ملامح وجهه لم تتغير كثيرًا على رغم المرض، تقدم به قطار العمر وما زالت أصداء أدواره مرسومة على وجهه، يحتفظ فى منزله بصورة من كل عمل شارك فيه، إلا أن الصورة الأكبر من دوره فى فيلم «العمر لحظة» مرسومة بالفحم، وعندما سألته عنها قال: شاركت فى حرب أكتوبر بدمى وأحسست أنى نورت الشوارع بعد نكسة طويلة وقدمت فرحتى بالنصر فى «العمر لحظة» لذلك أحتفظ بذكرى أكتوبر على جدران بيتى. من هنا بدأ حديثى مع الفنان الكبير محمد خيرى الذى غاب عن الساحة الفنية ويريد الكثيرون الاطمئنان عليه ومعرفة أخباره كيف بدا وإلى أى طريق انتهى.. وبمجرد أن سألته كيف حالك أجابنى باكياً «أصحابى وحشونى ونفسى أشوفهم».. وإلى نص الحوار ... استوقفتنى كثيرًا الصورة المرسومة بالفحم على جدران منزلك، حدثنى عنها ولماذا الاحتفاظ بها فى منزلك؟ - الصورة، رسمها لى رسام بعد مشاركتى فى فيلم «العمر لحظة»، وكان أول أعمالى السينمائية بعد مشاركتى فى حرب أكتوبر، وكانت أصداء أكتوبر ما زالت مسيطرة علىَّ، أنام أتذكر ما حدث بها وأستيقظ لأنتظر ما سيحدث بعدها، ولا أنكر أننى وأنا أشارك فى الحرب، كانت كل لحظة أنتظر وقتها متى سأقدم فيلماً عن هذا النصر العظيم. نحتفل بالذكرى ال43 لحرب أكتوبر، ماذا يمثل لك النصر بعد كل هذه السنوات؟ - أكتوبر بالنسبة لى حياتى، أهم فترة فى عمرى، دخلت الجيش 7 سنوات التزمت فيها بقوانين الجيش، تعلمت أن أقدس أوامر رؤسائى، مهما كانت حتى لو خطأ أو غير مقتنع بها، كانت فترة شبابى من ال 30 وحتى 37 عاماً، جاءت الحرب وكنت منتدبًا لمأمورية فى نفس اليوم فى الساعة «2» أخبرونى أن عمليات الحرب بدأت سعدت أنا وكتيبتى، العساكر فى الجيش يستقبلون الحرب وكأنها فرح، والجميع يسعى للاستشهاد، فهى تعنى أن الكرامة تعود لنا، والعسكرى البسيط إحساسه لا يقل عن أكبر رتبة موجودة. وما طبيعة المأمورية وقتها؟ - كلفت بمأمورية حتى أحضر سلاحًا من الميناء بالإسكندرية، وتحميله فى 47 سيارة، لم أشعر بلحظة سعادة فى حياتى إلا بنظرتى لعيون الناس ونحن نسير بالسيارات وكأن الناس تزفنا فى الشوارع، حتى وصلت إلى السويس أثناء العمليات حتى قبل إعلان النصر. كانت الشوارع مضاءة وكنت أشعر أننى سبب «إنارة هذه الشوارع»، عودة سيناء لم تكون عودة أرض لكنها عودة الكرامة لشعب. هل شاهدت هذه الفرحة مرة أخرى فى حياتك؟ - شعرت بها وقت تولى الرئيس السيسى، مهما اختلفت أو اتفقت معه فهو قائد، بعد توليه الرئاسة «فرحت»، ليس لأننى رجل عسكرى فتحيزت للسيسى لكنى وجدت أنه أفضل من يتحمل هذه المسئولية، وفى نفس الوقت المسئولية ليست كبيرة عليه، لأن السيسى كقائد يعرف كيف يتحمل مسئوليات كبيرة، لأنه متمكن ويستطيع تحمل مسئولية الحكم التى لا يستطيع أن يتحملها آخر. وعندما تابعت الوضع السياسى والاقتصادى فى مصر بعد تولى الرئيس السيسى، هل ما زلت عند رأيك؟ - أتابعها جيدًا، وهناك الكثيرون ممن هاجموا السيسى، لكننى أوجه لهم رسالة، أنهم ليسوا بقدر هذه المسئولية ولا يستطيعون أن يتحملوا «عشر» المسئولية التى يتحملها، فهو يتحمل الكثير، وأتمنى من الله أن يعينه على الشعب والإنجازات لن تتحقق فى يوم وليلة، لكنها تأخذ سنوات حتى تستطيع التقدم وإحراز النتائج الواضحة. كيف جاءت مشاركتك فى فيلم «العمر لحظة»؟ - بالمصادفة.. وقتها كنت مشغولاً بتقديم مسرحية «بداية ونهاية» وقابلت صلاح أبو سيف بالمصادفة فى أحد محال الحلويات بوسط البلد، ووقفت لكى أعرف رأيه فى مسرحية «بداية ونهاية» باعتباره قدمها فى فيلم، واتصل بى فى نفس اليوم أخبرنى أن الفنانة ماجدة تريد أن تقابلنى، المفاجأة أن ماجدة عرضت علىَّ الفيلم ووجدت أنها فرصة عمرى، لكن الغريب أن من حولها أخبروها أننى صغير عنها فى السن ولا أستحق البطولة، وشعرت أنها تراجعت فى كلامها وعرضت علىَّ المشاركة فى فيلمين بطولة، وأن أترك «العمر لحظة» وقتها انفعلت وقررت الانتحار، وبالفعل ذهبت إلى البلكونة فى مكتب ماجدة وعندما حاولت الانتحار أنقذنى أحمد زكى وقال لى وقتها «ما تخافش حتعمل الفيلم»، ومن هنا بدأت صداقتى مع زكى وأصبح يسكن معى فى منزلى حتى انتهينا من تصوير الفيلم. وهل تتذكر كواليس عملك مع الفنانين «أحمد زكى وماجدة الصباحى»؟ - شاهدت الفيلم مساء أمس وتذكرت كل لحظة فيه، وبكيت، كل «كادر» فيه له ذكرى، وكل مشهد له إحساس خاص، ذكرياتى مع الفيلم بدأت منذ أن قررت ماجدة أن تختارنى لبطولة الفيلم، وأتذكر فى كواليس الفيلم كل يوم نستيقظ فى السادسة صباحًا نبدأ التصوير، وكانت العظيمة ماجدة من أول السيدات اللاتى تثابر وتشجع كل من يشارك فيه، رغم أنها منتجة الفيلم لكنها، كانت تحافظ أن تحضر تصوير كل مشهد لوحده، وأتذكر منطقة عيون موسى التى تم تصوير الفيلم فيها والتى ذهبنا إليها خصيصًا لتصوير المخابئ فيها وكانت تصل حتى «الزيتية» وبورسعيد، كنا نصور الفيلم وكأننا نحارب، وكانت كل الكواليس بمذاق النصر. شاركت فى 3 أفلام عن حرب أكتوبر.. كيف ساعدتك خلفيتك العسكرية على المشاركة فيها؟ - من يدخل الجيش يسيطر عليه بشكل كامل المعاملة العسكرية، حتى بدأنا تصوير فيلم «العمر لحظة» طلبت من المخرج أن يطلب من العساكر أن يحلقوا رؤوسهم طول الشعر 6 سم كما تعلمنا فى الجيش، وأيضًا كنت أشعر وأنا فى التصوير أننى فعلاً فى الحرب، والغريب أن كل المشاركين سواء فى «يوم الكرامة» أو «العمر لحظة» أو «حائط البطولات» كانوا يشعرون بسعادة غريبة أثناء التصوير وكأنهم جزء من الجيش، الشعب المصرى يحب بلده بطبعه، ورغم مرور سنوات كثيرة يظل إحساسه بالنصر الذى تعيشه بلاده وكأنه حياة. هل ترى أن حرب أكتوبر تم تقديمها بالشكل الذى يليق بها، فنيًا؟ - ما زالت حرب أكتوبر لم تأخذ حقها فى السينما، وهناك العديد من الموضوعات التى لم تقدم، أى موضوعات يمكن تنفيذها فى حرب أكتوبر بتكلفة عادية، لأن ما يجعل المنتجين لايقدمون أعمالاً عن حرب أكتوبر أن التكلفة عالية جدًا فى التصوير سواء فى ملابس العساكر أو إيجار الدبابات، ولذلك فتدخل الجيش بأسلحته هو الوسيلة الوحيدة لكى تقدم حرب أكتوبر بشكل يليق بها. هل ترى أن مثل هذه الأعمال تؤكد الحس الوطنى لدى الشعب؟ - الحس الوطنى لا يحتاج أعمالاً فنية ليتم تأكيده، الشعب محتاج تعاونه مع بعضه، إحساسه بالفئات كلها، كل ذلك يجعل الشعب مترابطًا. هل ترى أن الشعب المصرى تغير؟ - للأسف.. الشعب تغير للأسوأ، طباعه تغيرت أصبحت سماهم الأنانية وحبًا للنفس وعدم التعاون، لا تجد اليوم الجار الذى يسأل عن جاره بصرف النظر عن أى شخص، التعاون بين الناس وعدمه، وهنا كانت الضحية مصر، الشعب يقضى على نفسه، والطباع تتغير كثيرًا. بعد غيابك طويلاً عن الساحة الفنية.. هل تربطك علاقات مع الوسط الفنى؟ - لا أعرف أحدًا من الوسط الفنى على الإطلاق منذ آخر أعمالى «نعم ما زلت آنسه»، وهذا يجعلنى أؤكد أن الوسط الفنى «هجص» بمجرد أن ينتهى العمل الفنى تنقطع العلاقة فهو وسط للمصالح فقط، حتى فى فترة مرضى لم يتصل بى أحد سوى أشرف زكى نقيب الممثلين. من صاحب الفضل عليك؟ - لا يوجد فنان فى الوسط الفنى كان صاحب الفضل علىَّ، فأنا تعرضت لظلم كثير فى الوسط، هناك من هاجمونى دون سبب وطالبوا بابتعادى، ولكنى لن أنسى فضل الفنانة نادية لطفى التى قدمتنى فى فيلم «المومياء» للمخرج شادى عبدالسلام وزكتنى وقتها، وكان لها فضل كبير علىَّ، قابلتها فى عيد الأضحى قبل الماضى وتمنيت لو أذهب إليها بالمستشفى لكى أطمئن عليها لكن صحتى لم تسعنى. فيلم المومياء، عرفك إلى الجمهور، وأصبحت بطلاً فى الفيلم الأكثر مشاهدة فى العالم.. لماذا لم تستغل هذه الفرصة؟ - المومياء لم ينجح بالشكل الكبير وقت عرضه، فالجمهور والفنانون عرفوا قيمته بعد عرضه بفترة، وثبت أنه من كلاسيكيات السينما العربية والعالمية، والمخرج شادى عبدالسلام قدم عملاً شرَّف مصر قبل ان يشرف الفنانين المشاركين فيه، وأتذكر أنه أصعب فيلم شاركت فيه فى حياتى لأن تصويره كان صعبًا للغاية، حتى إنه كان يصور المشهد فى النهار وينتظر لليوم الثانى أن يصور مشهد آخر حتى لا يكون الخيال موجودًا فى الصورة، ومعنا المبدع صلاح مرعى، لذلك فهذا الفيلم جماهيريًا كانت له معايير أخرى، وبعده عرضت علىَّ أعمال مهمة، من بينها فيلم «دمى ودموعى وابتسامتى»، وآخر مع الفنانة صباح، وللأسف الشديد الفيلمان أبهرانى، لكن شاء القدر أن أسلم نفسى للجيش وأدخل الحرب لأظل فى الجيش 7 سنوات، وعندما تركت الجيش قلت أتمنى أن أعمل سينما حتى لو شاركت فى المجاميع، حتى جاءنى فيلم «العمر لحظة». هل تتمنى الوقوف أمام كاميرا السينما مرة أخرى؟ - «نفسى أقف قصادها بس مش عاوز» أشعر أنها لن تضيف لى شيئًا، انتهت بالنسبة لى رغم أننى ظلمت فيها كثيرا، ورغم أننى أتمنى أن أقدم أدوارًا أخرى لكن «خلاص». كيف ترى مستوى السينما الآن؟ - تغير كثيرًا ولكن نسبة السيئ فى الأفلام زاد إلى حد كبير، المستوى أصبح مترديًا فى الموضوعات والضحك على الشعب، منذ سنوات كانت هناك سينما المقاولات لكن ما كان يميزها كلها أنها هادفة على عكس السينما الآن، من السيئ أن نطلق عليها كلمة «سينما»، فالسينما دون هدف تفقد معناها، ونحن نقدم سينما بلا اجتهاد، لا يوجد من يجتهد ليقدم سينما جيدة. قدمت العديد من الأعمال الفنية، ما أهم عمل قدمته من وجهة نظرك؟ - كل الأفلام التى قدمتها مثلت جزءًا من حياتى وكلها نجاح بالنسبة لى، أفلامى مع نجلاء فتحى من أهم مراحل حياتى، ونادية الجندى أحبها وأحب العمل معها، وآخر مسلسل لى مع إلهام شاهين «نعم ما زلت آنسه»، والكثير والكثير كل عمل قدمته أحببته قدمت أكثر من 100 عمل فنى وكنت أنتظر العمل الذى يقدمنى بالقوة وبالشكل الذى أتمناه. هل عطلك الشبه بينك وبين الفنان الكبير محمود ياسين عن المشاركة فى أعمال فنية؟ - ظهرت ومحمود ياسين فى وقت واحد، ولكنى تركت الساحة 7 سنوات كانت الأزهى فى حياة محمود ياسين وقتها. ربطتك صداقة قوية مع الراحل نور الشريف ما ذكرياتك معه؟ - من لم يعرف نور الشريف فى الفن لم يعاصر مبدعين، فهو مبدع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شاركته فى الرجل الآخر، وقدمنى فى الدراما التليفزيونية فهو، أستاذ كما يطلق عليه وحقيقة هو فلتة عصره، وظل هو صديق عمرى حتى إن بناتى كانوا صديقات بناته فى المدرسة، وحزنت كثيرًا عندما علمت بوفاته. ما هى أسوأ لحظاتك؟ - عندما أسمع أن أحد أصدقائى مات، كل فريق «العمر لحظة» مات، وأنتظر دورى، اشتقت لأصدقائى، وحزنت كثيرًا لغيابهم. من تتمنى أن تراه الآن؟ - أتمنى أن أرى ماجدة قبل موتى «إنسانة مافيهاش غلطة» تعرف معنى الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأحزن كثيرًا عندما أسمع عنها أخبارًا سيئة وللأسف الشديد لا أستطيع أن أراها الآن أو أتحدث إليها. منزلك مليء بالصور، هل تحب التصوير؟ - أحب التصوير الاحترافى، دخلت التمثيل أساسًا بسبب إعجابى بالتصوير، دائما كنت أعرف أن التصوير ليس مجرد كاميرا لكنه إحساس، كل إنسان يعتقد أنه يستطيع التصوير لمجرد أنه يمتلك كاميرا. ما الأعمال التى تابعتها فى رمضان؟ - شاهدت مسلسل الأسطورة وتعجبت من كم التفاهة التى يمكن ان تصيب الشعب المصرى أن يشاهد عملاً تافهًا بهذا الشكل، كيف لشخص يعيش فى حارة شعبية أن يكون لديه كل هذه الأموال، وكيف لمحمد رمضان أن يظهر بكم الأموال التى ظهر بها على الشاشة، فهو يقدم موضوعات لا منطقية تافهة يضحك بها على عقول الجماهير، وكيف لفردوس عبدالحميد أن تجسد دورًا مثل ذلك، الموضوعات تافهة للغاية ولا تخاطب الوجدان وأعتبرها مسخرة. كيف ترى النجوم فى هذا العصر؟ - أتعجب كثيرًا عندما أسمع أن محمد رمضان يأخذ 40 مليون جنيه، فالنجومية معاييرها أصبحت غريبة، الحظ هو المساعد الأول للنجوم الآن، والموهبة هى آخر شىء فى معايير النجومية الآن، وأتعجب من تلقيب الممثل ب«النجم الفنان» الكلمة أصبحت عادية لا تحمل معنى، لابد أن نعطى كل شخص حقه ولا أن نكذب الكذبة ونصدقها. رسالة توجهها لجمهورك؟ - جمهورى وحشنى وأتمنى أن أقابله لكن للأسف أصبحت مريضًا وإصابتى بالجلطة حرمتنى من الجمهور، وأتمنى أن تكون الفترة القادمة أفضل. شاهد الفيديو: