لا يرى لا يسمع لا يتكلم، وسط أزمات يتعرض لها السوق المصرى نتيجة السلوك الاحتكارى للتجار.. أسئلة تدور فى رأس المواطن ولا يعرف إجابتها إلا جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار الذى تم أنشاؤه فى عام 2005 لتحقيق كفاءة بالسوق، ومنع الممارسات الاحتكارية خاصة فى ظل اقتصاديات السوق الحر من أجل حماية المستهلكين، والقضاء على الارتفاع الجنونى للأسعار. 11 سنة من المراوغة بين أباطرة الاحتكار، فى حين أن جهاز حماية المنافسة عاجز عن التصدى لتلك الأزمات التى يعشها المواطن، مما دعا البعض إلى وصفه بمجرد ديكور، ملفات وقضايا محل جدل جميعها تشير إلى عدم قدرة الجهاز على التصدى لتلك الممارسات، خاصة فى ظل تأخر الجهاز عن فحص المخالفات. ورغم أن الجهاز كان مقيدًا ببعض القيود قبل الثورة، خصوصا فى ظل تدخل أحمد عز إمبراطور الحديد السابق، أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل أكثر من 50 مرة لتعديل القانون لصالحه، إلا أن التعديلات التى أدخلت عليه والتى شملت ما يقرب من 60% من نصوصه لم تكن كافية للحد من موجة الغلاء، فالآثار السلبية التى تنتج عن الممارسات الاحتكارية واضحة للجميع متمثلة فى ارتفاع الأسعار، وانخفاض حجم المعروض فى السوق من السلع والخدمات. وحسب زعم كل من تولى رئاسة ذلك الجهاز خصوصًا منى الجرف أو منى ياسين فإنه يقف بالمرصاد للمحتكرين لكن الواقع يشير إلى أن كل شىء فى مصر تحت قبضة الاحتكار. فقبل الثورة حينما كان الجهاز يتبع وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، وتغير الوضع ليتبع الجهاز مجلس الوزراء، والنتيجة واحدة وهى أن الأسعار نار. والتعديلات الأخيرة زادت من قيمة الغرامة لتصل إلى 10% من أرباح الشركات، ولكنه رغم ذلك عجز عن مواجهة الاحتكار وترك المستهلك فريسة لأباطرة المال لدرجة أن معظم التحقيقات التى فتحها الجهاز وأحيلت للنيابة كان مصيرها الحفظ باستثناء قضية واحدة وهى ملف شركات الأسمنت والتى حكم فيها بغرامة 200 مليون جنيه على 12 شركة محتكرة. حينها تدخل سفراء الدول الأجنبية لدى الحكومة لإنهاء الأزمة وإلا ستقوم الشركات بسحب استثماراتها من مصر على اعتبار أن الأجانب يسيطرون على 90% من حجم إنتاج الأسمنت. وما جعل الوضع يخرج عن السيطرة هى قوانين الجهاز نفسة التى وضعت قيودًا تمنع إثبات أركان جريمة الاحتكار وهى إساءة استخدام الوضع المسيطر والتحكم فى الأسعار، وإثبات عقد الاتفاقات لتوزيع حصص الإنتاج، بما يعنى الاتفاقات مع المنتجين لتحجيم المنافسة والتحكم فى الأسعار، بالإضافة إلى بطء الإجراءات التى تظل لسنوات وفى بعض الأحيان تنتهى بالتصالح. وطبقًا لتصريحات منى الجرف فإن الجهاز لا يجرم رفع الأسعار، ولكنه يجرم تخفيضها، وهذا ما يوضح ثبات أسعار المكالمات فى شركات المحمول والاتفاق بين تلك الشركات والمصرية للاتصالات، وشركات الإنترنت، حيث تسيطر شركة «تى اى داتا» على 74% من السوق، فى حين تتوزع الحصة المتبقية وقدرها 26% على شركات «لينك وفودافون داتا» و«اتصالات إنترنت» و«نور». تقارير التقرير السنوى لجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، أكد أن قطاع الصناعات الغذائية استحوذ على المركز الأول فى عدد الحالات التى درسها الجهاز برصيد بلغ 21 حالة، أى ما يعادل 21.20 % من عدد الحالات التى درسها الجهاز وحقق معها بتهم الاحتكار وتقويض المنافسة، ومن أبرز الصناعات الغذائية التى حقق فيها جهاز منع الاحتكار صناعة اللحوم والألبان والزيوت والخضراوات. وبحسب التقرير فإن قطاع الصناعات الكيماوية احتل المركز الثانى برصيد 14 حالة أى ما يعادل 14.14% من إجمالى الحالات التى حقق معها الجهاز خلال العشر سنوات الماضية. ثم جاء فى المركز الثالث قطاع الاتصالات بنسبة 13.13%.. وجاء قطاع الخدمات فى المركز الرابع