ليل غريب فى محطة مصر برمسيس، تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. أقارب الضحايا ومشجعى الكرة والثوار وأحيانا الثلاث معا تواعدوا وجاءوا معا لاستقبال قطار بورسعيد حيث وقعت مواجهات عقب إنتهاء مباراة الأهلى والمصرى أدت إلى مصرع 74 شخص حسب التقديرات الأولية . فى صالة المحطة، كان الجو متوترًا ومشحونًا فهناك عجوز يرتدى عمامة ويبكى على ابنه الذي سافر إلى بورسعيد لمشاهدة المباراة ولم يعرف عنه شيئا وظل يصرخ وينادى " عبده ...! يا عبده...! أنت فين يا ابنى ". لكن صوته يضيع وسط الزحام والصخب، ويغطي عليه الهتاف الغاضب الذى يجذب المتواجدين بالمحطة، وتختلط الشعارات السياسية مع أغنيات المشجعين، وتنطلق مجموعة معظمهم يرتدون الفانلة الحمراء يرددون: "بالروح والدم نفديكي يامصر". في حين بدأ آخرون يرددون: "الشعب يريد إسقاط المشير". ويؤكد معظم الحاضرين بالمحطة أن المجلس العسكرى له يد فى تلك المأساة التي وقعت. وظلت امرأة فى الخمسينات من عمرها تصحب ابنها المشجع الكروى ليستقبل أصدقاءه القادمين من بورسعيد، تتساءل..! لماذا يحدث ذلك الأن وبمجرد رفع حالة الطوارئ؟ وأقسم آخر أن الشرطة تنتقم من الألتراس بسبب موقعة الجمل إحدى الحلقات التي تربط بين الثوار والألتراس. فمنذ عام هاجمت ميليشيات المرتزقة الخاصة بالرئيس مبارك ميدان التحرير لتهاجم المتظاهرين بالخيول والجمال. وسرعان ما نظم مشجعو الأهلى فرقًا للمقاومة وحماية الميدان. فقد أعتادوا على مواجهة الشرطة .. وأصبح ألتراس عدة نوادي تدريجيا الجناح العسكرى للثوريين. وعند المواجهات مع القوات النظامية يتصدرون الصفوف الأولى ليتلقون الضربة الأولى. تولدت كراهيتهم للزي الميري فى الاستاد لتغرق بعدها في الخطاب السياسي . يدٌ في يدٍ ، ألتراس الأهلى مع ألتراس الزمالك يلوحان بأعلام الناديين مع علم مصر. ويوضح أحمد من ألتراس الزمالك: نحن هنا لنتضامن معا وأن التنافس بين الفريقين لا يتجاوز حدود الملعب. وبعد عدة إنذارات كاذبة والعديد من المشاجرات يدخل القطار المنتظر إلى المحطة في الثالثة والنصف صباحا. المسافرون - وبعضهم لم يرى المباراة بالمرة- تم استقبالهم استقبال الأبطال ويصطف الجمهور كحرس الشرف لكن فجأة صرخة السعادة تنطلق عندما يهبط ألتراس أهلاوى من عربة القطار، وبعضهم رؤوسهم تحيطها لفافات الشاش مثل الفاكهة التي فسدت. جميعهم يرتدون الأقنعة وعيونهم فى الوقت الذي لا تبكى فيه يظهر جليا رعب التجربة التى عايشوها . باكيا،يروى شاب فى الثلاثينات من عمره: " وجدنا أنفسنا مسجونين داخل الاستاد والشرطة لا تحرك ساكنا ولولا مجند قفز وفجر أقفال أحد الأبواب لكنا متنا جميعا هناك " . بعد قليل تجمع الحاضرون حول رجل له شنب ينتحب وابنه لم يهبط من القطار ويردد: حتى إسرائيل لن تفعل شيئا مماثلا ويضيف: "دول مش بنى أدمين اللى عملوا كده فى ولادنا".