وعودوا إلي الأرقام. ثم فكرت الحكومة في مشروع شرق التفريعة لاستغلال موقعة في المدخل الشمالي لقناة السويس.. وفي نفس الوقت لإنعاش بورسعيد مع قرب إلغاء قرار المدينة الحرة بها.. وبعيداً عن الصراع التاريخي بين مدينتي بورسعيد ودمياط أخذ الاهتمام بمشروع شرق التفريعة يزداد.. وهذا ليس ضاراً، بل مطلوباً ولكن - وفي المقام الأول - يجب ألا يؤثر ذلك علي ميناء دمياط الذي هو أيضاً ميناء مصري.. ولا يعيب أن يكون في مصر عشرات الموانئ لأن موقعها يؤهلها لذلك. وكان عمق المياه في ميناء دمياط - في حوض رسو السفن علي الارصفة وفي الممر الملاحي من داخل البحر إلي داخل الميناء - هو 15 متراً صافياً وحتي يستمر هذا العمق كانت هناك عمليات تطهير مستمر لقاع حوض رسو السفن هذا أي باستمرار تكريك هذه المساحة المائية لإزالة الطمي والرمال ومخلفات السفن من تعبئة وتفريغ، أي من المواد التي تحملها السفن.. وكان هناك مشروع دائم لعمليات التطهير للاحتفاظ بهذا العمق الذي تعمل عليه كل السفن العالمية. ولكن النظام السابق في العام الأخير من عمره أهمل عمليات التطهير هذه.. وبدلاً من أن نعمل علي تعميق هذا الحوض والممر الملاحي.. تركناه لعملية إطماء مستمرة.. وجاءت أحداث ثورة يناير.. التي مضي عليها حتي الآن عام كامل لتتوقف عمليات التطهير طوال العامين الكاملين الماضيين.. فنفقد 180 سنتيمتراً من عمق المياه اذ يصل العمق الآن إلي 13 متراً و20 سم. وانتظرت السفن - وكل التوكيلات الملاحية العالمية - شهوراً عديدة علي أمل ان تتحرك السلطات المصرية، وسلطة أو هيئة ميناء دمياط لتتحرك هذه أو تلك لتطهير المياه حتي يستمر العمل فيه ولا تتوقف عمليات الشحن والتفريغ، ولكن استمر الصمت المصري.. الذي يمكن ان يقتل الميناء، أو يغلقه أمام سفن الحاويات.. وأيضا سفن البضائع العامة، وغيرها. هنا تحركت شركات الملاحة العالمية وأخطرت سلطات ميناء دمياط بخطورة الموقف.. واتصل بي عدد من المهتمين بأمور ميناء دمياط علي أمل التحرك لعودة عمليات التطهير.. وأرسلت مجموعة من أهم التوكيلات الملاحية التي تعمل في ميناء دمياط وهي تضم 5 توكيلات عالمية منها خطوط أسيا والبحر الأسود - وأرسلوا لي اسماء هذه التوكيلات - التي تصل من سفنها للميناء حوالي 100 رحلة. ولكن هذه التوكيلات وشركاتها الكبري وضعت برنامجاً لبناء سفن حاويات جديدة كنوع من تقليص نفقات التشغيل.. وذلك ببناء سفن ذات حمولة أكبر أي بغاطس أكبر.. وبذلك سيفقد ميناء دمياط السفن القديمة الحالية والسفن الجديدة معاً.. لأن الميناء مع عمقه الذي يتناقص يوماً وراء يوم سيصبح غير قادرا علي استقبال هذه السفن. وسوف تأخذ هذه السفن طريقها إلي ميناء بيريوس اليوناني مما يؤثر علي الاقتصاد المصري.. وخسارة ملايين الدولارات، بل وتشريد عمالة مصرية كبيرة تعمل في ميناء دمياط، وبالذات في شركة الحاويات وغيرها، وأيضاً خسارة الجمارك التي تحصل عليها الدولة المصرية. وللأسف فإن رئيس هيئة الميناء الحالي لا يعرف تفاصيل هذه المشكلة لأنه حديث عهد بالميناء.. اذ قام وكلاء هذه التوكيلات بإخطار سلطات الميناء.. ولكن لم يجدوا استجابة بالمرة. من هنا - نحن كل الدمايطة - نستنجد بالدكتور جلال سعيد وزير النقل أن يتحرك لإنقاذ ميناء دمياط من هذه الكارثة التي تعود علي الوطن كله بالخسارة الهائلة.. والمطلوب فقط كراكة واحدة تبدأ العمل فوراً في تطهير الحوض واعادة العمق إلي ما كان عليه.. تمهيداً لوضع مشروع لزيادة العمق يستطيع استقبال السفن الجديدة.. لا أن نفقد السفن الحالية أيضاً. ولا مكان هنا للمنافسة.. أي لقتل ميناء دمياط لحساب ميناء شرق التفريعة فالاقتصاد يتسع للعديد من الموانئ.. نقول ذلك قبل أن نفقد مئات الملايين من الدولارات انفقناها لإنشاء ميناء دمياط.. وأنتظر رد السيد وزير النقل.. مشكوراً..