يحتفل الشعب المصري هذه الأيام بمناسبة مرور عام على قيام ثورة 25 يناير المجيدة ، ومن بين أجمل ما أفرزته الثورة روح التلاحم والألفة بين فئات الشعب المصري بأكمله على اختلاف ثقافاتهم ومهنهم وما في جيوبهم ، حيث راح أبناء الوطن يشكلون ملحمة "اللجان الشعبية" ليحموا بلدهم بعد الإنسحاب الأمني وإطلاق ميليشيات البلطجية والمسجلين خطر ليقذفوا الرعب بين الآمنين، ويجبرونهم على التراجع عن مطالبهم والرضوخ للآمر الفاسد . الأرض المحروقة وقد لجأ الأهالى إلى اللجان الشعبية بعد انتشار عمليات السلب والنهب من قبل عدد من البلطجية، حيث قسموا الليل إلى ورديات فيما بينهم، يتناوبون خلاله على السهر، ويقومون بتفتيش السيارات المارة، والإطلاع على بطاقات الهوية الشخصية للمواطنين العابرين في الشارع بعد بداية سريان حظر التجوال. ونجحت هذه الطريقة في إحباط عدد كبير من عمليات السرقة التي كان يقوم بها البلطجية، وكذلك نجحت في إحباط جرائم تهريب كميات هائلة من الأسلحة الوافدة من ليبيا وغيرها . وقد توزعت هذه اللجان الشعبية ما بين عدة مهام فكان مخولا ببعضها تأمين المنشآت الحيوية وحراسة البنوك والمتاحف الأثرية من جرائم السطو المسلح ونهب الثروات وذلك للدفاع عن مقدرات الشعب ، فيما تولت لجان أخرى مهام حماية الشوارع والحارات من هجمات الخارجين على القانون الذين كانوا يهدفون لفرض واقع "الأرض المحروقة" . بهوات وحرافيش وأكد جميع من شاركوا في هذه اللجان الشعبية أن الأزمة التي مرت بها مصر عمقت العلاقات بين الجميع، واستطاع الجار أن يعرف جاره من حيث الاسم والوظيفة وأحوال أبنائه، بعد أن كان لا يعرف إلا شكله . يستعيد محمود حسين ، موظف بالتأمينات ، شريط ذكريات تلك الأيام المشهودة قائلا : "كان الخوف يملؤنا لأننا كنا فرادى ، لكن بعد أن احتمى كل منا بالآخر وأدركنا قيمة العمل الجماعي وضرورة توحيد الصف ذهب عنا الفزع وقمنا بدور "العسس" أو خفراء الحماية ، وكنا نتبادل ورديات الحراسة فيما بيننا ، كما كان من المعتاد أن ينبهنا أحد الجيران أنه ذاهب لعمله ويطلب منا رعاية أولاده إذا احتاج أحدهم لشيء . أما الأسطى جمال طنطاوي ، سمكري سيارات بمدينة فيصل ، فيرى أن أجمل ما في هذه الأيام القاسية أنها كانت تجمع كافة طبقات المجتمع في صف واحد ، فأحد جيرانه بدرجة مستشار ورئيس محكمة كان ينزل من شقته ويقف بجوارهم ويوزع عليهم الحلوى والسندويتشات، وكان يطلب منه أن يوقد الحطب ليحصلوا على جرعة تدفئة في مواجهة برودة الشتاء القاسية . فيما يرى وائل عوض ، طالب جامعي ، أن أروع ما كان من أمر هذه اللجان أنها كانت ترجمة حقيقية لروح الوحدة الوطنية بين المسيحيين والمسلمين ، مؤكدا أن أكثر من كانوا يقومون بتأمين الكنائس والأديرة من الشباب المسلم الذي لم يفرق بين مسجد وكنيسة، وأنهم كانوا يشعرون بسعادة غامرة حين يطلبون منهم أكواب الشاي ويقبلون منهم الطعام والفاكهة كأنهم أبناء منزل واحد، وهذه كانت أكثر فترات السعادة بالنسبة لهم . روح الميدان ولم تقف مهام اللجان الشعبية عند هذا بل امتدت أيضا لتأمين ميدان التحرير من دخول البلطجية والمندسين ، يقول أحمد السيد ،طالب جامعي،: الميدان كانت تسوده الأجواء الأسرية وروح التعاون والتكافل بين أعضاء تلك اللجان، خاصة عندما تتوزع المهام بين الجميع لإنجاح "ثورة" كنا نراها من صناعتنا، ونكافح حتى تصل لنتائجها. فكان كل قادم للانضمام إلى مظاهرات ميدان التحرير كنا نخضعه للتفتيش من لجنة مخصصة لذلك للتأكد من تحقيق الشخصية، رغم أن الجيش يقوم بذلك أيضا، إضافة إلى قيام آخرين بتوزيع طعام وماء على المتظاهرين، في مشهد مبهر لم نر مثله من قبل ويمثل بالنسبة لنا وللكثيرين يوما تاريخيا مشهودا في مصر . وينادي محمود إمام ،محاسب، 28 سنة ، بعودة تشكيل تلك اللجان الشعبية، خصوصا مع تسرب أنباء عن مخططات إجرامية لإشعال مواجهات دامية خلال الاحتفال بعيد 25 يناير القومي، قائلا: البعض يهدف لردة المصريين عن ثورتهم وإغراق البلاد في بحور من الدم ، وإذا ما نجحنا في استعادة روح الميدان وتعاهد شباب كل منطقة على النزول وتأمين المنشآت الحيوية وأرواح المواطنين، سننجح في إفشال هذه المخططات أو ما يعرف بمؤامرات الثورة المضادة . بينما ينظر مصطفى عمر ، موظف وأب لثلاثة أبناء بعين الريبة لهذه الدعوة معلنا خوفه من مثل هذا الإجراء زاعما أنه بمثابة لعب بالنار لا يعرف أحد ماذا سيحرق غدا .