تبني المستشار بهاء الدين أبو شقة، سكرتير عام حزب «الوفد»، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب، فى إطار سياسة التغيير التي يجب أن يشعر بها المواطن بعد الثورتين العظيمتين فى 25 يناير و30 يونية، أجندة تشريعية جديدة. وقال «أبو شقة» في الحوار الشامل الذي أجرته صحيفة «الوفد» معه إنه آن الأوان للقيام بالثورة التشريعية التي يجب أن تكون من أجل المسايرة مع فكرة بناء الدولة الحديثة. وأكد «أبو شقة» ضرورة وجود الأجندة التشريعية الجديدة فى دور الانعقاد القادم لمجلس النواب، الذي يبدأ بعد أيام. وأشار إلي أن الاجندة التشريعية تتوافق مع الواقع الجديد للبلاد، والفلسفة منها هى تحقيق الثورة التشريعية التي يجب أن تنسف كل القوانين البالية والقديمة التي عفا عليها الزمن ولم تعد مناسبة للواقع الجديد.. وتنقية كل النصوص التشريعية غير الصالحة واستبدالها بأخرى جديدة صالحة للظروف الحالية الجديدة. وقال سكرتير عام حزب «الوفد» إن المنطق الجديد فى إطار بناء مصر الحديثة يتطلب إجراء تغييرات واسعة فى كل المناحى التعليمية والاقتصادية والصحية وخلافه وهذا يقتضى بالضرورة القصوى تبنى أجندة تشريعية جديدة تشمل جميع المناحى بلا استثناء، وهذا يتطلب أيضاً أن تقوم كل الوزارات والمصالح بإعداد مشروعات القوانين التى تحتاجها كل وزارة وإرسالها إلى مجلس الوزراء لتقديمها إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها. وأوضح «أبو شقة» أنه لابد لكل وزارة أن تقوم بالاستعانة بالخبراء المتخصصين لوضع النصوص التشريعية المطلوبة لكل وزارة تحتاجها فى عملية التطوير، وغربلة كل القوانين القديمة ونسف غير الصالحة منها أو التى لم تعد مناسبة للواقع الجديد فى البلاد. وفيما يلي نص الحوار: الثورة التشريعية لماذا الثورة التشريعية؟ وما علاقتها بمنظومة العدالة بالبلاد؟ - فى إطار الثورة التشريعية التى نطالب بها، لابد من النظر بعين الاعتبار فى منظومة العدالة بالبلاد، وهى مسألة فى غاية الأهمية، لأن تحقيق منظومة العدالة هو العامل الرئيسى فى تحقيق سيادة القانون وتفعيله على الجميع بلا استثناء.. وعند الحديث عن هذه المنظومة لابد من إعادة دراسة جميع التشريعات الموجودة بالفعل سواء كانت إجرائية أو عقابية، وهى في واقع الأمر تحتاج إلى عملية نسف حقيقية حتى نعيد بناءها من جديد، ونكون أمام تشريعات جديدة تتواكب مع المعطيات الجديدة بالبلاد وحتى تكون مواكبة للواقع الجديد الذى نحياه. والمدقق للتشريعات المعمول بها فى منظومة العدالة يصاب بالفاجعة، حيث إن قانون الإجراءات المدنية منذ عام 1950 وقانون الطعن بالنقض منذ عام 1957 وقانون العقوبات منذ عام 1937، فهل هذا يليق؟!.. وهل يجوز العمل بهذه القوانين التى كانت موضوعة لعصرها منذ ما يزيد على ستين عامًا أو يزيد؟!.. هل يعقل أن يستمر العمل بهذه القوانين بعد ثورتين عظيمتين فى 25 يناير و30 يونية وبعد واقع جديد مختلف تمامًا عن الواقع الآخر القديم الذى وضعت له هذه التشريعات؟!. العقل والمنطق يرفضان تمامًا هذا الأمر وهذا هو الواقع الرئيسى الذى يدفعنا إلى ضرورة القيام بالثورة التشريعية لتصحيح كل هذه الأمور المغلوطة والمغايرة للواقع الجديد فى عام 2016. لكى نحقق منظومة العدالة لابد من نسف هذه التشريعات القديمة البالية غير المناسبة الآن للواقع الجديد الذى نحياه، فليس من المقبول أن تكون هناك نصوص تشريعية منذ عام 1937 أى قبل ثورة 1952 وتلتها ثورتان وأحداث جسام بالبلاد وواقع حياة جديد، وما كان ينفع منذ سبعين عامًا لا ينفع الآن ولا يجوز العمل به حالياً، ولذلك فإن الثورة التشريعية باتت ضرورة ملحة وليست عملية ترف أو ما شابه ذلك.. من هنا لابد أن تكون هناك ثورة تشريعية تلاحق الثورتين العظيمتين. منظومة العدالة فى حاجة شديدة إلى تشريعات جديدة تتناسب مع الواقع الجديد للبلاد سواء كانت قوانين إجرائية أو عقابية، وإن القوانين التى صدرت منذ عشرات السنين الماضية لم تعد صالحة الآن للواقع