محافظ مطروح يعتمد المرحلة الثانية لتنسيق القبول بمدارس التعليم الثانوي العام    رئيس الوزراء يتفقد محطة التجارب البحثية لتحلية مياه البحر بمدينة العلمين الجديدة    أسعار الخضار والفاكهة اليوم السبت 26-7-2025 بمنافذ المجمعات الاستهلاكية    40 ندوة إرشادية لمزارعى 13 محافظة على مواجهة التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ    مصلحة الضرائب تصدر قرار مرحلة جديدة من منظومة الإيصال الإلكتروني    مصر تشارك في صياغة الإعلان الوزاري لمجموعة عمل التنمية التابعة لمجموعة العشرين    زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب بحر أندامان في الهند    122 شهيدا جراء المجاعة وسوء التغذية بقطاع غزة من بينهم 83 طفلا    "المصرى الديمقراطى" يرفض تحميل الدولة المصرية مسؤولية جرائم الاحتلال فى غزة    كمبوديا تغلق المجال الجوي فوق مناطق الاشتباك مع تايلاند    "لوفيجارو": مأساة غزة تختبر إنسانية الغرب وعجزه السياسي    لوموند: قمة بكين تكشف ضعف أوروبا الكبير في مواجهة الصين    الثالث منذ أمس.. وفاة رضيع نتيجة سوء التغذية والمجاعة في غزة    حسام عبد المجيد مستمر مع الزمالك بعد فشل مفاوضات الاحتراف الخارجي    منتخب الطائرة ينتظم فى معسكر سلوفينيا استعدادًا لبطولة العالم بالفلبين    سيراميكا يواجه دكرنس غداً فى رابع ودياته استعداداً للموسم الجديد    إنتر ميامي يتعاقد مع صديق ميسي    بالصور.. وزير الرياضة ومحافظ الجيزة يفتتحان حمام سباحة نزل الشباب الدولي    أخبار مصر.. نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. إعلان الأوائل بعد قليل    طبيب سموم يكشف سبب وفاة الأطفال ال6 ووالدهم بالمنيا.. فيديو    خطوات التعامل مع حساب إنستجرام المزيف الذي ينتحل شخصيتك.. تعرف عليها    زوجة راغب علامة تحسم الجدل بشأن شائعة انفصالهما بصورة وتعليق.. ماذا قالت؟    نقيب الموسيقيين بلبنان ل"اليوم السابع": زياد الرحبانى كان بعيدا وفقدنا فنان عظيم    يوم الخالات والعمات.. أبراج تقدم الدعم والحب غير المشروط لأبناء أشقائها    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح اليوم.. وتوقيع كتاب يوثق رحلتها المسرحية    الصحة: مصر تستعرض تجربتها في مبادرة «العناية بصحة الأم والجنين» خلال مؤتمر إفريقيا للقضاء على الإيدز والتهاب الكبد B والزهري    "الصحة": دعم المنظومة الصحية بالبحيرة بجهازي قسطرة قلبية بقيمة 46 مليون جنيه    تحتوي على مكونات مفيدة تحفز الطاقة والمناعة.. تعرف على أفضل المشروبات الصحية الصيفية    غينيا تتجاوز 300 إصابة مؤكدة بجدري القرود وسط حالة طوارئ صحية عامة    تنسيق الجامعات 2025.. تسجيل الرغبات بموقع التنسيق الإلكتروني مجانا    وزير الري يتابع مشروع مكافحة الحشائش المائية في البحيرات العظمى    95 جنيهًا لكيلو البلطي.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    بالأرقام.. الحكومة تضخ 742.5 مليار جنيه لدعم المواطن في موازنة 25/26    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    ليلة أسطورية..عمرو دياب يشعل حفل الرياض بأغاني ألبومه الجديد (صور)    أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟    "تأقلمت سريعًا".. صفقة الأهلي الجديدة يتحدث عن فوائد معسكر تونس    "قصص متفوتكش".. محمد صلاح يتسوق في هونج كونج.. نداء عاجل لأفشة.. ورسالة إمام عاشور لزوجته    أعرف التفاصيل .. فرص عمل بالأردن بمرتبات تصل إلى 35 ألف جنيه    القضاء الأمريكى يوقف قيود ترامب على منح الجنسية بالولادة    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع السوداني الذي بدأ قبل الأوان!!
