سياسيا، من المهم في المرحلة الحالية أن يسير أصحاب التيار السياسي الإسلامي وفي مقدمتهم الإخوان والسلفيون، بحذر وهدوء وتؤدة بالغين في مرحلة ما بعد حسم الانتخابات والفوز بأغلبية البرلمان، فالتحديات أمامهم كثيرة ومعقدة ومتوالدة بشكل متصل، ولا مناص عن الالتزام بمعالجة ناضجة لمختلف الملفات المجتمعية، والاحتفاظ بعلاقات مستقله وإيجابية ومتوازنة مع القوى الفاعلة والمؤثرة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي حتى ينجحوا في تجربتهم التاريخية التي منحها الشعب لهم ويعبروا بالبلاد لمستقبل أفضل، أو يسقطوا في الاختبار وينتظروا قرونا طويلة أخرى. 1 - بإعلان نتائج المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية الجارية حاليا في البلاد، بات من الواضح والثابت أننا أمام تغيير تاريخي وجذري في خريطة العمل السياسي والحزبي المصري خلال العقود المقبلة والتي قد تطول. والحق يقال إن فوز الإسلاميين بشكل عام لم يكن مفاجأة لمن هو قريب من الشارع وملم ولو قليلا بدوائر العمل السياسي والاجتماعى خلال العقود الماضية، حيث أنهم كانوا في مقدمة القوى الفاعلة والقريبة، كما أن جماعات منهم قد تجرعت ظلم أنظمة الاستبداد، وحُرم بعضهم من حق المشاركة السياسية، وتعرضوا لعمليات استئصال ممنهجة ومدروسة على مدى عقود طويلة. الآن.. وخلال الفوران العربي، يتقدم الإسلاميون المشهد باختيار وطلب وتفويض وثقة شعبية، ليأخذوا فرصتهم كاملة في كتابة تاريخ مصر والمنطقة العربية على طريقتهم، من خلال تطبيق تصوراتهم وإنزال تجربتهم لميدان الممارسة بعد أن ظلت مختزنة في قلب تلك الجماعات والحركات عشرات السنين. 2 - وإذا كنا نتعامل مع واقع وصول الإسلاميون للسلطة فإننا لابد أن ندرك حساسية الفترة التاريخية التي نمر بها، والتنبه لأهم التحديات الداخلية والخارجية التي تتربص بتلك التجربة الجديدة على مصر. يأتي في مقدمة التحديات الذي يواجهها الإسلاميون في الحكم، التركة الثقيلة التي ورثتها الدولة المصرية من الأنظمة الفاسدة السابقة على ثورة يناير 2011، والتي عبثت بمكونات الدولة وحولتها إلى قوى متناثرة لا تمتلك حتى الحد الأدنى من الحس الوطني المشترك، وضرورة الالتقاء السياسى حول الإطار العام لمصلحة الدولة المصرية بغض النظر عن الاختلاف – ولعل أثر هذا بدا جليا عقب خروج القوى السياسية من ميدان التحرير عقب خلع مبارك مع إلتقاء على المطالب الأساسية والأولية لبناء الدولة - ، وهذا ما يجب على الإسلاميين أن يعملوا على توفير مناخ ملائم لتفعيله وإيجاده خلال الفترة المقبلة، تمهيدا لإرساء قواعد عمل مشتركة تحت مظلة المؤسسات الرسمية الحاكمة بالانتخاب. وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية، وعلى عكس ما يراه البعض، ينبغي على الإسلاميين الحرص على إبقاء قنوات تفاهم وتواصل ودعم في أحيان كثيرة مع المجلس العسكري الحاكم يعد أمرا ملحا، حتى تتمكن القوى السياسية والمجتمع من إكمال صياغة النظام السياسي المصري بعد الثورة التي يعوّل عليها الجميع، والحول دون السقوط في الفوضى السلبية. 3 - الإسلاميون أمامهم تحدي التعامل مع الواقع الإقليمي والدولي المعقد أساسا والذي ازداد تداخلا وتعقيدا بعد الثورات التي قامت في الوطن العربي، التي تعيد رسم الخريطة الجيواستراتيجية للمحيط العربي والإقليمي. ويبدوا أن السلطة القادمة مضطرة للسير عبر حقول ألغام مترامية على امتداد محاور السياسة الإقليمية والدولية، خصوصا في ظل حساسية بعض الملفات الاستراتيجية كملف الطموح الإيراني والتركي وبروز بعض القوى الإقليمية التي تطمح في ممارسة دور أساسي وفاعل وتهميش دور مصر في إدارة بعض الملفات كالصراع العربي الإسرائيلي، والسودان والعراق وليبيا.. إلخ وملف الاتفاقيات والمعاهدات والعلاقات الأمريكية والأوروبية، وما يصاحب ذلك من حسابات وتعقيدات. ومع ذلك، فإن ارتفاع الحس الوطني والقومى في قراءة تلك الملفات والذي أظهر بعض الكوادر المؤهلة ذات الرؤية الواضحة من التيار الإسلامي وعيهم بها من شأنه أن يبشر بإمكانية طرح مشروع لاجتياز المرحلة التاريخية الحرجة، بالإضافة لزيادة احتمالات تطوير تجربتهم في السلطة والوصول بها إلى نضج يجعلها عصية على السقوط والاستسلام الذي يتوقعه البعض في المستقبل القريب. 4 - التحدى الآخر – من وجهة نظري – الذي يواجهه الإسلاميين عموما، يكمن في الأسلوب الخطابي العام الذي يغلب على حديث الإسلاميين والذي آن الأوان أن يتنزل على الواقع فورا – ودون الحديث عن الاستعداد للمستقبل حتى تأتى الفرصة للحكم كما كان يجرى الكلام في السابق – ويكون ذلك على هيئة خطوات عملية تفصيلية واضحة، وإنشاء جمعيات تنتظم في هيكل مركزي لتوسيع دائرة اشتراك الأعضاء حسب أنشطتهم المختلفة ومخاطبتهم بخطاب بعيدا عن العموميات والشعارات العامة التي تعتمد على فكرة التسليم بحجة التدين والصدق وترسيخ اعتماد مبدأ العمل الدؤوب المتقن لمواجهة تعقيدات ومشكلات واقعنا. 5 – يحتاج الإسلاميين إلى إعداد خطة إعلامية شاملة ذات أبعاد استراتيجية طويلة الأمد بأهداف تكتيكية واضحة للترويج لاستمرار بقائهم في السلطة، عن طريق إقناع غالبية الشعب بفاعلية مشروعاتهم الوطنية والإقليمية والدولية، وإثبات صحة برامجهم وسلامة أفكارهم الإصلاحية لبناء المجتمع وتوفير سبل الارتقاء بحياة الفرد وتأمين حقوقه المادية والمعنوية، والعمل على زيادة النفوذ في المحيط الاستراتيجي للدولة المصرية وفاعلية دورها في الساحة الدولية. وينبغى أن تعتمد الخطة على شبكة من المراكز الثقافية والمكاتب الإعلامية والخدمية تنتشر في كافة المدن المصرية وتكون ذات قيادة مركزية، وتوسع دائرة نشاطها والمشاركة بها بحيث تشمل كافة اهتمامات وأنشطة الأفراد في المجتمع، مع مراعات الابتعاد قدر الإمكان عن فكرة الحلقات الأسرية ولغة الوعظ والإرشاد.