هذه شهادة للتاريخ.. أقولها وقد تجاوزت الخامسة والسبعين.. عملت فيها بالسياسة والصحافة أكثر من نصف قرن. أقولها وسط كثيرين يتعمدون الكلام، وأغلب كلامهم ادعاء وخطأ. أقولها وأنا واحد من ثلاثة أنشأنا صحيفة الوفد الاسبوعية تحت زعامة فؤاد سراج الدين باشا وقيادة مصطفي شردي، عام 1984.. ثم بعد أن نجحت الوفد الاسبوعية أصدرنا الوفد اليومية في مارس 1987 في ذكري اندلاع ثورة 19. أقولها للحقيقة رداً علي المتقولين - خصوصاً الذين ركبوا ثورة 25 يناير - وادعوا البطولة.. وقالوا خطأ انهم هم الذين مهدوا لثورة يناير وانهم أول من نفخ في النفير.. وما قالوا إلا كذبا. أقولها ليعرف الجيل الحالي - جيل ثورة 25 يناير - ان الوفد هو الذي تحمل منفرداً معارضته للنظام السابق.. وتحمل ما لم يتحمله غيره من مطاردة ومن عنف السلطة وضربات السلطان. وما أقوله شهادة لله وللوطن.. وادلتنا تحت ايدينا.. وهي تحت بصر كل المصريين.. ولان جيل ثورة يناير ربما لم يعش تلك الايام العظيمة.. فالوفد منذ عاد للحياة السياسية للمرة الثانية في أوائل عام 1984.. ومنذ أصدر صحيفته الرائدة هذه «الوفد الاسبوعية» كان معظم ثوار يناير في رحم الغيب.. لان معظمهم تحت سن 27 عاماً. ونقولها بالفم المليان عندما كان الكل ينام.. وعندما كانت الاصوات خافتة تخشي حتي ان تهمس، كنا نحن في الوفد نقولها. وها هي صفحات جريدة الوفد منذ اليوم الاول شاهدة علي ما نقول.. فنحن لسنا ممن يدعي بطولة لم يمارسها أبداً.. إلا نحن في الوفد الحزب والصحيفة. واستطاعت جريدة الوفد أن تكون صوتاً أميناً لمبادئ الوفد وأفكاره دفاعاً عن حق المواطن.. وهجوماً علي السلطة والسلطان.. وصفحات تلك الجريدة شاهدة علي ما نقول، لا علي ما ندعي، صفحات الوفد موجودة وناصعة تؤكد اننا عارضنا باستماتة.. وقاتلنا بشرف وقدمنا أرواحنا - بعد أن رفعناها علي أكفنا - بينما كان البعض يمشي «جنب الحيط». وبسبب هذه الشجاعة التي شهد بها الاعداء قفز توزيع الجريدة الي 600 ألف نسخة ثم الي 700 ألف.. ثم الي 800 ألف وكان الناس يتلقفونها من أمام أبواب المطبعة.. وربما لا يذكر الجيل الحالي أن السلطة حاولت قتل الوفد من الايام الاولي.. بل وصدر قرار بمصادرة العدد الرابع «تخيلوا» وتحفظ أمن الدولة علي النسخ ومنع توزيعها.. لولا أن أنصفنا قضاء مصر العادل وأفرج عن الجريدة قبيل منتصف الليل، بعد معركة استمرت ساعات مع أن الدولة ومع الداخلية.. وعادت «الوفد» الي الجماهير الواسعة.. أقوي مما كانت.. وأشجع مما كانت. وسوف يذكر تاريخ الصحافة ان «الوفد» كان لها الدور الاكبر في توسيع حرية الصحافة بما كانت تنشره.. وهو ما لم تكن صحيفة أخري في مصر تجرؤ علي نشره.. ولولا تضحيات الوفد لما وجدنا الاعلام ينعم الآن بكل هذه الحرية.. واسألوا أساتذة التاريخ بل ورجال الامن أنفسهم. كنا نعمل في النور بينما كان غيرنا يعمل في الظلام.. كنا نحارب بالكلمة الشريفة.. وكانوا يلجأون للاغتيالات من رفعت المحجوب الي حسن أبو باشا.. الي عاطف صدقي.. فقد كانت عندنا الشجاعة لان نختلف وأن نواجه عدونا بشجاعة المواجهة. وكانت «الوفد» تخرج من معركة لتدخل أخري. لم يهدأ الوفد لا الحزب هدأ.. ولا الصحيفة استسلمت أو هدأت.. كانت حرية المصري حلمنا وكان اصلاح حال الوطن أملنا.. وكانت الديمقراطية طريقنا.. ولهذا توجهت كل السهام ضدنا.. ضد الوفد الحزب.. وضد الوفد الصحيفة. وأشهد أن قيادة الوفد التاريخية التي يتزعمها فؤاد باشا سراج الدين هي من يقف وراء كل هذه المعارك التي خضناها بكل شجاعة.. كنا نقاتل قتال الفرسان.. أما غيرنا فكانوا غير ذلك. واعترف اننا ربما أمضينا وقتاً أطول في الدفاع عن الديمقراطية وأن هذه المعركة استنزفت كثيراً من قوتنا. واعترف اننا صمدنا في معركة تاريخية نؤكد بها وحدة الامة المصرية وهو مبدأ أصيل من مبادئ الوفد منذ نشأ عام 1918ومنذ عاد للحياة عام 1978.. وهي معركة مازالت مستمرة.. رغم كل ما قيل ويقال. واعترف اننا غصنا الي الاعماق في معركتنا من أجل حقوق الانسان.. وترسيخ حق المواطنة.. وهي ربما مبادئ لم يعمل من أجلها أي حزب أو تنظيم آخر. ولكننا نؤكد اننا لم ولن نندم علي ريادتنا في هذا المجال لان حرية الوطن لا تتجزأ عن حرية المواطن. فماذا قدمنا وماذا خضنا من معارك من أجل مصر ومن أجل كل المصريين؟.