نشر في الوفد يوم 14 - 01 - 2012

لأن شر البلية ما يضحك، ضحكت من قلبي، وأنا أقرأ تصريحات الرئيس السوداني المشير «عمر البشير» التي يقول فيها: إن الربيع العربي يبدأ في السودان منذ 23 عاما مع ثورة الإنقاذ، وأنه تأخر في المحيط العربي والإقليمي، ولعل ما أضحكني هو نسه السبب الذي قد يدفع مستمعيه من السودانيين للبكاء للحال الذي آلت اليه بلادهم خلا هذين العقدين المشار اليهما.
ففي ظل «ثورة الإنقاذ» الإسلامية أصبح السودان سودانين،أحدهما: في الشمال والآخر: في الجنوب، وبات مهددا بالانقسام الي خمس دول بانفصال جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وألغيت الحياة المدنية، بإلغاء النقابات والسيطرة علي بعضها، وتهميش الحياة الحزبية للأحزاب التقليدية والحديثة، واصطناع حياة برلمانية شكلية يهيمن عليها حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي سيطر علي مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة، بما في ذلك - بل في القلب منه - مؤسسة الجيش النظامي وأمسي الفقر والبطالة وعجز الموازنة والتضخم واتساع الهوة في التنمية بين المركز والهامش، عنوانا للاقتصاد السوداني الذي تلقي ضربة قاصمة بعد انفصال الجنوب بعدما أصبح نحو 75٪ من بترول السودان المكثف لدي دولة الجنوب الوليدة، هذا فضلا عن الفساد السياسي والإداري الذي ترتب عليه خسائر فادحة للاقتصاد السوداني، لأنه يقود عمليات نهب منظم لثروات البلاد يحطم معنويات الشعب السوداني، ويفقده الثقة في المستقبل، بالإضافة الي مصادرة الصحف وإغلاقها ومصادرة الحريات الشخصية وحريات الرأي والتعبير وملاحقة النشطاء السياسيين وفتح أبواب السجون للمعارضين، ولأول مرة في تاريخ السودان المعاصر، الذي يحتفل بعيد استقلاله السادس والخمسين الشهر الجاري، تتم ملاحقة مسئولين سودانيين بينهم رئيس الجمهورية، جنائيا أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
كان العجز عن حل الأزمة الاقتصادية في ظل حكومة «الصادق المهدي» المنتخبة، هو المبرر الذي ساقه قادة الجبهة الإسلامية للانقلاب العسكري الذي قاموا به في يونيو 1989 ولعله هو نفسه العامل الأساسي الذي يسر الآن ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصير وليبيا وكان الدعم الذي حصل عليه انقلاب الجبهة الإسلامية في أيامه الأولي من الحكومة المصرية، وبعد ذلك من حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية هو الذي رسخ أقدام هذا الانقلاب الذي ازدادت في ظله الأزمة الاقتصادية اختناقا، بعد مرور 23 عاما علي وقوعه، إذ بلغ حجم الدين الخارجي في نهاية عام 2010 نحو 37.5 مليار دولار من المتوقع أن يزيد بعد انخفاض صادرات النفط التي اعتمد عليها الاقتصاد السوداني بشكل أساسي وبعد انتقال نحو 33٪ من الثروة الحيوانية ونحو 44٪ من الأيدي العاملة ونحو 65٪ من ثروة الغابات الي الجنوب بعد انفصاله ووصول نسبة التضخم الي نحو 14.2٪ وارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر، والانهيار التام الذي لحق بالطبقة المتوسطة وتدهورت الخدمات العامة التي دفعت ملايين السودانيين الي الهجرة خارج بلادهم بحثا عن الرزق وفرص أفضل للحياة.
لم يفلح خطاب قادة «ثورة الإنقاذ» المزدوج في إنقاط الاقتصاد السوداني من التردي والتدهور والفشل، ففي بداية «ثورتهم الإسلامية» أعلن قادة الإنقاذ أن حكمهم سيركز علي المسألة الزراعية ليحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ورفع شعار: «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع» وهو الشعار الذي حوله الشعب السوداني بعد سنوات من الفشل الاقتصادي الي «نضحك مما نسمع»، وبعد أن شن قادة «ثورة الإنقاذ الإسلامية» في بداية عهدهم هجوما ضاريا علي المؤسسات الدولية المانحة للقروض والمساعدات، استجابوا لكل شروط صندوق النقد الدولي، التي سبق أن وصفوها بأنها شروط سياسية تستخدم للتدخل في الشئون الداخلية للدول، فرفعوا الدعم عن السلع الغذائية الرئيسية وسعّروا الخدمات العامة، وتمادوا في الالتزام بقواعد السوق الحرة في تحرير الاقتصاد وخصخصة مؤسسات الدولة التي التهم الفساد عوائدها ودفع صندوق النقد الدولي الي وصف السودان بأنه دولة غير متعاونة، برغم الإذعان لكل شروطه!
