أكد الباحث هشام عبد العزيز مدير تحرير موسوعة "نجيب محفوظ والسينما" على أن الذين هاجموا الروائي الكبير نجيب محفوظ لم يقرأوا أعماله، وإنما اكتفوا بمشاهدة أفلام حسن الإمام، مشددا على أن دور محفوظ في التاريخ العربي أشبه بدور المقريزي وابن خلدون. وأوضح عبد العزيز في تصريحات خاصة ل"بوابة الوفد الإلكترونية" أن علاقته بمحفوظ بدأت في عالم البحث العلمي حينما أسند إليه الدكتور مدكور ثابت مهمة مدير التحرير التنفيذي لموسوعة نجيب محفوظ والسينما في الصحافة العربية من 1947 إلى 2000، وقال عبد العزيز: "لقد كان لهذه الموسوعة أكبر الأثر في حياتي العلمية بعد ذلك على الرغم من إنني عملت فيها ناضجا وأملك رؤية للحياة ووجهة نظر، لكن كيف كان يمكن أن يدرك شاب مثلي حجم ما يمكن أن يفيده من مبدع فذ مثل الأستاذ نجيب قبل أن يدخل عالمه الفريد!". ويُضيف:" لقد دخلت إلى عالم الرجل من باب ما كتب عنه صحفيا خاصة ما يتصل من هذا المكتوب بعلاقته بالسينما، لكنني وللغرابة كنت أشعر دائما وطوال عامين من العمل المضني أنني أسير في طريق مزدحم من الكبار الذين يعز عددهم على الحصر، لكن أبرز الذين صحبوني طوال هذين العامين كان المقريزي تقي الدين أحمد بن علي (764–845ه) المؤرخ المصري العظيم صاحب كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (المعروف باسم خطط المقريزي أو الخطط المقريزية)، وكتاب «إغاثة الأمة بكشف الغمة»، وغيرهما الكثير من الكتب العمدة في تاريخ مصر في نهاية العصر المملوكي". وقال: "كنت أشعر وأنا أقرأ كتب المقريزي بخاصة كتاب "الخطط" إن الرجل المخلص كان يشعر بدنو نهاية الدولة التي كان يعيش في ظلها، وأن الطوفان قادم وهذا الطوفان القادم ربما حين يزيل لن يقضي على الدولة فحسب وإنما قد يمتد أثره إلى البيوت والشوارع والحارات والأسواق، فسوف ينال من الحجر قبل أن ينال من البشر، ولذا فقد كان كالمجذوب يسابق الزمن ليستطيع تسجيل وتوثيق كل موضع قدم قبل أن يأتي الطوفان فيعفّي على كل أثر. من هنا ربطت بين المقريزي المؤرخ ونجيب محفوظ الروائي والمبدع.. لقد كان محفوظ مهموما بتوثيق عالم الحارة المصرية بكل ما تحمله من هموم وطموح وعادات في عصر كان وكأنه يسابق الزمن هو الآخر –كسلفه المقريزي– لكي يتمكن من تسجيلها حتى تستعصي هذه الحارة على النسيان". وحول الهجوم الذي تعرض له محفوظ مؤخرا، قال: "أعلم الآن لماذا كنت أربط طوال عامين من العمل المضني في موسوعة نجيب محفوظ بين المقريزي ومحفوظ مع زملائي إلى جانب د.مدكور؛ لكنني الآن تذكرت نجيب مرة أخرى، بعد ما أثير حوله –للأسف– من بعض رموز التيار السلفي دون روية، حين اتهمه بعضهم بأن أعماله مليئة بالرذيلة والكفر وغير ذلك من أوصاف ليس في عالم الأدب أو الفكر أو الأخلاق أو الدين أو حتى في عالم محفوظ ما يبررها". وأكد عبد العزيز أن المصادفة الغريبة الآن ربطت عنده بين نجيب محفوظ ومؤرخ آخر هو أستاذ المقريزي هذه المرة وهو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن ابن خلدون (732–808ه). موضحا :"أقول المصادفة لأنني هذه الأيام أُعيد قراءة مقدمة ابن خلدون مرة ثانية. وعلى الرغم من المكانة العلمية والسياسية التي حققها الرجل –مثل شبيهه محفوظ– إلا أنه كان متواضعا على أبواب الفكر والعلم؛ لقد ذكر الرجل في مقدمة "مقدمتة ابن خلدون" ماذا صنع في كتابه الكبير «العبر» ومحتوى الفصول والمقدمات التي تناولها، ثم يثني بتواضع العلماء أنه بعد كل ذلك «موقن بالتقصير بين أهل العصور، معترف بالعجز عن المضاء في مثل هذا القضاء، راغبا من أهل اليد البيضاء والمعارف المتسعة الفضاء النظر بعين الانتقاد لا بعين الارتضاء، والتعمد لما يعثرون عليه بالإصلاح والإغضاء؛ فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة، والاعتراف من اللوم منجاة، والسماحة من الإخوان مرتجاة». وختم عبد العزيز حديثه قائلا: "لقد تعلمت من نجيب محفوظ كما تعلمت من المقريزي وابن خلدون, تعلمت كيف أحب الوطن وكيف أطلب العلم وكيف أتواضع في طلبه والخوض فيه, ليت من يهاجم نجيب محفوظ يقبل على قراءته بتواضع وأدب ولا يكتفي بمشاهدة أفلام حسن الإمام". وكان عبد العزيز قد شن هجوما على التيار السلفي في لقاء تليفزيوني بقناة التحرير، مؤكدا أن خطاب السلفيين لم يمتحن في المعترك العام، كما أن رؤية حزب النور لم تتضح بعد، لكن تخوف الناس يرجع إلى ميراث كبير من الرؤية السلفية مثلت مخاوفا لديهم. وأضاف عبد العزيز أن من اتهم أدب محفوظ بالدعارة أو غيرها لم يقرأه، وثمة فارق بين تصريحات الشحات وتصريحات أخرى لقيادات حزب النور التي تحفظت، مجرد تحفظ، على بعض أعمال محفوظ، وتحديدا على رواية "أولاد حارتنا". وقال عبد العزيز: "في التراث العربي هناك ما يمكن أن نخجل منه، فهناك اسم كتاب للسيوطي أخجل أن أقوله على الناس؛ حيث في العنوان لفظ خارج؛ كما أن ابن قتيبة قدم كتاب النساء قائلا "فإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة، أو وصف فاحشة، فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تعرض بوجهك أو تصعر بخدك، فإن ذكر الأعضاء لا يأثم، وإنما المأثم في الكذب، وقول الزور، وأكل لحم الناس بالغيب". شاهد فيديو.. https://www.youtube.com/watch?v=iVCY0cgnOdc&feature=player_embedded