أطالب «الجماعة» ب«تطليق» العمل السياسى والاكتفاء بالدعوة يرى د. ناجح إبراهيم، والذى آثر السلامة، وتقدم باستقالته من الجماعة بعد أن تحققت أهداف مبادرة وقف العنف، وخرج جميع أبناء الجماعة من السجون، أنه قد أتم رسالته تجاه الجماعة، وأنه يفضل أن يكون داعية إسلامى حر لا ينتمى لتيار أو فصيل أو جماعة أو سلطة. ويشدد على أنه الأفضل للحركة الإسلامية الآن، هو العمل على تحقيق الإصلاح الدينى والاجتماعى والإنسانى، دون الانتماء لحزب أو جماعة، فلا يكون الانتماء إلا لله سبحانه وتعالى وللشريعة، لذلك حينما تفجرت الأزمات داخل الجماعة، يشير إلى أنه نصح الشيخ كرم زهدى وباقى الزملاء بعد إسقاط عضويتهم من مجلس شورى الجماعة، بالتركيز على العمل الدعوى، والابتعاد عن فكرة إعادة تأسيس حزب جديد. وفيما يتعلق بأزمة حزب «البناء والتنمية» الحالية، يحمل د. ناجح إبراهيم المسئولية للحزب وللحكومة، مؤكدًا أن الطرفين أخطآ فى إدارة الأزمة الحالية. فالدولة لديها معركة قاسية فى مواجهة الإرهاب، وتفرض عليها هذه المعركة مسألة مهمة وهى عدم فتح جبهات معارك لا طائل منها، والتركيز فقط على القوى الممارسة للعنف والداعمة له، والقيام فى ذات الوقت بتحييد باقى الأحزاب والقوى الإسلامية فلا يمكن للدولة أن تدخل صراع مع الجميع، لأنه أمر غير منطقى، وغير مفهوم أن تحارب الدولة الأحزاب الإسلامية كافة سواء البناء أو النور أو الوسط أو مصر القوية أو غيرهم، طالما لم يتورطوا فى أية أخطاء بل والمفروض أن تجعل منهم الدولة حلفاء فى معركتها ضد الإرهاب. ويركز على أنه كان يمكن استخدام حزب البناء كركيزة أساسية لمحاربة داعش والتنظيمات المتطرفة خاصة فى الصعيد، لما يتمتع به من قواعد قوية وجذور فكرية معتدلة هناك. أما فيما يتعلق بخطأ حزب البناء والتنمية، فيرى أن الحزب أخطأ فى اختيار طارق الزمر كرئيس للحزب لأسباب عديدة، منها أن مواقفه ضد الدولة والحكومة المصرية واضحة، كما أنه يتسم بالتشدد والميل للصدام، لذا كان اختياره غير موفق ولا سيما أنه من الأصل غير موجود فى البلاد، لكى تكون هناك مصلحة فى توليه الحزب، فهو لا يستطيع الرجوع لمصر لأنه سيسجن، ولا يستطيع ادارة شئون الحزب من الخارج، كما أن هناك كفاءات لا تقل عنه بل ربما أفضل منه، تستطيع شغل المنصب. ويشير د. ناجح إلى أن الأزمة الحقيقية التى كشفت عنها مسألة حزب البناء والتنمية موجودة فى العقل الإسلامى، الذى للأسف فى كل المواقف الماضية، اختار ما يضره ولا ينفعه، ثم يعود ليلوم على الآخرين عداءهم له، وكان الأولى أن يساعد نفسه قبل أن يطلب من الآخرين أن يساعدوه وأن تتسم مواقفه بالحكمة والملاءمة حفاظًا على المصالح الجوهرية. وهذه الفلسفة أو الفكرة هى التى بنيت عليها المبادرة فإذا لم ترحم أنت أبناءك فلن يرحمهم أحد، لذا كان علينا بدلًا من أن نطلب إخراجهم من السجون، ولن يستجيب أحد بالطبع ان تخرجهم نحن