حاك «قادة ثورة الإنقاذ» أساطير ملفقة حول نجاحهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام وبينما كان الرئيس البشير يتباهي بأن السودان وأمريكا هما أكثر الدول حرية في العالم، لأنهما تأكلان مما تنتجان كانت صفقات القمح المستورد من أمريكا وغيرها من الدول تتدفق علي الخرطوم!
المعايير المزدوجة التي قامت بها حكومة الإنقاذ السودان علي امتداد 23 عاما هي نفسها التي دفعت المسئولين السودانيين لشن حملة ضارية علي الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس حكومة الجنوب «سلڤاكير» الي إسرائيل، ووصفه بأنه معاد للعروبة والإسلام ويشكل خطرا علي كليهما، وفي شهر أكتوبر عام 1989 أي بعد أقل من 4 أشهر فقط علي استيلاء الجبهة الإسلامية القومية علي الحكم بانقلاب عسكري، عقد المجلس العسكري الذي كان يتولي شئون الحكم في البلاد اتفاقا مع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية يقضي بترحيل 50 ألفا من اليهود الفلاشا الأثيوبيين الي إسرائيل عبر الأراضي السودانية وكان المجلس العسكري قد أوكل مهمة ترحيل الفلاشا الي العقيد الفاتح عروة وهو نفس الضابط الذي سبق أن أشرف علي عملية ترحيل 12 ألفا من اليهود الفلاشا عبر الأراضي السودانية في نوفمبر عام 1948 أثناء حكم الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري وكان الفاتح عروة قد أصبح مستشارا لرئيس المجلس العسكري آنذاك «عمر البشير» واستخدم مكتبه في القصر الجمهوري كغرفة عمليات لترحيل دفعات أخري من الفلاشا، ويستعد الكاتب الصحفي السوداني المرموق الصديق «فتحي الضوا» لإصدار كتاب جديد خلال أيام يحمل في طياته وثائق جديدة عن علاقات سرية بين حكومة الإنقاذ وإسرائيل.
ولا يخفي علي أحد أن القلق البالغ الذي أحاط بفوز التيار الإسلامي بنحو 65٪ من مقاعد البرلمان المصري، يستند في أحد جوانبه الي الشك في النوايا الديمقراطية لهذا التيار، استنادا الي ما جري في التجربة السودانية، التي تتخذ الآن من فوز الحركات الإسلامية في كل من تونس ومصر والمغرب، مددا وعونا جديدا يعزز استمرارها في السلطة، باعتبارها ترفع شعارات إسلامية، تظن أنها بمنأي عن التغيير، وبرغم أن «ثورة الإنقاذ» وربيعها الذي جاء قبل الأوان، صعدت الي الحكم بانقلاب وأن الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي قد جاءت عبر شرعية الانتخابات، إلا أن ذلك لم يقلل من المخاوف التي تصاعدت مع نجاح الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، ولأن حركة الإخوان المسلمين في مصر هي الأب الشرعي لكل تلك الحركات الإسلامية العربية، فعلي عاتقها وحدها دون غيرها يقع عبء ألا تكرر تجربة الربيع السوداني، الذي تحول الي خريف باهت، يتباهي بإخفاقاته الرئيس البشير، وعلي جماعة الإخوان المسلمين بمصر أن تنهض باجتهاد جديدة ربما يقود الحركة الإسلامية في المنطقة العربية والعالم، لثورة جديدة، توائم بين مقاصد الشريعة الإسلامية ومتطلبات العصر، ولا تستقوي كما يفعل الرئيس البشير بالتيار الإسلامي الناجح، باكتساح في الصعود الي السلطة في المنطقة عبر صندوق الاقتراع ليؤكد أن الشريعة الإسلامية ستكون مصدر الدستور القادم لإقامة مجتمع القرآن في السودان، فعلي التيار الإسلامي كي يكتسب ثقة الجميع ألا يكتفي من الديمقراطية بإجراء الانتخابات وأن يتمسك بكل آلياتها التي تتمثل في القبول بمبدأ تداول السلطة واحترام التعدد الديني والثقافي والفكري والسياسي، واحترام الحريات الشخصية وأن يسعي الي توافق وطني بشأن وضع الدستور الجديد في البلاد، وأن يبني تحالفاته الجديدة بما يضمن أرضية توافقية واسعة النطاق والمجال لإدارة الشأن العام في مصر في السنوات القادمة بدلا من أن نكرر تجربة الربيع السوداني الكارثية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.