«صفحة مُضيئة في كتاب الوطن».. كلمات تلخص مسيرة 43 عامًا من العمل السياسي المُعارض، تزعمها النائب اليساري أبو العز الحريري، الذي خاض غمار العمل النيابي في بداية حياته كأصغر نائب برلماني، وتناطح في مطلع شبابه مع الكثيرون من أقطاب الفساد ورؤسائه، حتى لقب باسم «النائب المُشاغب»، الذي تحل الذكرى الثانية لوفاته اليوم. «إنني أضع نفسي في المرتبة الثانية بعد المصلحة العام، فقد عشت لأحارب من أجلها ويطردونني بسبب محاولتي لإعلاءها في كل مكان».. كانت النبوءة التي توقعها الحريري خلال عام 1975، حينما شب على قدميه والتحق بإحدى الوظائف الحكومية، التي طُرد منها سريعًا، بسبب نشاطه السياسي. إقالته من وظيفته السياسية دفعه إلى خوض غمار الحياه السياسية بقوة، فالتحق بحزب التجمع، وشارك في سباق الانتخابات البرلمانية عام 1976 بمحافظة الإسكندرية، عن دائرة كرموز على مقعد العمال. ومن هنا بدأت مشاكسات النائب اليساري، ومؤسس التحالف الشعبي الاشتراكي، حيث سُحبت منه حصانته البرلمانية خلال عام 1977؛ بسبب مشاركته في احتجاجات عمالية، واعتقل نحو 9 مرات في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات. جاء اعتقاله في إحدى تلك المرات؛ بسبب مشاركته وهو نائب برلماني في مظاهرات عارضة إتفاقية «كامب ديفيد»، التي وقعتها مصر مع إسرائيل، وبدأ الراحل وقتها تدشين حملة شعبية لرفض الاتفاقية، ووصفها بأنها خيانة، كما حشد الآلاف في مظاهرات ترفض الاتفاقية، وتم خلالها القبض عليه، عام 1981. كان النائب سببًا رئيسًا في ثورة البرلمان على الراحل السادات، ودفعه إلى حل البرلمان، كما أنه اعتقل عام 1982 بسبب مواقفه السياسية ضمن 1531 شخصية من المنتمين لأحزاب وتيارات سياسية عديدة، عُرفت باسم «اعتقالات سبتمبر». ثم بعد اغتيال السادات عاد الحريري ليصبح نائبًا من جديد عن دائرته كرموز عام 1984، وتحت قبة البرلمان خاض الراحل العديد من المعارك مع عدة وزراء ومسؤولين ومقربين من دوائر الحكم. وانتقد الحريري السلطة التنفيذية خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وتسلح بحقه في استخدام كافة الأدوات البرلمانية سواء من أسئلة، أو طلبات إحاطة، أو استجوابات، بهدف إزاحة الستار عن فساد النظام والحزب الوطني. في عام 2003 تقدم بعدد من الاستجوابات البرلمانية الخاصة بالاحتكار، وتقدم بعدها باستجواب للمهندس لأحمد عز أمين عام الحزب الوطني يتهمه بالاستيلاء على شركة الدخيلة للحديد، بالتواطؤ مع الحكومة، منتقدًا دور رئيس الحكومة حينئذ الدكتور عاطف عبيد، أثناء عملية بيع القطاع العام. ولم يكتف الحريري بنقده الحزب الوطني ورجاله المحتكرين فحسب، وإنما انتقد سياسات حزب التجمع الذي كان ينتمي إليه، رافضًا التنازل عن سياسة الحزب الداعية إلي التغيير، وانتقد صفقات الحزب مع الحكومة والحزب الوطني. وفي عام 2009، خاض الحريري سباق رئاسة حزب التجمع ضد رفعت السعيد، وبعد خسارته للانتخابات تم إسقاط عضويته في الحزب، وأسس بعد ثورة 25 يناير حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالاشتراك مع بعض رموز اليسار، لتحقيق أهداف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وكان له دور حاضرًا في برلمان الإخوان، حيث عارض سياستهم بشدة، وأصر على أن البرلمان كيان غير شرعي بسبب قيامه على أساس باطل، فكان الحريري وقتها صوت العمال والبسطاء والثوار تحت قبة مجلس الشعب. كما كان صاحب الواقعة الأشهر في أول برلمان بعد ثورة يناير؛ حيث أقام دعوى قضائية لحل مجلس الشعب وبالفعل نجح في ذلك، بعدما أصدرت المحكمة الدستورية العليا، حكمًا قضائيًا بعدم دستورية بعض نصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية. ورغب الحريري في تغيير منبر نضاله من البرلمان إلى رئاسة الجمهورية، حيث خاض سباق الرئاسة خلال عام 2012، عن حزبه الاشتراكي، وطعن على ترشح المهندس خيرت الشاطر، نائب مرشد الإخوان في نفس الانتخابات، رغم رفض حزبه للطعن، ألا أنه تراجع بدعوى عدم قبوله منصب رئيس جمهورية في ظل مؤسسات باطلة. وخلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، عارضه منذ بداية حكمة، وقال: «إن جماعة الإخوان، تتعامل مع الشعب المصرى بمنطق البقاء للأقوى، ومسؤولة عن حالة العنف التي تشهدها البلاد، من خلال اللجوء لمبدأ سلاح مطواة قرن الغزال، واصفًا فترة حكم المعزول بأنها: «حالة اغتصاب دولة». وكان له جملة شهيرة لخص بها حكم المعزول قائلًا: «لا يوجد ملمح إيجابي واحد للرئيس محمد مرسي» مُعتبرًا أنه فشل في إدارة البلاد وانقلب على المعارضة والدولة والمؤسسة القضائية، وأنه يرسخ لدولة الإرهاب، ونهب ثروات مصر، بالتعاون مع جماعته وأهله وعشيرته. وكان للراحل تصريحات شديدة اللهجة، انتقد فيها تصرفات أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية وحزب النور السلفي، واعتبر أنهم أصحاب مشروع واحد وصفه بالظلامي، أن ما وصلت إليه البلاد خلال السنوات الأخيرة، يتحمل مسئوليته في المقام الأول الإخوان والسلفيون، بنفس درجة الجرم. وشارك في المظاهرات المنددة بالإعلان الدستوري، الذي أعلنه مرسي، لحماية وتوسيع سلطاته، وتم الاعتداء عليه وقتها من قبل التيارات السلفية، وأصيب بجرح قطعي في الوجه. وبعد عزل مرسي أقام الحريري دعوى قضائية طالب فيها بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان ، وتصفية أمواله، ورفض خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ونصح الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدم خوض سباق الرئاسة. وخلال عام 2014، تدهورت حالته الصحية ودخل في غيبوبة أكثر من مرة، وتكفلت القوات المسلحة بعلاج الراحل على نفقتها الخاصة، حتى فارق الحياه في مثل يومنا هذا منذ عامين، تاركًا ورائه حياة مليئة بالمعارضة والسجون والهتاف في صفوف العمال وتحت قبة البرلمان.