لا شك أن الشعب المصرى شعب فنان بالفطرة، وكان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب يقول لى: «الشعب المصرى أستاذ.. ولذلك لابد لكل فنان عربى أن يحصل على شهادة اعتماده أمام الجمهور المصرى الأستاذ». هذا الشعب كلامه شعر وشعره غناء.. وغناؤه يصاحب الإنسان المصرى منذ مولده «وسبوعه» وحله وترحاله، وفى كل مناسباته الدينية والشعبية، فى الكنائس وحلقات الذكر وموالد الأولياء والقديسين، وفى طقوس زواجه وحجه، ونداءات الباعة الجائلين فى الشوارع من حوله، حتى إن الغناء يشيعه إلى مثواه الأخير بالتعديد! وولع الشعب المصرى بالغناء والزجل والنظم يمتد إلى هتافاته ومظاهراته، فهى فى معظمها هتافات مسجوعة وغالباً موزونة! وقد استرعى انتباهى تغير نسق هتافات الثوار المصريين، وكسر تقليد السجع فى هتافاتهم هذا التقليد الذى امتد من مظاهراتهم ضد المماليك مثل «إيش تاخد من تفليسى با برديسى» واستمر فى ثورة 1919 مثل «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، ولاحظت كيف تأثرت هتافات الثوار فى التحرير بالهتاف الجماعى لثوار تونس الذين سبقت ثورتهم ثورتنا بنحو الشهر وهو الهتاف الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو هتاف قوى ولكنه خال من أى اتساق عروضى. ورغم أنى أعتبر أن استشهاد خالد سعيد قبل ثورة يناير بشهور على يد الزبانية كان هو شرارة ثورة يناير، إلا أن الكثيرين يعتبرون أن زخم الثورة التونسية ونجاحها كان المشجع للمصريين على القيام بثورتهم، وتبع ذلك تأثرهم بهتاف وشعار التوانسة، فهتف ثوار ميادين التحرير (الشعب يريد إسقاط النظام) مضحين بتقاليدهم التاريخية العريقة فى التزام السجع فى هتافاتهم ومظاهراتهم. وربما كان ذلك تصرفاً عفوياً من الثوار يعبر عن رفضهم للثوابت القديمة والقوالب الجامدة، بما فيها قوالب وكل وأكلشيهات الهتافات، والتجديد فى نحت وإبداع شعارات وهتافات جديدة تعبر عن عصر جديد قد بدأ. ولهتافات الثوار فى مصر تاريخ تضيق عنه هذه المساحة اليوم.. فإلى الأسبوع المقبل بإذنه تعالى.