«الأرض والعرض»، كانت لوقت قريب من صعيد مصر، تطير من أجلها «الرقاب»، فالعار كل العار لمن ينظر نظرة فاضحة لفتاة صعيدية، هو بذلك يضع روحه على كفه، حتى إن الفتاة الصعيدية كانت تخشى أن تحكى أن فلاناً (غازلها) بالطريق العام، حرصاً منها على أهلها وناسها، فهى تعرف طبعهم الحامى، ولا تريد أن تكون سبباً فى إزهاق أرواح بين العائلات بسبب (كلمة)، حتى إن أكثر حالات الثأر بالصعيد تكون دائماً بسبب معاكسة فتيات أو سيدات، الويل لمن تخطئ من فتيات صعيد مصر، حتى لو كانت قد أجبرت أو اغتصبت دون إرادتها، (القتل) والرمى بالنهر أو الترع هو مصيرها. ولكن ما يحدث فى هذا الزمان الأغبر، هو ما تشيب له رؤوس الولدان، الانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعى والمغالاة فى المهور دون مراعاة ظروف الشباب، جعلت فيروس التسيب والزواج (العرفى)، تطب لبلاد الصعيد، صحيح بنسب محدودة، لكن حتى لا نضع رؤوسنا فى الرمال، فصعيد النخوة والشهامة أصبح مهدداً بتهدم العلاقات الأسرية والخلقية والترابط والتماسك، فكلام الحب المعسول وورقة (فاضية) يصبح الاثنان زوجين فى (الحرام)، وحتى لو مفيش ورقة نمشيها على أساس (قبلتك.. وقبلتينى) زوجة وزوجاً. فحينما يصحو أهالى المنيا على أخبار مفزعة، بعثور الأهالى خلال الأيام الماضية على 4 أطفال حديثى الولادة، 3 أطفال منهم عُثر عليهم جثثاً، وطفل واحد على قيد الحياة، الأمر أفزع أولياء الأمور وأثار استياء الأهالى، ووصفوه بالخروج على العادات والتقاليد والأعراف الصعيدية، ظاهرة غريبة تهدد الكيان الأسرى، وتنشئ مجتمعاً من اللقطاء وتفشى الفحشاء. الآباء تضحك عيونهم، والأمهات يضربن بقوة على قلوبهن، يا ساتر استر من البلاوى، من هول الموقف، عقب عثور أهالى قرية البرجاية بالمنيا، على جثة لطفلة «رضيعة» طافية بالمجرى المائى لترعة الإبراهيمية بالقرب من مدخل القرية، وتبين أن الجثة لأنثى حديثة الولادة، تبلغ من العمر يوماً واحداً، والحبل السرى غير مقطوع، وبمناظرتها تبين أنها فى حالة تعفن، وبعدها بساعات، يعثر أهالى قرية تونا الجبل، بمركز ملوى، على جثة لطفل طافية بالمجرى المائى بترعة دروة، وتبين أن الجثة لذكر حديث الولادة، وبمناظرتها تبين عدم وجود إصابات ظاهرية، وفى اليوم الثانى، يعثر أهالى قرية سلاقوس، بمركز العدوة، على جثة لطفل طافية بمصرف بنى صالح، وتم انتشال الجثة وتبين أنها لذكر حديث الولادة، وتم نقله للمستشفى المركزى، وبالكشف الطبى تبين أن الوفاة جاءت نتيجة إسفكسيا الغرق، والمشيمة ما زالت متصلة عن طريق الحبل السرى، واستمراراً لحالة الرعب والفزع، وفى اليوم الثالث، وفى مدينة ملوى، جنوبى المنيا، عثر سائق تاكسى، يدعى محمود مصطفى عبدالمنعم، على طفلة لقيطة «أنثى»، ترتدى جلباباً وملفوفة بقطعة قماش أمام مخزن الأسمنت على حافة ترعة الإبراهيمية على قيد الحياة. ولفداحة الأمر يتحرك اللواء فيصل دويدار، مدير أمن المنيا، ويترأس وفداً أمنياً رفيع المستوى لكشف هوية أصحاب هؤلاء الأطفال، موضحًا أن التفسير الأكبر لترك هؤلاء الأطفال هم أنهم جاءوا عن طريق حمل السفاح، خاصة أن جميع الحالات الأربع جاءت فى خلال أقل من 10 أيام، مقارنة ب5 حالات العام الماضى، كما استنفرت جهود المجلس القومى للأمومة والطفولة بمحافظة المنيا، برئاسة الدكتورة نجاح التلاوى، التى سارعت بالتنسيق مع رجال الدين إسلامى والمسيحى، لبيان حرمانية وضرر الزواج العرفى أو فحشاء الزنا، وكذلك التواصل مع التضامن الاجتماعى ومؤسسات المجتمع المدنى، لعقد ندوات توعوية بقرى ومدن المحافظة، لتوضيح سلبيات المغالاة بالمهور فى محاولة لتيسير الزواج على المتعثرين مطالبة كافة الجمعيات الخيرية، بمساعدة غير القادرين على الزواج للقضاء على ظاهرة الزواج العرفى، أو اللجوء إلى طرق غير شرعية، تكون سبباً فى تفشى الفحشاء بالمجتمع. الظاهرة غريبة على المجتمع المنياوى والمعروف بسلوكياته المحافظة، فيروس الانسياب والانحلال بدأت تهب، لتقرع جرس الإنذار لكل أب وكل أم بمحاولة احتضان بناتها، والحرص عليها من بعض الذئاب البشرية، التى أصبحت حرة طليقة فى الشارع تلهث وراء له ونشوة محرمة.