الجديد للبلاد.. فقانون العقوبات الذى صدر عام 1937 لم يعد مناسباً الآن بأى حال من الأحوال وعفا عليه الزمن ولابد من استبداله بآخر فى ظل الثورة التشريعية التى ننادى بها. فى الواقع، القوانين العقابية على الجرائم باتت مضحكة جداً الآن فى زماننا، فمثلاً على سبيل المثال وليس الحصر، القانون رقم 471 لسنة 1956 يحدد عقوبة مخالفة مواعيد المحلات بغرامة هزيلة لا تزيد على خمسة جنيهات، يعنى أن المقاهى المخالفة التى ترتكب جرائم يومية، تعرف العقوبة المفروضة عليها فى هذه الغرامة المضحكة والهزيلة، وبالتالى لا تتحقق عقوبة الزجر المطلوبة فى القانون.. ولذلك ليس بغريب أن نجد هذا الكم الهائل من المخالفات التى تقوم بها المقاهى جهاراً نهاراً وليلاً. الأمر يحتاج إلى قوانين تحقق فلسفة الزجر والردع وتتناسب مع الواقع الجديد، ولا يجوز أيضاً فى هذا الصدد القيام بعمليات الترقيع فى القوانين فهذه نظرية مرفوضة جملة وتفصيلاً ولا يجب العمل بها على الإطلاق، وإنما الأمر فى الثورة التشريعية التى نطالب بها هو نسف هذه القوانين التى فقدت الغاية منها، واستبدالها بأخرى تحقق الفلسفة العقابية والزجر والردع. الفلسفة من أى قانون هى الردع حتى لا تتكرر الجريمة أو المخالفة، وإذا فقد القانون هذه الفلسفة لم يعد هناك أدنى فائدة من هذا القانون، وهو بالفعل ما يحدث الآن لدرجة أن الفاسدين أو المجرمين لم تعد تعنيهم من قريب أو بعيد القوانين، بل لديهم القدرة الفائقة حتى على التحايل عليها واللعب بها، ومن هنا لم يعد هناك سيادة قانونية وأصبح الخروج على القانون هو الظاهر والواضح ومن هنا لابد من الثورة التشريعية لنسف كل هذه المهازل. الإصلاح القضائي الحديث عن الثورة التشريعية والإصلاح القضائى، أهم وجه فيها هو التشريعات وفاعلية تنفيذها، ولذلك فإن الأمر يستوجب ضرورة تعديلها فى أسرع وقت من أجل أن تتوافق مع الواقع الجديد كما قلنا مرارًا وتكرارًا، وتفعيل النصوص التشريعية بات أمرًا بالغ الأهمية، لأنه لا معنى لأى تشريع بدون تفعيل، ولأن الدولة القانونية تعنى فى المقام الأول ضرورة إعمال القانون عن طريق تفعيل نصوصه وتنفيذها على أرض الواقع. وعملية التفعيل تحتاج إلى نصوص تشريعية موائمة لكل التطورات الجديدة التى طرأت على البلاد بعد الثورتين العظيمتين فى 25 يناير و30 يونية، وجملة ذلك تتلخص فى تشريعات جديدة لقوانين السلطة القضائية والإجراءات الجنائية والعقوبات وحالات الطعن بالنقض والمرافعات المدنية والتجارية، المفروض أن تكون أمام مشروعات قوانين شاملة لكل هذه المناحى لأنها تضم كل التطورات الجديدة التى طرأت على المجتمع، بمعنى أنه لا يمكن أن تكون أمام قوانين غير مناسبة للواقع وتكون فى وادٍ وحركة المجتمع فى واد آخر. لا يجوز بأى حال من الأحوال أن نكون ونحن فى عام 2016 أمام قوانين بالية منذ عشرات السنين، كانت موضوعة لظروف المجتمع فى حينه عندما صدرت، والأمر يستوجب سرعة نسف هذه القوانين واستبدالها بأخرى تليق بالواقع الجديد الذى يشهده المجتمع، وهذا هو الهدف المرجو من الثورة التشريعية المأمول القيام بها، وإذا كنا نريد الدولة القانونية فلابد أن تكون النصوص التشريعية مواكبة لكل الظروف والتطورات الجديدة، الهدف من التغيير ليس من باب الوجاهة فقط، وإنما بهدف أن نحقق الفلسفة الحقيقية من النصوص التشريعية التى تحكم بالفعل حركة المجتمع، بالإضافة إلى وجود غطاء شامل لكل المشروعات الجديدة التى تسعى إلى التنمية وتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين، ولذلك يستوجب أهمية التغيير بهدف تحقيق الفلسفة من القانون إما للمساعدة على تحقيق هدف الدولة الجديدة، والعمل على أن تكون فلسفة العقاب والزجر مفعلة. الدولة القانونية تحقق الخير للمجتمع لأن الجميع يخضع لسطوة القانون بدون تمييز أو تفرقة، وهذا يقتضى أن تكون النصوص التشريعية المطلوبة مواكبة لتطور المجتمع الساعى لتحقيق كل نفع وخير للناس، إذًا العلة من الثورة التشريعية هى خدمة المواطنين بالدرجة الأولى، ومن هنا جاءت ضرورة القيام بها وفى أسرع وقت. دور الوزارات ما دور الوزارات في مشروعات القوانين؟ - فى الدولة الحديثة الديمقراطية التى يتم التأسيس لها لابد من القيام بثورة تشريعية تشمل كل القوانين داخل الوزارات والهيئات والمصالح وتتضمن البحث فى أسباب وقوع الجرائم ووضع النصوص التشريعية الكفيلة بمنع هذه الجرائم، وتحقيق فلسفة الزجر والردع فى هذا الصدد، هذه النصوص القانونية مهمة لتغيير السلوك بعد القضاء على النصوص البالية التى لم تعد مناسبة للظروف الحالية الجديدة التى تمر بها البلاد، لذلك فإننى أكرر الدعوة إلى جميع الوزارات والهيئات والمصالح، بسرعة تنقية القوانين بها ووضع مشروعات جديدة يتم تقديمها إلى مجلس النواب لسرعة إصدارها، فلابد من قيام العقول بتغيير هذه المنظومة من ترسانة القوانين البالية التى لم تعد مناسبة للواقع الجديد الذى تعيشه البلاد، وهذه مهمة وطنية للوزارات لكى تبدأ على الفور فى وضع مشروعات قوانين جديدة بديلاً للقوانين الموجودة حاليًا. ليس من المعقول أو المقبول أن تكون عقوبة المحلات المخالفة خمسة جنيهات، صحيح أن هذه العقوبة كانت وقت إصدارها تحقق الردع والزجر، والآن بعد مرور أكثر من خمسين عامًا على إصدار القانون لن تكون صالحة للعمل بها الآن، وكذلك لاعب القمار على مقهى ما، تكون عقوبة هذا خمسة أو عشرة جنيهات، فهل هذا يليق الآن؟ فلقد مرت بالبلاد ثورتان عظيمتان فى 25 يناير و30 يونية، وكان من أهم أسباب اندلاع الثورتين الاحتجاج الشديد على قوانين غريبة وعجيبة، ولذلك آن الأوان لضرورة تغيير هذه النصوص في ظل قيام ثورة تشريعية حتى يتحقق العدل والمساواة والحياة الكريمة للناس، بالإضافة إلى تحقيق الكرامة الإنسانية. المطلوب من الوزارات سرعة التقدم بمشروعات قوانين تكفل تغيير هذه المنظومة الفاشلة وحتى يتمكن البرلمان من القيام بهذه المهمة العاجلة فى الثورة التشريعية. وعلي وزارات الزراعة والصحة والتعليم والصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد ألا تنتظر من يضع لها القوانين بل هي مطالبة بضرورة وضع مشروعات القوانين التي تليق بها فهي أدري وأعلم بالقوانين المتضاربة والمعرقلة لمشاريعها التنموية، وأعلم أيضاً بالنصوص القانونية التي يستغلها القلة التي تسعي إلي تكريس الفساد والفوضى وتعطيل التنمية، علي اعتبار أن هذه الفئة هي المستفيد رقم واحد، ولذلك يجب علي الوزارات تفويت الفرصة علي هؤلاء المتربصين أو الساعين إلي تحقيق مصالح خاصة علي حساب الأمة. الثورة التشريعية تبدأ من داخل الهيئات والوزارات والمصالح وليس من داخل البرلمان، فمجلس النواب يصدر هذه القوانين طالما أنها من أجل الصالح العام وتحقق للحكومة ما تريده من تطوير وتجديد في ظل بناء الدولة العصرية الحديثة. ناديتم بضرورة الإصلاح القضائي فهل النصوص التشريعية الموجودة غير قادرة علي مواجهة الأوضاع الجديدة؟ - الهدف من الإصلاح القضائي أن نكون أمام فكر جديد يتفق مع الواقع بعد الثورتين العظيمتين في ظل أن النصوص التشريعية الحالية غير قادرة علي مواجهة الأوضاع الجديدة ما جعلها فى وادٍ والتطورات المجتمعية فى وادٍ آخر، وهناك أمثلة واقعية وفعلية على أن النصوص الحاكمة للمحاكمة الجنائية في الجنايات أمام محكمة الجنايات سواء ما تعلق منها بإجراءات المحاكمة أمام محكمة الجنايات أم بإجراءات وحالات الطعن أمام محكمة النقض قد باتت معرقلة وعقبة كئودًا في سبيل الوصول إلي ما تصبو إليه العدالة من أن يظفر البريء ببراءته أو يوقع العقاب القانوني علي المجرم لينال عقابه علي نحو ناجز وسريع. وكيف أن المشرع الدستوري قد تدخل بنص دستوري في المادة 240 عندما أورد أن الأحكام الصادرة في الجنايات علي القانون أن ينظم استئنافها خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. وكان من رأينا ومن ثنايا الرؤية الواقعية والخبرة العملية أن الوضع لا يحتمل أدني تأخير في إصدار هذا القانون الذي أشار إليه النص الدستوري بضرورة