بنسبة 12.12%، فى حين جاء قطاع مواد البناء فى المركز الخامس بنسبة 11.11%. ومن أبرز القضايا التى حقق فيها الجهاز فى قطاع البناء التحقيق مع شركات الأسمنت والتى ثبت عليها تهمة الاحتكار، وتمت إحالة جميع الشركات البالغ عددها 12 شركة إلى النيابة العامة وتم تغريمها 200 مليون جنيه، فى حين قام الجهاز بتبرئة شركات الحديد من تهمة الاحتكار رغم ثبوت الوضع المسيطر لرجل الأعمال أحمد عز الذى تستحوذ شركاته على أكثر من 60% من حجم سوق الحديد. قوانين عاجزة تنص المادة «10» من قانون الجهاز، على أنه يجوز بقرار من مجلس الوزراء تحديد سعر بيع منتج أساسى لفترة زمنية، وذلك بعد أخذ رأى الجهاز. وبالبحث عن السلع التى قام بتحديدها مجلس الوزراء فى ظل حالة انفلات الأسعار نجد أن السلعة التى تم تسعيرها هى «الشبة» التى يتم استخدامها فى عمليات تنقية المياه، محدد سعرها، لأنها تمس سلعة تتعلق بالأمن القومى حسب رأى المجلس. ويبدو أن جهاز منع الاحتكار ليس له دور حقيقى فى فوضى الأسعار ولا يرسل تقارير تدعو مجلس الوزراء لتحديد أسعار السلع، إذ كشف تصريح المستشار مصطفى عبدالغفار، عضو مجلس إدارة جهاز منع الاحتكار السابق أن الحكومة أصدرت العديد من القرارات التى حددت أسعار بعض السلع متجاهلة السلع ذات المرونة والاحتياجات الأساسية مثل إصدار وزارة المالية قرارًا بتحديد أسعار السجائر.. سلعة استراتيجية؟ وأكد عبدالغفار أن رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة والتجارة الأسبق، أصدر قرارات تعطى تجار حديد التسليح والأسمنت الحق فى تحديد الأسعار، رغم أن ذلك اختصاص الحكومة، مضيفًا أن هذه القرارات لا تزال سارية حتى الآن. والفخ الذى سقط فيه القائمون على وضع قانون منع الاحتكار هو أنه لم يجرم الحصة الاحتكارية والتى حددها بنسبة 25٪ من حجم السوق ليترك السوق للكبار يسيطرون على السلع الاستراتيجية. ولم يجرم القانون تلك الحصة طالما لم يسئ المحتكر استخدامها فى تقويض المنافسة أو التحكم فى الأسعار بالاتفاق مع الغير، وهو ما يثير الشكوك حول تحقيقات الجهاز. والثغرة التى وضعت فى قانون الاحتكار أن الشاهد إذا قام بالإبلاغ عن منافسة احتكارية شارك بها يعاقب طبقًا للقانون، فكيف لشخص يذهب للجهاز بنفسة ليحصل على عقوبة؟ الاحتكار فى الخارج واختلف شكل محاربة الاحتكار فى مصر عن دول أوروبا رغم أننا تلقينا الفكرة من الخارج. فقد تمت الاستعانة بالقوانين المطبقة فى أمريكا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وبلجيكا لمعرفة مكونات القانون الذى يهدف إلى منع الممارسات الاحتكارية، ففى الولاياتالمتحدةالأمريكية قام جهاز حماية المنافسة بتقسيم شركة «مايكروسوفت» أضخم شركة برمجيات فى العالم، إذ يجرم القانون الأمريكى الحصة الاحتكارية لو زادت عن 50% من حجم السوق. وقالت الحكومة الأمريكية إنه يتعين تقسيم «مايكروسوفت» إلى شركتين منفصلتين إحداهما متخصصة فى نظام التشغيل «وندوز» فى «مايكروسوفت» والثانية فى تطبيقات البرامج وأقرت الحكومة أن من شأن قرار تقسيم «مايكروسوفت» أن يعزز المنافسة والقدرة على الابتكار فى سوق الكمبيوتر فى الولاياتالمتحدة. وقال الدكتور عادل عامر مدير المركز المصرى للدراسات السياسية والاقتصادية إنه كان يجب تجريم الحصص الاحتكارية إذا ارتفعت عن 15% من الحصة السوقية لسلعة، فأى سلعة استراتيجية يتم التحكم فى نسبة أعلى من 15٪ منها بالسوق، فإن صاحبها محتكر.. والنسبة التى أقرها القانون كانت لصالح رجال الأعمال فى فترة برلمان 2010. وأضاف أن الحكومة رفعت الحصة الاحتكارية إلى 25% وتجريمها حتى لا تكون وسيلة لهيمنة أفراد على سلعة بعينها مثلما يحدث فى سوق الحديد والأسمنت، وطالب بتطبيق تجربة الدول الاسكندنافية فى مصر لمواجهة الاحتكارات، والتى تقوم على تجريم الحصة الاحتكارية بنسبة ما.