منها، كما أنه إذا لم توقف أنت العنف لا يمكن أن تطلب من الدولة وقف العنف المضاد أو الانتهاكات. وأكد مرة أخرى، أن اختيار طارق غير مقبول لأنه لا يعترف بشرعية الحكم القائم، ويريد أن يسقطه علناً كما يردد، رغم انه من المفترض أن حزب البناء جزء من النظام السياسى القائم الذى يريد طارق إسقاطه بالقوة والثورة، لذلك قابلت الحكومة ذلك برد فعل أسوأ، وهو المطالبة بحل الحزب، وهذا الحل إذا حدث سيكون رسالة سلبية للشباب، من أن الدولة لا تريد أحزاباً إسلامية مشروعة، وهو ما يدفع الشباب إلى السقوط فى فخ العنف والإرهاب، والعمل السرى بعد إغلاق الطرق المشروعة والعلنية. ويضيف: إنه كان من الأفضل أن تسعى الدولة لدعم دور هذه الأحزاب ودفعها باتجاه التغيير والتطوير للأفضل كما فى المغرب أو الأردن، حيث تتواجد التيارات الإسلامية عبر أحزاب وتشارك فى الحكم، وهذا ما يدفع كل الإسلاميين للانضواء عبر هذا العمل الحزبى السلمى، ولكن إذا أوقف تطور الأحزاب وتم التلاعب فيها والتدخل فى شئونها، فتكون النتيجة المزيد من اليأس والقنوط لدى الشباب ودفعهم بطريق غبر مباشر لأحضان التطرف والإرهاب. ومن هذا المنطلق يرى د. ناجح إبراهيم أن خطأ الحكومة أكبر من خطأ حزب البناء، لأنها تعاقب حزباً كاملًا وتياراً كبيراً وكان يمكن أن يطبق القانون عليه فيستقيل، وهو بالفعل استقال، وذلك كان حلًا أفضل للجميع وللمصلحة الوطنية. ويضيف د. إبراهيم: إن المخاطرة باختيار طارق رئيساً للحزب، تؤكد من جديد على استمرار ظاهرة الخلل التى أصابت العقل الإسلامى، مهما كانت المبررات حتى ولو كان الهدف قدرة طارق على توفير دعم مالى كبير للحزب، ولو من الخارج. مضيفًا أنه هو ذات الخلل الذى وقع فيه الإخوان، حينما خالفوا الاتفاق الوطنى بعدم ترشيحهم رئيساً للجمهورية، وفجأة ارتكبوا جريمة بالنكوص عن ذلك التعهد، وكانت النتيجة ما وصل إليه المشروع الإسلامى من هزيمة وتراجع، وهى للأسف خيارات تغيب فيها مسألة المنطق، وتغلب فيها العاطفة، دون إدراك لحجم المخاطر المترتبة على ذلك، والتى قد تصل إلى ضياع حزب شرعى قائم ولديه وجود حقيقى، وإذا تم حله لن يمكن تعويضه فى ظل الظروف الحالية، وسيكون شبه مستحيل إعادة تأسيس حزب جديد، لذلك أقول لمن يتحدثون عن نظرية المؤامرة على المشروع الإسلامى، نحن الذين نتآمر على أنفسنا، الحركة الإسلامية تتآمر على نفسها قبل أن يتآمر عليها الآخرون وهى التى تقدم لجلاديها السوط.. لذا فعليها فى النهاية ألا تلوم إلا نفسها. وفى المقابل يؤكد أن الجماعة التزمت منذ المبادرة بعدم اللجوء لأعمال العنف، لذلك من مصلحة الدولة ومصر، الحفاظ على هذا الفصيل والاستفادة منه وتوظيفه فى معركة الوطن فى مواجهة الإرهاب، وإعادة البناء، وتعميق الديمقراطية، فلا يمكن أن يكون الإسلاميون خارج المشهد السياسى، ولا توجد مصلحة لأحد من إقصائهم نهائياً، على الأقل باعتبارها حاضنة