النص علي استئناف الأحكام الصادرة من محكمة الجنايات وأن ينظم القانون بنصوص تحقق الهدف المنشود من ذلك وهي سرعة الفصل في القضايا لنكون أمام عدالة ناجزة والتي هي هدف أي تشريع عقابي أو إجرائي. وكان من رأينا أنه لابد من صدور هذا القانون وتفعيله قبل العام القضائي الذي يبدأ في 1/10/2015. ولابد ورتوبًا علي هذا القانون أن نكون أمام نصوص إجرائية سواء في قانون الإجراءات الجنائية أو في قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض يحقق هذا الهدف المنشود بأن يصدر تشريعاً ينص علي اعتبار أن جميع الجنايات المنظورة أمام محكمة النقض بالطعن عليها لأول مرة منقوضة بقوة القانون وأن تحال إلي محكمة الجنايات الاستئنافية لتفصل فيها، إذ إن بذلك تتحقق مصلحة الطاعن من طعنه ذلك أن غاية الطاعن ومصلحته من طعنه هي الوصول إلي إعادة محاكمة جديدة لموضوع الدعوي فإذا ما توفر له ذلك عن طريق الاستئناف فسوف يؤدي ذلك في الواقع العملي إلي تحقيق أغراض عدة، هي هدف أي تشريع إجرائي وهو العدالة الناجزة، إذ إنه يحقق للطاعن فرصة المحاكمة أمام دائرة أخري بتشكيل أعلي أمام الاستئناف وهو الهدف الذي يقصد إليه بطعنه في المرة الأولي. كما أنه بذلك يرفع ويزيل عبئاً ثقيلاً عن كاهل محكمة النقض، إذ كما سنعرض لاحقاً سنلغي درجة من درجات الطعن بالنقض ليكون الطعن بالنقض علي الأحكام الصادرة من محكمة استئناف الجنايات لمرة واحدة.. بدلاً من حق الطعن بالنقض مرتين.. علي النحو الذي ينظمه قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الحالي ما يقلل عدد الطعون المعروضة علي محكمة النقض إلي أكثر من النصف. ولازم ما سلف قانوناً أن نكون أمام تعديل تشريعي لقانون وحالات إجراءات الطعن أمام محكمة النقض ليكون الطعن لمرة واحدة في الأحكام الصادر من محكمة الجنايات المستأنفة وفي هذه الحالة إما أن تقضي محكمة النقض برفض الطعن موضوعاً «بعد عرضها لجواز الطعن وشكله» أو أن تقضي بقبول الطعن وفي هذه الحال عليها أن تفصل في الموضوع علي غرار ما نظمه القانون في قانون المحاكم الاقتصادية من أن الطعن علي الحكم أمام محكمة النقض لمرة واحدة فإذا قبلت الطعن فصلت في الموضوع. وبصدور الحكم نكون أمام حكم بات لا يجوز الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن العادية. وبهذا التعديل التشريعي المقترح.. والذي يتسق مع نصوص الدستور بل ويلزم تفعيله نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً علي طريق تحقيق العدالة الناجزة. علاقة المواطن بالثورة التشريعية وما علاقة المواطن العادي بالثورة التشريعية؟ - فى منظومة الإصلاح التشريعى التى يجب أن تسود من خلال الثورة التشريعية يجب أن تكون الكرامة حقًا لكل إنسان ولا يجوز المساس بها وعلى الدولة احترامها وحمايتها، وفى هذا الإطار أكد الدستور أن التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم، ولذلك وجدنا أن الكرامة الخاصة بالمواطنين تأتى بعد النص الدستورى على رفض التعذيب جملة وتفصيلاً والذى يرتكب هذه الجريمة لا يمكن أبدًا أن تسقط عنه العقوبة مهما مرت السنوات عليها.. فكرامة المواطن شىء مقدس وتعذيبه وإهانته جريمة لا يمكن أن تنسى أو يتم تجاهلها أو التغافل عنها. وهنا تأتى المادة 53 من الدستور التى تؤكد أن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر.. الجميع سواسية أمام القانون وفكرة التمييز هذه مرفوضة تمامًا لأى سبب كان، فالجميع فى الحقوق والحريات والواجبات العامة سواء، كما أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، ولم تغفل المواد الدستورية أهمية التزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وكل هذه الأمور تحتاج إلى نصوص تشريعية، بل إن الدستور حدد ضرورة إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.. هذه الأمور كلها لا تمر اعتباطًا بل تحتاج إلى تعطيل وهو يتأتى من خلال النصوص التشريعية فى قوانين إجرائية وعقابية، والهدف من