ما الذي تعرفونه عن المخيمات الفلسطينية في لبنان؟ اعترف لكم اني أيضا لم أكن أعرف الكثير عنها.. إلي ان صدمتني الحقائق المفزعة التي رأيتها بعيني عند زيارتي لها الشهر الماضي كسفير لمنظمة الاغاثة الإسلامية. فالمخيمات الفلسطينية في لبنان موزعة ما بين الشمال والجنوب وفي العاصمة بيروت أيضا.. ويقدر عددها بستة عشر مخيماً. يعيش فيها ما يقرب من نصف مليون فلسطيني. وأشهر هذه المخيمات هي صابرا وشاتيلا التي جرت فيها المذبحة الإسرائيلية.. أما أكبرها فهو مخيم عين الحلوة، الذي يعيش فيه قرابة مائة ألف لاجئ فلسطيني.. علي مساحة كيلو متر واحد - هي مساحة المخيم!! وقد بدأت مأساة سكان المخيمات بالهجرة الأولي بعد صدوره قرار تقسيم فلسطين من الأممالمتحدة في نوفمبر 1947 وقيام العصابات اليهودية بقتل وتشريد سكان المدن والقري الفلسطينية ففر منها ما يقرب من مائة ألف الي الجنوب اللبناني. ثم توالت الهجرات الفلسطينية إلي لبنان بعد ذلك حتي وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين فيها إلي قرابة نصف مليون كما أسلفنا. وهم بذلك يشكلون ما يقرب من 11٪ من سكان لبنان.. وقد بدأت تلك المخيمات علي شكل خيام وعشش من الصفيح يعاني سكانها من البرد والمطر - إلي ان بدأ البناء العشوائي بها - الذي تحول إلي مأساة لا مثيل لها في العالم. ومنذ بداية مأساة الهجرة الفلسطينية الي لبنان وحتي يومنا هذا فقد عومل الفلسطينيون في لبنان كرعايا أجانب يخضعون للأنظمة والقوانين اللبنانية فهم محرومون من حق العمل أو التملك أو حتي الانتقال إلا بإذن خاص من السلطات اللبنانية. وقد واظبت الحكومات اللبنانية المتعاقبة علي التعامل مع الملف الفلسطيني بوصفه ملفاً أمنياً. والمخيمات بوصفها جزراً أمنية خارجة علي القانون. وتعاملت السلطات اللبنانية مع المخيمات الفلسطينية بكثير من العداء بسبب اتهام سكانها بأنهم من أشعلوا فتيل الحرب الأهلية اللبنانية.. ومن ثم عليهم بدفع الثمن الآن..حتي لو كان ذلك الثمن هو إهدار لآدميتهم وإنسانيتهم وحقهم في الحياة.. ولا أقول الحياة الكريمة.. فسكان هذه المخيمات أبعد ما يكونون عن ذلك. فقد عمدت السلطات اللبنانية إلي إفراز قوانين تمييزية ضد الفلسطينيين في لبنان مما أغلق سوق العمل في وجوههم تماماً.. فحتي من يكمل تعليمه من سكان المخيمات.. ويحصل علي شهادة عليا في الهندسة أو الطب أو غيرها.. يحرم عليه تماما العمل بشهادته خارج المخيمات الفلسطينية.. فهناك، ما يقرب من سبعين مهنة محرم علي سكان المخيمات العمل بها.. أو حتي الانضمام للنقابات العامة التي يتبعونها.. أو حق ملكية أي عقار أو أرض أو شركة. ومن ثم لا يتبقي لسكان المخيمات سوي الأعمال اليدوية البسيطة أو بيع الخردوات وما شابه - بشرط ان يكون ذلك داخل أسوار المخيمات الفلسطينية. ولك ان تتخيل كيف يعيش مائة ألف شخص في مربع مساحته كيلو متر مربع واحد. فلا توجد شوارع بالمعني المتعارف عليه داخل هذه المخيمات.. بل هي حواري شديدة الضيق لا تتسع سوي لمرور شخص واحد وهي تتلوي كالثعبان داخل المخيمات. لدرجة أنني شاهدت واقعة لا أظن انها حدثت في أي مكان آخر في العالم.. عندما توفي أحد سكان هذه المخيمات.. فتم وضعه في الصندوق.. حيث استحال خروج هذا الصندوق من خلال الحارات الضيقة الملتوية .. فتم نقل الجثمان والصندوق من خلال أسطح منازل المخيم المتلاصقة! ناهيك عن الأوضاع الصحية المتردية إلي درجة لا تصدق.. فهناك تنتشر الأمراض المزمنة- من فشل كلوي وكبدي وسرطان- في حين ان العلاج المتاح هو مستوصفات صغيرة علي أطراف المخيمات .. ليس بها أدوية سوي الأسبيرين والميكرو كروم. ذلك في الوقت الذي يعيش فيه ما يقرب من ثلاث أرباع سكان المخيمات علي الإعانات التي لا تكفي ثمناً للخبز الحاف. أما الماء والكهرباء فهو مأساة أخري - فالماء يأتي من آبار محفورة في المخيمات ومياهها ملوثة وبها مواد ضارة . مما تسبب في آلاف من حالات الفشل الكلوي. أما الكهرباء.. فهي لا تزور المخيم سوي ساعتين أو ثلاثة في اليوم.. وباقي ساعات اليوم يقضيه سكان المخيمات في ظلام دامس!! ومهما كان قلمي قادراً علي الوصف.. فإنني اعترف بانني عاجز عن وصف هول ما رأيته في تلك المخيمات من أوضاع لا تطيق حتي الحيوانات العيش فيها.. فما بالكم بالبشر- وماذا لو كان هؤلاء البشر هم أهلنا وناسنا.. وما بالكم لو كان هؤلاء البشر قد هجّروا من بيوتهم وقراهم ومدنهم.. فصاروا بلا هوية.. مشردين ضائعين .. بلا أمل في مستقبل قريب أو بعيد.. يتنصل منهم الجميع - ونساهم حتي أبناء جلدتهم سواء حماس أو السلطة في غزة.. بصراعهم علي السلطة والنفوذ - تاركين إخوانهم وأبناءهم يعيشون عيشة.. الموت أفضل منها في تلك المخيمات. وإذا كان العالم كله قد نسي سكان هذه المخيمات أو تناسوهم.. فهل يحق لنا ان نفعل ذلك أيضا.. خاصة ان بعض دولنا العربية.. تتكدس فيها ملايين المليارات من عوائد البترول - ومنها من ينفقها في إقامة كأس العالم في أراضيه.. ببناء استادات مكيفة تتكلف مئات المليارات من الدولارات.. والواحد علي الألف من هذا الرقم.. كفيل بتحسين وتغيير أوضاع هذه المخيمات وسكانها.. علي الأقل من خلال رعاية صحية وإنسانية.. في زمن غابت فيه الإنسانية! وإذا كنا ندين إسرائيل علي مذبحة صابرا وشاتيلا.. ذلك المخيم الفلسطيني.. فهل، ما نفعله بهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات أقل مما فعلته إسرائيل بهم؟ بقلم: مجدي صابر