فيما اعتبر ضربة قوية للحرب التي تشنها واشنطن على ما يسمى بالإرهاب، تولت قوات الأمن الباكستانية في 11ديسمبر السيطرة على قاعدة شمسي الجوية في مقاطعة واشاك بإقليم بلوشستان الجنوبي الغربي المتاخم لإيران وأفغانستان بعد أن تم إنزال العلم الأمريكي عن القاعدة. وأفادت وسائل الإعلام الباكستانية بأن الولاياتالمتحدة انتهت فعليا من إخلاء القاعدة وأقلعت آخر طائرة وعلى متنها من تبقى من أفراد وعتاد أمريكي، موضحة أن مسئولين من هيئة الطيران المدني الباكستانية ووزارتي الدفاع والداخلية وصلوا أيضا إلى القاعدة الجوية لفرض السيطرة الكاملة عليها. ورغم أن الخطوة السابقة جاءت في إطار الانتقام الباكستاني من واشنطن على إثر مجزرة مهمند، إلا أن هناك من يرجح أن باكستان بصدد التخلي عن دعم واشنطن في الحرب على ما يسمى بالإرهاب ، خاصة وأنه طالما توترت العلاقات بين البلدين ، إلا أنها لم تصل حد إخلاء قاعدة شمسي الجوية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إي" في شن غارات بطائرات من دون طيار على مناطق الحدود مع أفغانستان. ولعل ردود فعل المسئولين الباكستانيين على إخلاء القاعدة يرجح صحة ما سبق ، حيث أكد مدير عام العمليات بالجيش الباكستاني الجنرال أشفق نديم أن الغارة التي شنها الناتو في 26 نوفمبر الماضي على مركز عسكري في منطقة مهمند القبلية وأودت بحياة 28 جنديا باكستانيا كانت مقصودة . ولم يكتف بما سبق ، بل إنه كشف أيضا أن باكستان ستنشر نظاما للدفاع الجوي على امتداد الحدود مع أفغانستان لمنع تكرار مثل هذه الهجمات. ونقلت صحيفة "ذي إكسبرس تريبيون" الباكستانية عن نديم قوله في هذا الصدد :" يمكننا أن نتوقع مزيدا من الهجمات من حلفائنا المفترضين". وفي السياق ذاته ، نقلت قناة "الجزيرة" عن مصدر رفيع في الجيش الباكستاني القول أيضا في 12 ديسمبر إن إخلاء الولاياتالمتحدة لقاعدة شمسي هو انتصار سياسي كبير لباكستان ، موضحا أن الولاياتالمتحدة لديها على الأقل قاعدتان أخريان في أفغانستان، ويمكنها أن تلجأ لاستخدامهما. وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن تكرار الهجمات على قوافل الناتو يرجح أيضا أن الأمور في طريقها للتصعيد بين إسلام آباد وواشنطن ولن تتوقف فقط عند إخلاء قاعدة شمسي ، فقد هاجم مسلحون قافلة إمدادات تابعة لحلف الناتو مساء الأحد الموافق 11 ديسمبر في جنوب غربي باكستان، مما أسفر عن مقتل سائق. وذكر مصدر إعلامي باكستاني أن مسلحين مجهولين أحرقوا ثمانية صهاريج نفط كانت في طريقها لقوات الناتو المتمركزة بأفغانستان عند معبر دهادار في منقطة بولان بإقليم بلوشستان . ويعد هذا الهجوم الثاني من نوعه في أقل من أسبوع بعد استهداف شاحنات تابعة لحلف الناتو في 7 ديسمبر في كويتا عاصمة إقليم بلوشستان، ما أسفر عن إحراق 20 شاحنة. ويبدو أن الأسوأ مازال بانتظار قوات الناتو بقياة الولاياتالمتحدة في أفغانستان ، حيث لا تزال شاحنات صهاريج الوقود وشاحنات البضائع عالقة في الأراضي الباكستانية بعد إغلاق السلطات هناك طريق الإمداد الرئيسي لقوات الناتو في بلدة تهسيل جمرود على الحدود الأفغانية ، هذا بالإضافة إلى رفض إسلام آباد حضور مؤتمر بون بشأن أفغانستان ، الأمر الذي ضاعف مخاوف إدارة أوباما من احتمال زيادة وتيرة دعم باكستان لحركة طالبان للانتقام أكثر وأكثر لضحاياها في مجزرة مهمند ، خاصة بعد رفضه تقديم اعتذار لها عن مقتل جنودها . وكان أوباما تعامل بغطرسة مع إسلام آباد وروج مزاعم حول أن مسئولين باكستانيين في مركز للتنسيق الحدودي أعطوا إشارة الموافقة على الضربة الجوية دون أن يكونوا على علم بوجود جنود في المنطقة ، الأمر الذي زاد شكوك الجيش الباكستاني حول أن الغارة كانت مقصودة على خلفية الاتهامات الأمريكية المتكررة له بدعم حركة طالبان الأفغانية . ولعل ما ضاعف من شكوك الجيش الباكستاني أيضا أن مجزرة مهمند تزامنت مع فضيحة "ميمو جيت" التي تفجرت في وسائل الإعلام الباكستانيةوالأمريكية الشهر الماضي حول مذكرة سرية منسوبة للسفير الباكستاني في واشنطن حسين حقاني طالب خلالها واشنطن بالمساعدة في كبح جماح الجيش الباكستاني . ورغم أن حقاني أكد أنه لاصلة له بتلك المذكرة وقدم استقالته على إثرها ، إلا أن هناك من يرجح أنها سبب الحملة الشرسة التي شنتها واشنطن على المؤسسة العسكرية الباكستانية في الشهور الأخيرة ، بل ولم يستبعد البعض تورط الحكومة الباكستانية فيها للحد من نفوذ الجيش الذي طالما انتقد عدم أخذ موقف سياسي تجاه الغارات الأمريكية المتكررة على منطقة القبائل . وبصفة عامة ، فإن ردود فعل الجيش الباكستاني تؤكد يوما بعد يوم أن مجزرة مهمند لن تمر مرور الكرام ، بل إنها قد تطيح في النهاية بحكومة الرئيس آصف زرداري , ليس فقط لاستياء المؤسسة العسكرية البالغ ، وإنما لأن الشعب الباكستاني ضاق ذرعا بانحياز تلك الحكومة الصارخ لواشنطن على حساب مصالحه وسيادة بلاده.