ليست الأم فقط هى من تحمل وتنجب، ولكن هناك «أماً» أعظم هى من تربى وتهب حياتها لطفل لم تلده، الأم مشاعر وحنان ودفء واحتواء وحضن يشعرك بالأمان، وهذه المشاعر لم تتجسد فيك أيتها السيدة التى تدعى أنك أمى، وأيضاً فيك أيها الرجل، أين كانت هذه الأبوة والأمومة التى تقولون عنها الآن، رمتنى فى الشوارع، فرطت فى عرضك عارية متمزقة الملابس، ليأتى هذا الرجل ليسترنى ويحمى شرفى من الكلاب الضالة، لتحتضنى هذه الأم وتروينى بحنانها وحبها وعطائها، سنوات كثيرة أين كنتما وأنا مريضة وهما جالسان بى ويسهران حتى شفائى، أين كنتما وهما يحرمان نفسيهما من الطعام لتوفير عشائى، أين كنتما وهما يعملان ليلاً ونهاراً من أجل توفير مصاريف المدرسة، بعد كل ذلك تقولون لى هما غريبان، قطعاً هذا الكلام غير صحيح لأن من يفعل كل ذلك هما أهلى وأسرتى، أما أنتما فأنا أخجل أن أقول إنكم أسرتى، ولسانى يصعب أن يخرج كلمة «أمى وأبى»، عندما قررتما إلقائى بالشارع بحجة أننا لم نستطيع الإنفاق عليكى، آسفة سيدى القاضى أنا أرفض العودة إليهما. هذه بداية كلمات الطفلة «دنيا»، صاحبة ال12 عاماً، التى أبكت المتواجدين بالمحكمة وهى تروى مأساتها وترفض العودة إلى أبويها، وأصرت على البقاء مع الرجل والسيدة اللذين أخذاها من الشارع وقررا أن يكونا أباً وأماً لها. قالت «دنيا» باكية: أتذكر كل شىء مما حدث من والدى وكأنه «كابوس» أنا فتحت عينى على رجل وامرأة دائماً الشجار والتعدى على بالضرب ويتهمنى بأننى «نحس» عليه من وقت ولادتى بسبب ظروف عمله وكان يتهمنى أننى سبب فشله فى العمل، أما هذه السيدة التى من المفترض أنها تكون أمى التى حملتنى 9 شهور وأنجبتنى لم تضمنى إلى حضنها يوماً واحداً وكانت دائماً تتهمنى أننى سبب عذابها وبقائها مع هذا الرجل، وكانت أحياناً كثيرة تتمنى موتى لكى تستطيع التخلص من زواجها. أياماً كثيرة كنت أنام بدون عشاء وعندما أطلب منهما طعاماً لأنى جائعة تقوم بإلقائى على الأرض وتقول لى: «منين؟»، قام بطردى من الغرفة التى كنا نقيم فيها، وقال لى إحنا مش عاوزينك، أنت وشك «نحس علينا» صرخت وتوسلت لإعادتى لهما ولكن دون جدوى وأغلقا الباب بقيت وسط الظلام وبرد الشتاء الذى كان يتساقط كالثلج، وتبدل القلب الذى داخلهما إلى حجر، بقيت فى الشارع وجسدى يرتعد حتى شاهدنى رجل يرتدى جلباباً وفوقه جاكيت كان متوجهاً إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، سألنى لماذا تجلسين فى الشارع بهذه الملابس الممزقة فى هذا البرد القاسى؟.. قام بخلع الجاكيت وسترنى وحملنى بين يديه وأخذنى إلى منزله، وجدت زوجته الحنونة ورغم أنها أسرة بسيطة تقيم فى غرفة وصالة إلا أن منزلهما كانا يخرج منه ضوء جميل وهذا ما علمته بعد ذلك وأدركته أنه رضا الله عليهما، وحكيت لهما قصتى، بكت الزوجة واحتضنتنى وقالت لى أنا لم أنجب ولكن شاء لى الله أن أكون أماً لطفلة جميلة مثلك، أنت من اليوم ابنتى، بالفعل من هذا اليوم وهما أصبحا أبى وأمى، كان أبى يتعب فى العمل ويتحمل المشاق والمخاطر بحياته من أجل تحقيق كل متطلباتى، لم أحد يصدق أنهما كانا يأكلان وجبة طعام واحدة ليوفرا لى الوجبة الثانية، أياماً كثيرة كانت تمر علينا وهما يقترضان من الجيران من أجل توفير احتياجاتى، وقررا إلحاقى بالمدرسة رغم ظروفهما السيئة، إلا أنهما أصرا على تعليمى من أجل تحقيق مستقبل أفضل، عندما كنت أمرض كانا يجلسان بجوارى ويسهران على راحتى، تفوقت فى دراستى لكى أرد لهم الجميل وكنت أحصل دائماً على الدرجات النهائية وأكون من الأوائل فى المدرسة، وجدت معهما الحب والحنان والدفء الذى افتقدته، وشعرت بالسعادة التى لم أجدها منذ ولادتى، إلى أن شاء القدر أن أجدهما يشعران بغلطتهما ويبحثان عنى وأجدهما ينشران صورتى عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وعن طريق أحد زميلاتى عرفا طريقى وحاولا أخذى بالقوة من أمى وأبى، إلا أننى رفضت، فقام برفع دعوى قضائية ضدهما واتهمها بالتزوير والخطف. سيدى القاضى أنا أقف أمام سيادتكم، وأقسم اليمين أنهما لا يستحقان أن يكونا لى أب وأم، أرفض العودة لهما لأن أبى وأمى الحقيقيان هما هذه السيدة والرجل اللذان يقفان يبكيان خوفاً على فراقى، هما فقط يستحقان كلمة «أبى وأمى» هما المستقبل الأفضل لى. انتهت «دنيا» من حديثها مع القاضى وأسرعت إلى حضن أمها وأبيها هاربة من الذى جاء ليأخذها بالقوة، وكلها رعب من حكم القاضى بإعادتها إلى من ألقى بها إلى كلاب الشوارع وهو والدها فى شهادة ميلادها!