سياسية تمنع الشباب من السقوط فى براثن الإرهاب، وما يحدث يؤكد أن الحكومة تفكر بطريقة خاطئة وكذلك الإسلاميون بما فيهم حزب البناء والجماعة الإسلامية وكنا نسير نحو الخطأ. ولا ينفى د. ناجح أن المتطرفين أو ما يسمون «الصقور» قد سيطروا فى البداية على حزب البناء والتنمية، ولكن الأغلبية الحقيقية كما يقول تؤمن بمنهج المبادرة وقواعدها وأفكارها، ومنهم عدد كبير من زملائى وأحبائى وتلاميذى داخل الحزب، وضمن قواعده التنظيمية، وأن مظاهر التشدد حتى لدى ما يسمى ب«الصقور» مثل عاصم عبدالماجد، فهو إطار رؤى فكرية لا أكثر ولا أقل، ولم نر خروجاً من قيادات الجماعة أو قواعدها على المبادرة، والانخراط فى تنظيمات العنف وأعمال الإرهاب مرة أخرى، ويعود فى النهاية ليؤكد أن «الحمائم» هم الذين يسيطرون على الحزب ويقودونه. ويعتبر د. ناجح أن ثورة 25 يناير أحدثت تأثيرات سلبية على العقل المصرى، وكسرت كل قواعد الحياة والدين والشرعية والمشروعية، وهذا ما أدى إلى كل هذه «الكوارث التى نعيش فيها»، مشيراً فى ذات الوقت إلى أن المشروع الإسلامى السياسى كسر بالفعل على أرض الواقع بعد فشل الإخوان، ولكن يظل المشروع الفكرى الإسلامى قائماً مستمراً، وهذا المشروع الفكرى والأخلاقى هو ما يجب أن تحافظ عليه الجماعة الإسلامية، وذلك أساس مهمتها كحركة دعوية لإصلاحية فى المقام الأول، والتى اختزلت هذه المهمة الآن فى السعى للوصول للسلطة، وذلك لا ينبغى أن يكون هدفاً أو غرضاً، فالرسول عليه الصلاة والسلام عرض عليه الكفار أن يكونوا ملكاً فأبى، فلم يكن هدفه السلطة، وإنما رسالة إلى القلوب.. رسالة رحمة وعطف ومودة، تبشير لا تنفير.. تفكير لا تكفير.. إصلاح لا تدمير ونفير.. رسالة تحمل الخير للناس، ولا تزرع الأرامل واليتامى والثكالى فى شوارع الوطن. ويواصل قائلاً: إنه على الحركة الإسلامية أن تلتزم الحكمة، ولا ينبغى لها أن تكون سبًاً مرة أخرى فى إدخال الآلاف من شبابها للسجون بالصدام مع الدولة فتكون لا أرض قطعت ولا ظل أبقت. وكأنها دورة تتكرر كل عشر سنوات، والملاحظ أن الحركات الإسلامية كلما أرادت أن تجمع الدعوة مع السلطة ضاع الإسلام، فعلينا البقاء فى الدعوة فقط، وعلى الجماعة الإسلامية أن تطلق العمل السياسى تماماً، وتودع الصراع مع الحكام، وتدعهم وشأنهم صالحين أو فاسدين، لأن كل محاولات التغيير تؤدى لنتائج أسوأ، وعليها الالتزام بالعمل الإصلاحى والأخلاقى والقلوب، فتقيم التوازن فى المجتمع وينصلح حاله لوحده. ويؤكد «إبراهيم» أن انغماس الجماعة الإسلامية فى العمل السياسى جرها لمزيد من الأخطاء، أهمها الدخول فى تحالف دعم الشرعية، الذى يعنى هدفه ببساطة السعى لقلب نظام الحكم، وبالتالى هذا سيؤدى للمواجهة، وعندها سيحدث انقسام وستخرج فرق من بين صفوف الجماعة تميل مرة أخرى إلى استخدام العنف، وبالتالى مزيد من الخسائر للوطن والإضرار بمصالحه وأمن الشعب، وثمن غال