ذلك كله أن تتحقق الكرامة الحقيقية للمواطن، بعيدًا عن أى تمييز أو استثناء، لأن الجميع كما قلنا أمام القانون سواء بدون تفرقة من أى نوع أو لون.. ومن أجل ذلك أيضًا قام المواطن المصرى بثورتين عظيمتين فى 25 يناير و30 يونية، فالكرامة للمواطن شىء مقدس يجب عدم التخلى عنها وشعار الثورتين يركز على تحقيق هذه الكرامة. ومن هذا المنطلق لابد أن تتضمن الثورة التشريعية العمل على شيوع الكرامة لكل مواطن مهما كانت درجته فى المجتمع ولا فرق بين مواطن وآخر فى هذا الشأن. ناقشت أمس اللجنة التشريعية والدستورية مشروع قانون الهجرة غير الشرعية تمهيدا لإعداده في دور الانعقاد الثاني الذي سيبدأ خلال أيام.. هل هذا القانون سيقضى علي هذه الظاهرة المرعبة؟ - فى ظل الواقع الجديد الذى تعيشه البلاد لابد من وجود نصوص تشريعية جديدة فى إطار الثورة التشريعية، لمواكبة التطورات الجديدة فى المجتمع، ومن المهم والضرورى أن تكون هذه النصوص محققة للتغييرات الجديدة التى يريدها المواطنون فى كافة المناحى، وفى ظل التطورات الجديدة التى يشهدها المجتمع. من الظواهر المؤسفة التى انتشرت مؤخرًا وعلى مدار فترة من الزمن ظاهرة الهجرة غير الشرعية التى تودى بأرواح المئات من الشباب، وآخرها كارثة غرق مركب رشيد، وكان لابد من تشريع يحقق فلسفة القانون فى الزجر والردع، ووقف هذه الظاهرة المؤسفة. ومن هذا المنطلق كان لابد من تشريع جديد يوقف ويردع هؤلاء الذين يتسببون فى وفاة الكثيرين من أبناء الأمة المصرية. ولذلك فإن تشريعية مجلس النواب ناقشت مشروع قانون الهجرة غير الشرعية، والذى يتضمن مواد مهمة تصل فيها العقوبة ضد المتورطين فى الجريمة إلى السجن المؤبد، والغرامات المالية الكبيرة، لوقف هذه الظاهرة التى شهدها المجتمع المصرى، على أيدى سماسرة الموت وأصحاب المراكب غير الصالحة وغير المؤهلة للإبحار، إضافة إلى مخالفة ذلك لكل القوانين وهوس الشباب اللاهث وراء الثراء السريع. القانون الجديد الذى سيتم عرضه فى بداية الانعقاد الثانى لمجلس النواب، سيقطع دابر هؤلاء الذين يخدعون الشباب، والسماسرة وأصحاب المراكب التالفة الذين يقومون برحلات موت. صحيح أن صدور هذا القانون تأخر كثيرًا حتى تفاقمت الأزمة، إلا أن قرب صدوره، يمنح الأمل فى القضاء على رحلات الموت التى يتعرض لها شبابنا، ويمنع السماسرة وأصحاب المراكب المخالفين من مخالفة القانون. إن عقوبة السجن المؤبد كفيلة بأن توقف هؤلاء عند حدهم لأن هؤلاء يتسببون فى إزهاق الأرواح ويجنون من وراء ذلك الكثير من الأموال، ويتسببون فى إحراج شديد للحكومة. صدور القانون سيكون سببًا فى حسم هذه الظاهرة ويقلل إن لم يكن يمنع هذه الهجرة غير الشرعية التى تتسبب فى موت كثير من الشباب، وبعد صدور القانون لابد من ضرورة تنفيذه وهذا هو المهم، إذًا إصدار مثل هذا القانون، يعد من أهداف إحداث التغيير الذى يحلم به المواطنون بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية. الدعم هل من الممكن من خلال الثورة التشريعية أن يتم تنظيم الدعم ووصوله إلي مستحقيه؟ - فى إطار الثورة التشريعية المأمول القيام بها، ومن خلال النصوص الجديدة المزمع إصدارها لابد من تنظيم الدعم حتى يصل إلى مستحقيه الفعليين الذين يعانون من الفقر والعوز، لا أن يهدر على أصحاب الدخول العالية الذين لا يحتاجونه.. هذه النصوص التشريعية لابد أن تراعى هؤلاء الفقراء المعدمين الذين يستحقون كل الاهتمام والرعاية ولابد أن يصل إليهم ما تقرر من دعم وألا يضيع هباء منثورًا على غير مستحقيه، ولهذا الأمر نصوص تشريعية تنظم عملية الدعم وعلى من يُصرف. لو ضربنا مثلاً بدعم البنزين، لا يجوز بأى حال من الأحوال أن يصرف لأصحاب السيارات الفارهة، وطالما أن صاحب السيارة الفارهة يقدر على شرائها، فإنه قادر بالتبعية على شراء وقودها، ويجب أن يتخلى عن صرف البنزين المدعم الذى يصرف، والأولى به أصحاب السيارات الأخرى من البسطاء، ولابد من وضع النصوص التشريعية التى تنظم مثل هذه الأمور، والذين