نجيبلك مزيكة حسب الله؟؟ كلمات نقولها للتعبير عن الحفاوة فى استقبال عزيز غال. كأنها سلالة الملوك وأحفاد السلاطين من زمن فات. لكن فى مملكة من نوع خاص تجدها فى بلاط القصور وتحت قباب القلاع وفى الحارات أيضًا. إنها صانعة الأنس والبهجة، الموسيقى والغناء، سلطنة المرح. مايسترو «الزفة البلدى» فى شوارع بلدنا وأحيائها الشعبية.. فرقة حسب الله صانعة أفراح المصريين. تقتسم معهم أحلى لحظات العمر عن ظهر رضا ليتزوج العرسان على دقات طبولها ويتمايل الأهل والجيران والحبايب على رنات الآلات النحاسية ويتباهى أعضاؤها ببدلة زاهية مزدانة بالحرير المذهب على الاكتاف.. وعلى الرؤوس «بيريه» كأنه التاج. ولأن فرقة حسب الله سبقت التليفزيون بأكثر من قرن من الزمان فإن الغالبية العظمى من المصريين سمع عن الفرقة ان لم يكن شاهدها «لايف» أى بشكل مباشر بلغة أهل الفن، وقد ساعدت السينما على شهرة الفرقة ولا سيما فى فيلم «شارع الحب» الذى أنتج عام 1959، وكان بطلها العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ «منعم» تربية موسيقار منها «جاديليو» الذى أدى دوره باقتدار الفنان الكبير حسين رياض واعضاؤها هم من ربوه فنياً، ولعل الفنان عبدالسلام النابلسى قد أدى دور قائد الفرقة باعتزاز وفخر شديد أقرب إلى الغرور بانتمائه لفرقة حسب الله، مما عكس عشق كل عازف فى الفرقة للكيان الموسيقى الشعبى الأشهر فى مصر وقتها. بجوار عطفة عوف بشارع محمد على جلست على المقهى الأشهر بشارع محمد على أتأمل الجالسين وتلف عينى المكان وصورة صاحب مقهى «المشير» بالأبيض والأسود. وتاريخ الانشاء عام 1952، ولافتة تحمل صور عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالمطلب وكبار نجوم الطرب فى الزمن الجميل. فيما تعتلى اعلانات فرقة حسب الله بصورهم كل ركن أمام المقهى لأنها بالفعل مكان تجمع الفرقة والمسئولين عنها وعلى هذا المقهى تعقد الاتفاقات على أحياء الأفراح وأعياد الميلاد. زبائن المقهى يعلمون جيدًا تاريخ الفرقة التى أسسها الشاويش محمد حسب الله عام 1860. وكان أحد أفراد فرقة السوارى التى تعمل فى خدمة الخديو عباس حلمى، وكلمة السوارى كلمة ذات أصل فارسى أطلقها العثمانيون على سلاح الخيالة؛ فصار لكل خديو حكم مصر فرقة سوارى للتشريفات والتنقلات وخلافه، غير سلاح الخيالة الموجود فى الجيش نفسه، وسلاح السوارى هذا كانت له فرقة موسيقية، وكان الشاويش محمد حسب الله عازفًا للكلارينت فيها. ويقال إن الشاويش حسب الله كان عاشقًا للموسيقى الكلاسيكية العالمية بحكم عزفه فى قصور الخديو الأربعة والتى كانت تعرف باسم السراى: سراى الخرنفش، وسراى الحلمية، وسراى الريدانية التى تعرف الآن بالعباسية، وسراى الدار البيضاء فى طريق الجبل بالسويس، وكذلك علم الكثير عن الموسيقى المصرية المختلطة فى هذا الوقت بالموسيقى العثمانلى فى شوارع ومقاهى وملاهى شارع محمد على؛ وعندما تقاعد الشاويش الفنان بعد وفاة الخديو عباس كون فرقته من العازفين بشارع محمد على وكانوا فى البداية 11 عازفًا وصلوا فيما بعد إلى 25 عازفًا كونوا فرقة متميزة تمزج بين الآلات النحاسية والطبول؛ أى الزوق الشعبي والسمفوني فى الوقت نفسه أصبحت فرقة حسب الله من أشهر الفرق ونالت التقدير على المستوى المحلى والعالمى يعرفها الناس فى الأحياء الشعبية والراقية أيضًا كما سافرت إلى العديد من الدول الأوروبية ومثلت مصر فى مهرجانات بفرنسا وبريطانيا وألمانيا والعديد من الدول العربية وحظيت بشهرة عالمية حتى انها عزفت أمام الخديو إسماعيل السلام الرسمى على كلمات تقول «أفندينا دخل الديوان والعسكر ضربوا له سلام، ثم قامت بالعزف بعد ذلك أمام الملك فؤاد والملك فاروق، وفى الأفراح وحفلات البشوات والأعيان، كما أحيت أفراح البسطاء فى الأحياء الفقيرة أيضًا.. وقلدها الأطفال فى ارتداء البدلة الحمراء الشهيرة ثم اللون الأزرق والأخضر والزراير المذهبة ويقال إن الشاويش حسب الله كان يزين البدلة بزراير من الذهب الخالص وظلت الفرقة تحت قيادته إلى أن رحل هذا الفنان العظيم عام 1945، ولم يكن له إلا ابنة واحدة؛ فقاد شلبى أحد أعضاء الفرقة زمام الأمور من بعده. التقينا قائد الفرقة الآن سامى بيومى: الذى أكد ان فرقة حسب الله مازالت فرقة متميزة ومطلوبة ويطلبها الزبائن فى الأرياف ل«زفة العفش» كما يطلبها الأثرياء فى المناطق الجديدة الراقية فى القاهرة الجديدة ومدينة نصر وأكتوبر وغيرها لأعياد الميلاد وحفلات الخطوبة. كما يستعين بها أهل الفن فى المسرح والسنيما والتليفزيون وظهرت الفرقة مع الفنان أشرف عبدالباقى فى مسرح مصر وقد كانت الفرقة فى استقبال بطلة مصر الاولمبية هداية ملاك فى مطار القاهرة الأسبوع الماضى. حسب الله القرن الحادى والعشرين تحاول التمسك بتراث الأجداد ويقول قائدها: زمان كان الزبون ينل ويدينا عربون دلوقتى كله بالتليفون. نمسك أراجوز فى حفلة عيد ميلاد ونزف العفش فى الفلاحين. لكن بصراحة كله بيسترخص ويجيب دى جى وشوية عيال تتنطط وخلصت الليلة. لكن فيه ناس متمسكة بالمزيكا وتطلبنا واحنا بنهتم ونقدر الزبون وبفصل وأكلف اللبس اللى الناس بتحبنا فيه. المشكلة ان حريفة الموسيقى نادرين واحيانا استعين بالمزيكاتية بتوع مصلحة السجون خبرة ومزيكا.. وأنا متمسك بمهنتى اللى ورثتها عن أهلى وعمتى الحاجة فاطمة بيومى من شارع صيام فى المنصورة وكان عندها فرقة متصيتة ووالدى نزل الفيوم عمل فرقة «المزيكا» والحمد لله زبون فرقة حسب الله مصراوى أصيل وبيفهم فى الفن صحيح.