تدفعه الجماعة مرة أخرى عبر زج الآلاف من شبابها ورجالها إلى السجون من جديد، وكثير من الفتن والانهيارات الأسرية، وكلما يحدث صراع سياسى بين الدولة والإسلاميين تظهر جماعات التكفير وكما حدث قديماً الصراع بين سيدنا على وسيدنا معاوية أدى إلى ظهور الخوارج الذين كفروا الفريقين وسعوا لقتلهما. وفيما يتعلق بمصير الحزب والجماعة ومستقبلهما فى ضوء الأحداث الجارية، يرى د. ناجح إبراهيم أنه يجب الوصول إلى حل ومنظومة تحفظ الدولة والحركة الإسلامية فى آن واحد، بحيث يؤدى الجميع وظيفته دون الاصطدام بالآخر، ولن يكون ذلك إلا بتخلى الحركة الإسلامية عن الرغبة فى الوصول إلى الحكم أي تتخلى عن العمل السياسى، وتتخصص فى الإصلاح الأخلاقى والإصلاح الدعوى والمجتمعى والتربوى فتحفظ المجتمع من الانهيارات الاجتماعية والخلقية التى نراها الآن، وتحفظ الجماعة وأبناءها من مقصلة السجون، وتحمى الوطن من قيام ديكتاتورية بحجة مواجهة الإرهاب، فالإرهاب هو ما يمنح قبلة الحياة للديكتاتورية فى البلاد العربية. ويعود د. ناجح ليؤكد مرة أخرى أن حزب البناء والتنمية والجماعة الإسلامية يخضعان تماما لالتزامهما بمبادرة وقف العنف، وهو التزام مشترك بين الجماعة والدولة فهو أشبه بمعاهدة السلام مع إسرائيل لا يمكن تخطيها، فالجماعة طلقت العنف إلى ما لا نهاية، ربما أحيانًا فريق يأتى أكثر تشدداً، أو أكثر تفهماً، أو لديه جمود، أو لديه قابلية للتطوير، فهو أمر واقع فى الجماعة الإسلامية لا يستطيع أحد أن يتخطاه. مشددًا على أن وصول طارق الزمر لرئاسة الحزب لا يعنى حدوث تحول فى مواقف الجماعة أو الحزب، فهو لا يملك أن يدعو للخروج على المبادرة، ولو حاول لن يستجيب له أحد، فالجماعة محصنة الآن ضد أفكار العنف والتكفير ومواجهة الدولة. ويشير د. ناجح إبراهيم إلى أن فشل مشروع مرسى وجماعة الإخوان، يؤكد فى النهاية صحة الطريق الذى انتهجته الجماعة الإسلامية منذ مبادرة وقف العنف، وأن أى صدام مع الدولة مهما كانت قوة وسطوة وإمكانية الجماعة، الخاسر الأكبر فيه سيكون الحركة الإسلامية. ويطمئن الرأى العام فى مصر، مؤكدًا أن القيادات الحالية فى الجماعة وفى الحزب ملتزمة بالمبادرة، وعلى رأسهم عبود الزمر وصلاح هاشم، ود. نصر عبدالسلام، وأسامة حافظ وعبدالآخر حماد، وخلف عبدالرؤوف، وعصمت الزناتى، ورضوان التونى، ولكن يبقى الأهم أمام هذا الفريق، ضرورة الفصل التام بين الجماعة والحزب، والجمعيات الدينية، وعلى الحزب الالتزام بالعمل السياسى فقط بانفصال تام عن الجماعة مثل حزب النهضة فى تونس، والأحزاب الإسلامية فى المغرب، كما أطالب القوى الليبرالية واليسارية وكافة القوى الوطنية بألا تنساق وراء دعوة حل الحزب، فالبناء والتنمية يمثل مشروعاً إسلامياً واضحاً وجزءاً من الحركة الوطنية، ولو أخطأ طارق الزمر فليحاسب طارق، ولا تحمل أخطاؤه على الحزب، وهذه هى القيم الحقيقية للديمقراطية.