كنت أفضل الاحتفال بالإنجاز الثوري لشعبنا العظيم، يوم 23 يناير وليس يوم الخامس والعشرين منه، وذلك لأن الأحداث التي شهدتها مصر خلال الربع الأول من عام 2011 قد أدت في مجملها إلي ما اصطلح علي تسميته بإسقاط النظام وهي نتيجة لا يمكن اعتبارها إلا كمقدمة لثورة فقط، أما الثورة الحقيقية وفقاً للمعايير القانونية والموضوعية والتاريخية، فهي تلك الإرادة الشعبية الوطنية الخالصة، التي تستطيع أن تحدث تعديلاً في أيديولوجية المجتمع وتصحح التوجهات العامة للدولة علي كافة المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يتوافق مع المرجعية الأصلية والموروث الثقافي والطبيعة الفطرية والمصلحة القومية لهذا الشعب أو ذاك، وبالتالي فإذا كان إقصاء أو إسقاط نظام حكم ضرورة من ضروريات الثورة فإنه في حال حدوثه يمكن اعتباره مقدمة للثورة التي تظل مع افتراض توافر عناصرها ومقوماتها وشروطها - مرهونة بما تحدثه من آثار - علي نحو ما أوضحنا، وهي الآثار التي لن تتحقق في واقعنا المصري إلا من خلال مؤسساتنا الدستورية. من هذا المنطلق وتأسيساً علي ما سبق، نستطيع القول بأن الحركة الجماهيرية الثورية التي شهدتها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير العام الماضي - وبغض النظر عما اعتراها من قصور وما يكون قد تداخل فيها من مؤثرات - استطاعت أن تضع قدمها علي الطريق الصحيح لتحقيق الثورة، لبناء أول مؤسسة دستورية يقع عليها العبء الأكبر في المنظومة الثورية وهي مجلس الشعب الذي بدأ أعماله يوم الثالث والعشرين من يناير 2012 وهو اليوم الذي كنت أفضل اعتباره عيداً للثورة. بعد ذلك نأتي إلي الجانب الآخر لما أسفرت عنه الإرادة الشعبية من خلال حركتها الثورية منذ بدايتها وحتي الآن، ومنها علي سبيل المثال: القبض علي كثير من رموز النظام السابق ومحاكمتهم فيما نسب إليهم من جرائم، وكذا ما صدر من مراسيم بقوانين في مجالات مختلفة استجابة لآراء القوي السياسية، وكذا ما تم تلبيته من مطالب فئوية رغم عدم منطقية أغلبها، ثم خزانة الشعب التي فتحت لصرف ملايين الجنيهات لمصابي وضحايا الأحداث دون تقنين لهذه المبالغ باعتبارها تعويضاً أم إعانة، مع ملاحظة أن الفارق بينهما كبير. في خضم هذا الجانب بأمثلته السابقة، الذي لا يعتبر حدثاً بالضرورة أو هدفاً في ذاته لأي ثورة، نجد أمراً في غاية الأهمية والخطورة، قد غاب عن كثير من شباب هذا الوطن وقواه الوطنية، الذين قادوا حركته الثورية، ألا وهو وقائع السلب والإتلاف والتخريب التي طالت آلاف المنشآت العامة والخاصة بسائر أنحاء الجمهورية يوم الثامن والعشرين من يناير 2011 وتقدر خسائرها المحققة بما يزيد علي ثلاثين مليار جنيه. إن غض الطرف عن تلك الوقائع أراه خيانة، كما أن الاكتفاء بالقول المرسل بنسبتها إلي البلطجية والمندسين أراه سذاجة، وإنما كان ومازال واجباً، أن تخضع تلك الوقائع لما تستحقه من بحث وتحر وتحقيق قضائي متعمق، لكشف وضبط كل الأيادي الآثمة التي شاركت في تلك الجرائم، سواء بالتنفيذ أو التدبير أو التخطيط أو التحريض أو المساعدة. إن كشف الحقائق في تلك الوقائع التي أضرت بأمن الوطن القومي ومصالحه العليا لا يعتبر مسئولية قانونية علي أجهزة الأمن والتحقيق فحسب، وإنما يعد واجباً وطنياً علي كل القوي السياسية لتطهير الحركة الثورية من أي شائبة، وتبرئة شبابها الشرفاء من كل اتهام. لذلك أناشد الدكتور كمال الجنزوري - بما عرف عنه من شجاعة ووطنية - أن يتصدي لتلك القضية بما تستحقه من اهتمام، كما أتمني مشاركة شباب الثورة في هذا النهج لأنهم في بادئ وآخر الأمر أصحاب هذا الوطن. -------- لواء بالمعاش/أحمد عبدالفتاح هميمي الخبير الأمني