يصرفون دعم البنزين لابد أن تتحدد لهم كمية معينة فإذا استهلكها فى وقت قصير أقل من المدة المحددة له طبقًا للقانون يخرج إلى شريحة أخرى ويتم محاسبته ماليًا على هذا الأساس. وليس الأمر مقصورًا فقط على البنزين، بل يتعداه إلى سلع أخرى ومنها استهلاك الكهرباء فلا يجوز أن يتم محاسبة مستهلك لديه ستة تكييفات مثل آخر لا يملك هذه التكييفات، بل لابد من المحاسبة طبقًا لشرائح محددة، يراعى فيها الفقير الذى لا يستهلك تيارًا كهربائيًا كثيرًا، وبالتالى تتحقق نظرية المشاركة فى الأعباء، التى تعتمد على حساب القادر الغنى بأسعار مرتفعة لا يجوز تطبيقها على الآخر الفقير المُعدم. وأعلم أن وزارة الكهرباء تقوم حاليًا بإعداد نظام الشرائح بهدف إلغاء التسوية بين الفقير والغنى فى المحاسبة، وبين صاحب الاستهلاك العالى والمنخفض. وعلى كل حال لابد أن يكون هناك اهتمام بأصحاب الدخول المالية المنخفضة والفقراء وأهل العوز، وهذا يتطلب نصوصًا تشريعية لتحقيق ذلك على أرض الواقع. وهذا الأمر يحتاج إلى عقول سياسية للقيام بهذه المهمة ولا يجوز أن يتولى إعادة النظر فى قضية الدعم أى أحد، لأن هذه العقول تستطيع أن تحل المشاكل التى تطرأ، بما يضمن تحقيق الحياة الكريمة والآمنة للبسطاء والفقراء، إضافة إلى ذلك ضرب الفساد وقطع رؤوس أصحابه الذين يهدرون أموال الدولة المدفوعة فى الدعم ولا تصل إلى المحتاجين والفقراء.. وفى ظل وجود شريحة فقيرة لا يجوز بأى حال من الأحوال إلغاء الدعم، بل لابد من وجوده لهؤلاء الفقراء وحدهم وهنا تتحقق العدالة الاجتماعية. الضرائب لكم رأي في منظومة الضرائب وكيفية تحصيلها وتجريم المتهربين فما هو؟ - لابد من الضرب بيد من حديد على الذين يتهربون من سداد مستحقات الدولة فى ظل المعاناة الشديدة التى تواجهها البلاد حالياً، ومن أوجه الفساد الذى استشرى على مدار عقود طويلة التهرب من سداد الضرائب، وهى ليست بدعة مصرية وإنما هى معمول بها فى كل بلدان العالم، والمعروف أن تسديد الضرائب مسألة فى غاية الأهمية، وطالما أن هناك من يربحون ويتكسبون فمن الواجب عليهم تسديد مستحقات الدولة حتى تستطيع القيام بالمشروعات التى يتم الصرف منها على جميع المواطنين البسطاء الذين يحتاجون إلى كل دعم. التغيير الذى يجب أن يحدث هو حرمان هؤلاء المتهربين من سداد الضرائب من ممارسة حقوقهم السياسية والمتلاعبين فى السداد الذين يستغلون كل ثغرات القوانين البالية والعقيمة لعدم أداء ما عليهم من ضرائب، ولدرجة أن هناك متأخرات ضريبية تقدر بالمليارات من الجنيهات منذ زمن طويل، ويتفنن أصحابها فى عدم التسديد والتحايل بكل الوسائل من أجل التهرب من الضرائب، والغريب فى هذا الشأن أن هؤلاء المتهربين يماطلون ويقومون برفع قضايا لترسيخ هذا التماطل عن تعطيل تنفيذ القانون، ورغم أن سداد الضريبة واجب وطنى، إلا أن هناك بعضاً يسعى بكل قوة ويتحايل للمماطلة فى عملية السداد. ونذكر فى الصدد أن هناك قضايا منظورة أمام المحاكم فى هذا الشأن، لدرجة صدور أحكام متناقضة فى شأن تسديد الضرائب، ونسى هؤلاء المماطلون والمتهربون كل ما تقدمه الدولة من امتيازات لهم فى مشروعاتهم التى يتربحون منها، وكأن سداد الضريبة بات «بعبع» يطاردهم، ولو أن هناك عقوبات رادعة وزاجرة ما سمعنا بكل هذه المهاترات. ولذلك يجب إصدار نصوص تشريعية جديدة تجرم هؤلاء المتهربين الذين لا يؤدون للدولة حقوقها، وأبسطها حرمانهم من حقوقهم السياسية، فلابد من تجريم فعل التهرب من سداد الضرائب من خلال تغيير منظومة القوانين التى تنظم هذا الأمر، وكما قلت من قبل فإن الضرائب ليست بدعة معمولاً بها فى مصر وحدها، وإنما هى فى كل بلدان الدنيا، وأموال الضرائب هى ملك للفقراء والمعدومين وأهل العوز من خلال ما يقدم لهم من مشروعات تقوم بها الدولة، بالإضافة إلى الدعم الذى تتولى شئونه البلاد. جشع التجار ما الحل في الفوضي التي تسود الشارع وجشع التجار؟ - الفلسفة من الثورة التشريعية هي تحقيق حلم المواطن فى الحياة الكريمة وتحقيق آماله نحو مستقبل أفضل طالما أنه حلم به منذ زمن طويل. والثورة التشريعية تتضمن كل مناحى الحياة بهدف تحقيق الأمن والأمان لكافة المواطنين. ومن خلال الحديث السابق الذى تحدثنا فيه عن الإصلاح القضائى، كان المهم هو الوصول إلى المحاكمة العادلة والناجزة والمنصفة. ومن خلال العرض السابق للإصلاح القضائى الذى تناولناه، لابد أن ندرك أن الهدف الرئيسى من هذا الأمر هو خدمة المواطن بالدرجة الأولى. نحن الآن فى حاجة شديدة أمام مجال الثورة التشريعية لحدوث انضباط فى الشارع، وهذا لن يحدث إلا من خلال النصوص التشريعية التى تحقق الفلسفة العقابية المبنية على الردع والزجر، وهذا الانضباط المطلوب فى الشارع له جوانب عديدة وكثيرة، بحيث يحقق ما يريده المواطن والدولة فيما تصبو إليه من المصلحة العامة. من هذه الجوانب المهمة التى يجب أن تشملها الثورة التشريعية وضع النصوص التى تحمى المواطن من الارتفاع الجنونى فى الأسعار ووقف الانفلات الشديد فى الأسواق. وهذه مسألة مهمة بالغة الأهمية، لأن النصوص القانونية لابد أن تحكم العلاقة بين المواطنين والأسواق وبين التاجر والمنتج بعيدًا عن العشوائية الموجودة الحالية التى أرهقت المواطنين بشكل خطير. كما أنه لابد من وجود نصوص تشريعية جديدة تمنع هذا الجشع الذى يمارسه التجار جهارًا ليلاً ونهارًا، ويصاب فى نهاية المطاف بحالة احباط شديدة. نعم هناك حالة جشع خطيرة يقوم بها التجار فى حق الناس بصورة فاقت الحدود والتصورات.. الناس يشكون من ارتفاع جنونى فى الأسعار ولو بحثنا عن المستفيد من هذا الارتفاع، فسنجد أن المنتج لا يتحقق له هذا النفع وإنما هناك فئة من التجار هى المستفيد الوحيد الذى يحصل على الأموال المنهوبة من جيوب المواطنين. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد سلعة مثل الطماطم الآن لا يتعدى سعرها 75 قرشًا لدى الفلاح ونجدها تصل إلى المستهلك بسعر يتراوح بين سبعة جنيهات وثمانية، ففى المناطق الشعبية تباع بسبعة والمناطق الراقية تصل إلى ثمانية وعشرة جنيهات. وبالتالى لا يستفيد الفلاح من هذا المكسب كله وإنما المستفيد هم هؤلاء التجار الجشعون الذين يواصلون أفعالهم دون حسيب أو رقيب. الضمان الاجتماعي ما هو الضمان الاجتماعي في الثورة التشريعية التي تنادون بها؟ - فى قضايا الثورة التشريعية لابد من الاهتمام بالضمان الاجتماعى للأفراد، وقد أفرد الدستور عدة مواد تتضمن حقوق الأفراد، وهذا يتطلب ضرورة تفعيل هذه المواد الدستورية وتحويلها إلى قوانين حتى يستطيع المواطن أن ينعم بها. فالمجتمع يقوم على التضامن الاجتماعى وعلى الدولة القيام بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل المختلفة بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين. ولابد من التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جموع المواطنين دون تمييز أو استثناء، والأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. وتكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصاد والاجتماعية والثقافية. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبًا فى المجالس النيابية، وكفالة حق المرأة فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، ولأن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة لا يجوز إلزام أى مواطن بالعمل جبرًا إلا بمقتضى قانون ولأداء خدمة عامة، ولذلك تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال وتعمل على علاقات عمل متوازنة بين طرفى العملية الإنتاجية وتكفل سبل التفاوض الجماعى وتعمل الدولة على حماية العمال من مخاطر العمل وتوفر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية ويحظر فصل العمال تعسفيًا. بالإضافة إلى أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة وتكليف القائمين بها لخدمة الشعب وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب. كل هذه المسائل ضرورة مهمة للضمان الاجتماعى، ولذلك الأمر يحتاج إلى خبرة الفنيين والمتخصصين فى هذا الشأن حتى يتم وضع النصوص التشريعية المطلوبة فى الثورة التشريعية التى يجب أن تكون بهدف تحقيق قضية الضمان الاجتماعى للأفراد وتحقيق الحقوق الأساسية للناس من متطلبات الحياة الرئيسية التى تكفل الكرامة للمواطن. أحوال الفلاح لكم رأي في منظومة السياسة الزراعية وأحوال الفلاح فما هي؟ - منظومة الزراعة يجب أن يعاد النظر فيها كلية، بدلاً من هذا الوضع الحالى الذى لا يحقق أية تنمية، فلابد من وجود سياسة زراعية جديدة تتمشى مع الواقع الجديد بعد الثورتين، والقضاء تمامًا على المنظومة القديمة التى أثبتت فشلاً ذريعًا خلال الحقبة الزمنية الماضية. الواقع الجديد الآن يقتضى ضرورة تغيير هذه السياسة حتى يشعر الفلاحون والمزارعون بالتغيير الذى طرأ على حياتهم، وبدلاً من شعورهم الشديد بالإحباط لأنهم يبيعون المنتجات بسعر ضئيل ويرون أمام أعينهم هذا الجشع البشع الذى يمارسه التجار. الحديث عن المنظومة الزراعية الحالية الفاشلة يطول كثيرًا، ولكن يجب أن يكون نسفها من جذورها، وبدء الإصلاح الفورى من خلال السياسة الزراعية الجديدة التى تتوافق وتلائم الواقع الجديد الذى تحياه البلاد حالياً، وسنضرب أمثلة ليست على سبيل الحصر وإنما من أجل التدليل على أهمية التغيير، فمحصول القطن المصرى الذى كان مثار دهشة العالم كله، ومنتجاته التى كانت تتصدر منسوجات الدنيا كلها ويقبل عليها الجميع إقبالاً لا مثيل له، بالإضافة إلى جلب العملات الأجنبية للبلاد من خلال عمليات التصدير. لماذا أصيب القطن المصرى بهذه الانتكاسة وتم إغلاق الكثير من المصانع خاصة فى المحلة وكفر الدوار وشبرا الخيمة، السبب هو الإحجام عن زراعة القطن طويل التيلة، إضافة إلى أن الدولة نفسها تركت الفلاح فريسة للتجار يسارعون المزارعين فى شراء المحصول. وكانت الدولة فى الماضى تحصل على كل المحصول ولا يتم توريده إلا إليها وتشتريه من المزارع بثمن معقول يحقق هامش ربح له. الآن فى الوضع الحالى تغيرت الأمور وتم ترك الفلاح فريسة لجشع التجار، ومن هنا أحجم عن زراعته، والنتيجة تعطل المصانع ووقف تصدير المنتجات القطنية وإحلال الخراب على الجميع. لذلك فإن السياسة الزراعية الحالية تحتاج إلى النسف وإيجاد سياسة أخرى تحقق حلم المزارعين فى التغيير وبما يتفق مع الواقع الجديد بعد الثورتين. مصر في حاجة إلي وزير سياسي أم تكنوقراط في ظل المرحلة الجديدة؟ - فى ظل الحديث عن التغيير الذى يجب أن يطرأ على البلاد وفى شتى المناحى من تعليم وزراعة وصناعة وتجارة واستثمار وخلافه، بعد الثورتين العظيمتين فى 25 يناير و30 يونية، لا يمكن أن نغفل أبدًا الحديث عن قضية بالغة الأهمية وهى الوزير السياسى.. فالإصلاح الحقيقى يتأتى من اختيار السياسيين الذين يضعون خريطة التطوير والتغيير من خلال الاستعانة بالكفاءات من التنفيذيين أهل التكنوقراط، وبمعنى أوضح وأدق لابد من وجود الوزير السياسى الذى يستعين بخبرة التكنوقراط لتنفيذ سياسته الجديدة التى تهدف إلى التغيير طبقًا لمبادئ الثورتين. نحن فى حاجة شديدة وملحة إلى الوزير السياسى الذى يرسم السياسات العامة لوزارته والتى تسير على هداها دون تأخير أو تعطيل، وليس معنى ذلك الاستغناء عن خبرة التكنوقراط، فالأمران مطلوبان من أجل نجاح تنفيذ هذه السياسة، نحن فى حاجة شديدة إلى الوزير السياسى الذى يخطط لإحداث التغيير المنشود فى ظل بناء الدولة الحديثة والذى يضع السياسة العامة لوزارته ويستعين بأهل التكنوقراط وخبرتهم من أجل الوصول إلى الهدف المطلوب وهو التطوير والقضاء على المنظومة الفاسدة داخل وزارته. الحقيقة أن الكرة الآن فى ملعب كل وزارة لتختار ما يناسبها من تعديل فى القوانين حتي تتمشى مع سياسة التطوير والتغيير المطلوب إحداثه، ولا يجوز بأى حال من الأحوال أن تُفرض نصوص تشريعية على أى وزارة دون مشاركتها الفعالة فيها، ولذلك فإن الدعوة إلى تكليف الوزارات المختلفة بإعداد مشروعات القوانين المناسبة لها مسألة بالغة الأهمية.