لا أهتم الآن بمن السبب فيما حدث أمام مجلس الوزراء ، لا يشغلنى قصة المرأة اللغز التى وزعت الحواوشى الذى سمَّم عشرات الشباب الأطهار أو شاب الألتراس المخطوف الذى تردد أنه فجر الأزمة أو طفل الثانية عشرة أو حكاية البلطجية الذين صعدوا لمبنى المجلسين أو صمت العسكرى أو استقالة الاستشارى أو تهديد الجنزورى فى مؤتمره الصباحى أول أمس، كل هذا لا يعنينى ولا يؤرق جفنى فقد اعتدنا على الهم و الدم و شهقات الكوارث وصرخات الثكالى وتأوهات المصابين واستوعبنا وعرفنا من قام بالثورة ومن ركب موجتها وحصد غلتها واعتلى ركوبتها واغتصب عذريتها - آسف فى التعبير لكنى لم أجد غيره كل هذا واصدقكم القول لا يعنينى لكن ما يعنينى الآن و الدقيقة القادمة هو شيء واحد وسؤال محدد ، من الذى تعمد حرق المجمع العلمى وما أدراكم ما هو المجمع العلمى؟ إنه قطعة من قلب مصر بل قصة من قصص الحب الرومانسى لشخصيتها، تخيل معى لو أن فتاة أحلامك التى تلبسها فستان عرسها وترسم لها أجمل لوحة بوجه كالبدر وملامح كزهرة اللوتس وعيون كعيون المها وجبين كالهلال وجسد كالرمح وشعور كسنابل القمح فى نسمة صيفية هذه الحبيبة جاء من يشعل فيها النار ويحرق فستانها ويشوه ملامحها، هذا ما حدث وربما يتكرر مع مصر الآن، المجمع العلمى ليس مجرد مبنى يضم كنوز العلم وتاريخ البحث العلمى المصرى و عيون وأمهات الكتب العلمية ل«40» ألف كتاب لا نظير لها فى العالم تم حرقها جميعاً. المجمع العلمى لمن لا يعرف كان أول بذرة وضعها محمد على لإنشاء مصر الحديثة ، كان أول مصباح نور فى ظلام المنطقة العربية و الإسلامية بل وفى الشرق الأوسط ، المجمع العلمى لمن لا يعرف تاريخه باختصار كالتالى: أنشئ فى عهد محمد على ثم أعيد افتتاحه فى 20 أغسطس 1798 بقرار من نابليون بونابرت كان مقر المجمع فى دار واحد من بكوات المماليك فى القاهرة ثم تم نقله الى الإسكندرية عام (1859) وأطلق عليه اسم «المجمع العلمي المصري « ثم عاد للقاهرة عام 1880. وكانت أهداف المجمع العمل على تقدم مصر العلمي ونشر العلم والمعرفة فى مصر، وبحث ودراسة ونشر أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية .كان للمجمع المصري أربع شُعب هى: الرياضيات، والفيزياء، والاقتصاد السياسي، والأدب والفنون الجميلة. فى عام 1918 أجريت تعديلات على الشعب وأصبحت: الآداب والفنون الجميلة وعلم الآثار، والعلوم الفلسفية والسياسية، والفيزياء والرياضيات، والطب والزراعة والتاريخ الطبيعي. ويحتوى المجمع على مكتبه تضم 40.000 كتاب ، وله مجلة سنوية. والمجمع العلمي المصري هو أعرق المؤسسات العلمية في مصر؛ إذ مر على إنشائه أكثر من مائتي عام، وكان الدكتور سليمان حزين رئيس المجمع العلمي المصري قد تبنى خطة لتطوير المجمع تقوم على تسجيل مبناه الحالي الذي يعود إلى أوائل القرن الحالي في عداد الآثار المصرية، وتسجيل مقتنياته النادرة، وترميم المبنى، وتحديث مكتبته، كما قام برنار موريه الخبير الفرنسي المختص بترميم الآثار، بترميم مقر المعهد القديم، وهو منزل السناري الأثري، وانتهى من المشروعين مؤخرًا. كان الباعث على إقامته سببين؛ العمل على تقدم العلوم في مصر، وبحث ودراسة أحداث مصر التاريخية ومرافقها الصناعية، وعواملها الطبيعية، فضلا عن إبداء الرأي حول استشارات قادة