اعتدت، والسنة على وشك الرحيل، أن أتابع كتابات كبار نقاد السينما شرقاً وغرباً، وبخاصة ما كان منها متصلاً بالافلام التي شاهدوها، على مدار السنة، والأفضل من بينها، ولماذا التفضيل؟ فمعروف أنه ما إن يجىء شهر ديسمبر، حتى يعملوا، اي النقاد، على استرجاع ما شاهدوه على شاشة ذاكرتهم، سعياً منهم الى حسن اختيار ارفع الافلام شأنا، ولفت انتباه قرائهم اليها، بما يكتبونه عنها، بأمل ان يبحثوا عنها، ومشاهدتها في مستقبل الأيام وعادة لا يزيد ما وقع عليه الاختيار على عشرة أفلام. ولكن، أحياناً، وعلى غير المعتاد، يختار ناقداً ما لغزارة ما شاهده من أفلام، عدداً قد يصل الى ضعف ذلك، أو يزيد. هذا الناقد الاستثناء، الذي أقف قليلاً عند الافلام المفضلة التي اختارها، ونشرها في مدونته العنكبوتية، في منتصف شهر ديسمبر الحالي، وعددها عشرون هو «روجير ايبرت»، ذلك الناقد الامريكي، المولع بفن السينما، حتي أنه وهبة حياته، منذ أن كان شابا يافعاً ولايزال متفانيا في خدمته رغم مرضه بالسرطان. كان أول ما لاحظته على قائمة الافلام التي وقع اختياره عليها، بوصفها أفضل ما شاهده خلال 2011، ان من بينها خمسة أفلام توجت بجوائز في مهرجاني برلين وكانا الاخيرين و«انفصال.. نادر وياسمين» لصاحبه المخرج الايراني «أشرف فارهادي»، أحد الافلام الخمسة، لفوزه بالدب الذهبي كبرى جوائز مهرجان برلين 2011. أما الافلام الاربعة الاخرى، وهى «شجرة الحياة» لصاحبه المخرج الامريكي «تيرينسي ماليك» و«سوق» لصاحبه المخرج الدانمركي «نيكولاس فيندينج رفن» و«الفنان» لصاحبه المخرج الفرنسي «ميشيل هازانا فيشيس» ثم «ملنخوليا» «الكآبة» لصاحبه المخرج الدانمركي «لارس فون ترير». فقد خرجت جميعها من مضمار التنافس على جوائز مهرجان كان الأخير فائز بإحداها، «شجرة الحياة» متوجا بسعفته الذهبية، و«سوق» متوجا بجائزة أفضل مخرج، و«الفنان» متوجا نجمه الأول «جان ديجاردان» بجائزة افضل ممثل ثم «ملنخوليا» متوجة نجمته الأولى «كريستين دانست» بجائزة افضل ممثلة. وهنا قد يكون من المفيد أن أذكر أن النقاد الذين اختارتهم المجلة الشهرية الانجليزية «سايت أند ساوند» «صورة وصوت» من مشارق الأرض ومغاربها لوضع قائمة بأفضل خمسة افلام شاهدها كل واحد منهم، أثناء السنة الموشكة على الرحيل، قد خلصت اغلبيتهم الى أن «شجرة الحياة» هو افضل أفلام السنة، يليه في الترتيب الفيلم الايراني «انفصال». وان فيلم «ملنخوليا» قد أعلن قبل بضعة أيام، عن فوزه بجائزة المهرجان الأوروبي لأفضل افلام القارة العجوز، وأن فيلم «الفنان» قد جرى ترشيحه قبل بضعة أيام لست جوائز كرة ذهبية، متصدرا بذلك جميع الافلام الاخرى المرشحة لتلك الجوائز يبقى لي أن أقول أن أياً من الافلام المفضلة لدى «ايبرت» الناقد ذائع الصيت، والفائز بعضها بجوائز مهرجانات عالمية، فضلاً عن الترشيح لجوائز اخرى أياً منها لم تكتب له فرصة عرض عام حقيقية عندنا حتى يومنا هذا. ولا ينتظر له نجاة من مقصلة رقابة، تزداد تعنتا، وتشددا على مر الأيام، ولعل ذلك يفسر بعض الشىء، لماذا فن السينما في ربوع مصر، آخذاً في التدهور والانحسار.