الحملة الفرنسية، وهذه الأسباب هي الظاهرة للعيان، ولكن كان الهدف هو دراسة مصر دراسة تفصيلية لبحث كيفية استغلالها لصالح المحتل الفرنسي، ونتج عن هذه الدراسة كتاب «وصف مصر». وبمغادرة الفرنسيين مصر العام 1801 توقف نشاط المعهد لانتهاء سبب إنشائه. وتبقى جانب من مقر المعهد القديم، وهو منزل إبراهيم كتخدا الملقب بالسناري. وفي الركن الجنوبي الغربي من الفناء سلم صاعد ينتهي بمسطبة عن يمينها باب يؤدي إلى حجرة مستطيلة في ضلعها الجنوبي الغربي شباكان، بالإضافة إلى باب يوصل للقاعات الأخرى، والى يسار البسطة مقعد مغطى بسقف خشبى، و تسجل هذه البناية قصة عودة الحياة إلى المجمع العلمي المصري، مرة أخرى؛ حيث ظل منذ خروج الفرنسيين مهملا، إلى أن نجح دكتور والن قنصل بريطانيا في مصر، في تأسيس الجمعية المصرية العلمية لتقوم بدوره، وأنشأ الدكتور هنري أيوت وهو إنجليزي، وبريس دافين العالم الفرنسي في عام 1842 الجمعية الأدبية المصرية لتقوم بنفس الهدف. وفي 6 مايو 1856 أعلن محمد سعيد باشا والي مصر، إعادة تأسيس المجمع مرة أخرى بالإسكندرية وأدمجت الجمعيتان السابقتان فيه، وضم المجمع العديد من أعضاء المجمع القديم، أبرزهم جومار الذي كان عضواً في لجنة الفنون وماربيت وكوليج وغيرهما، وبرز عدد كبير آخر من أعضاء المجمع على مدى تاريخه في مختلف المجالات، ومنهم جورج شواينفورت الرحالة المشهور المتخصص في العلوم الطبيعية، ومحمود الفلكي الاخصائي في علم الفلك، وماسبيرو المتخصص في التاريخ الفرعوني، وعلى مشرفة عالم الرياضيات، والدكتور علي باشا إبراهيم وأحمد زكي باشا. وانتقل المجمع عام 1880 إلى القاهرة، وبدأت أنشطته تنتظم، فهو يعقد جلسة شهرية بدءًا من تشرين الثاني نوفمبر إلى آيار مايو، ويلقي فيه علماء مصريون وأجانب، محاضرات من شأنها توطيد العلوم ونشر ألويتها، وأدخل تعديل على أقسام المجمع، فأصبحت كالآتي: قسم الآداب والفنون الجملية، وعلم الآثار، وقسم العلوم الفلسفية والسياسية، وقسم العلوم الطبيعية والرياضيات، وقسم الطب والزراعة والتاريخ الطبيعي. وينتظم في هذه الأقسام مائة وخمسون عضوا، منهم خمسون عضوا عاملا وخمسون مراسلا بعضهم من مصر وخمسون منتسبا في الخارج. وأبرز أعضاء المجمع ، الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، والأمير خالد الفيصل، وأصبح عدد أعضائه من الأوروبيين محدودًا وخاصة الفرنسيين ومنهم الدكتور فيليب لاوير، وهو خبير فرنسي في الآثار يعيش في مصر منذ أربعين عامًا، ودكتور جورج سكانلون وهو أستاذ أمريكي متخصص في العمارة الإسلامية، والدكتور وارنركايزر وهو ألماني ويتبادل المجمع مجلته السنوية ومطبوعاته مع مائة وأربعين مؤسسة علمية دولية، وتضم مكتبته أربعين ألف كتاب، أبرزها أطلس عن فنون الهند القديمة، وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752، وأطلس ألماني عن مصر وإثيوبيا يعود للعام 1842، وأطلس ليسوس وهو ليس له نظير في العالم وكان يمتلكه الأمير محمد علي ولي عهد مصر الأسبق، هل عرفتم قصة المجمع العلمى الذى لا تمتلك أى دولة فى المنطقة مثله ، هل عرفتم لماذا تعمدوا إحراقه ؟ هذه إحدى جرائم العصر وربما تكون إحدى حلقات دمار مصر فهل نستيقظ قبل أن يحرقوا ورقة التوت التى تسترنا الآن وهى تاريخنا؟ صح النوم.