بدأ النشطاء السوريون انتفاضتهم بهدف أن تكون سلمية وألا تتحول إلى مواجهات ما أمكن. إلا أن التاريخ يعيد نفسه نتيجة استخدام الرئيس السوري بشار الأسد أعمال العنف والاعتقالات الجماعية التي مارسلها والده من قبل. وفي هذا الشأن نشرت صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" الأميركية مقالا للصحفي رجا عبد الرحيم، جاء فيه ما يلي: مع تمدد الانتفاضة السورية لتدخل شهرها التاسع، فان دورة الاعتقالات والمفقودين في خضم الاجراءات التعسفية تعيد الى الاذهان كارثة سورية سابقة. فالرئيس بشار الأسد يستخدم ذات الأساليب التي مارسلها والده حافظ الاسد قبل 30 عاما عندما قام الاخوان المسلمون بالاحتجاج ووجهوا بعمليات اعتقال جماعي وسجن استمرت لعقود وفي النهاية خرجت بمذبحة قتل فيها 10 الاف نسمة في مدينة حماه. واليوم تنتشر مشاعر الخوف من الاعتقال لتعيد تلك اللحظات عندما كان السوريون لا يعودون الى مساكنهم في الموعد المعتاد ولا يردون على المكالمات الهاتفية. ويقدر المرصد السوري لحقوق الانسان ومقره لندن ان هناك اكثر من 45 الف نسمة اعتقلوا، وان كانت هيئة أمنستي انترناشونال تقول ان العدد وصل الى 13 الفا او يزيد. وتقول ديما، وهي احدى الناشطات في دمشق التي تستخدم اسما مستعارا لدواع امنية، "لا أحد يجرؤ على الاستفسار عن مصيرهم الا باساليب غير مباشرة. واذا استفسر احد عن مصير ابنه، فانه يخضع للاستجواب وقد يعتقل. والطريقة الوحيدة التي نتلقط انباء المعتقلين بها هي عندما يطلق سراح صديق من السجن". وقالت ان الوضع لم يتغير عما كان عليه قبل ثلاثة عقود عندما احجم الكثير وجرؤ القليل من الناس للسؤال صراحة عن مفقودين من الاهل. وتضيف "من الطبيعي ان الناس يقولون ان هذا تكرار للكارثة السابقة. وان الوضع في الثمانينات يتكرر بالطريقة ذاتها". وكان النشطاء السوريون يأملون في الا يعيد التاريخ سيرته بتنظيم انتفاضة مختلفة تتسم باحتجاجات سلمية، وفي اوائل الانتفاضة طالبوا باجراء اصلاحات بدلا من الاطاحة بالقيادة. الا ان الممارسات المؤلمة المماثلة لما حدث في الماضي لم تسمح بذلك في صيف هذا العام، وفي اليوم السابق على شهر رمضان المباك عندما حاصرت قوات الامن مدينة حماة وقتلت عشرات الاشخاص. وفي الوقت الحاضر فان الحديث عن ان التاريخ يعيد نفسه اصبح الموضوع الرئيس المشترك، حسب قول ديما. وقال مرهاف جويجاتي، استاذ الدراسات الشرق اوسطية في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، انه "يجري ممارسة هذه التكتيكات مرة بعد اخرى. انها الاساليب التي يعرفونها وليس لديهم القدرة على تغييرها. انه يستخدمون دليل التعليمات، ولذا فانهم يعيدون التصرفات ذاتها التي تعلموها". ومن يطلع على القائمة التي اعدها مؤخرا نشطاء عن اساليب التعذيب التي تستخدم ضد المعتقلين السوريين، يجد انه يقرأ نسخة طبق الاصل من حكايات السجن التي روتها الاجيال السابقة. فقد القت قوات الامن القبض على شقيق عثمان صحوني واسمه بسام في السابع من مايو. ومضت اشهر لا تعرف العائلة مكان بسام او حتى ما اذا كان حيا ام لا، ولم يكن بامكانهم المطالبة بتفسير رسمي من دون المخاطرة بالقاء القبض على عضو اخر من افراد العائلة. وعلى حين غرة حصلوا على انباء من سجين سابق افاد ان بسام في احد سجون حمص. وعلمت العائلة انه تعرض للتعذيب، وعندما حاول ان يضرب عن الطعام قامت السلطة بكسر ذراعه. وتنتظر العائلة الان اطلاق سراح سجناء اخرين للتعرف على حالة بسام. وقال عثمان صحوني "انها الكارثة نفسها (كما وقعت في الثمانينات)، واعمال القتل ذاتها والقبور الجماعية ذاتها. لم يتغير شيء. ويملأ الرعب قلوب كل فرد، سواء كانوا اطفالا او نساء او رجالا". ومع تعاظم الاحتجاجات ضد النظام في الاشهر الاخيرة، اعلن الاسد شفويا عن خطط الجامعة العربية لاحلال السلام فيما واصل اخرون استخدام اعمال العنف ضد المعارضين. ولم تلبث الجامعة ان علقت عضوية سوريا، وهي احدى المؤسسة للجامعة، وفرضت عقوبات عليها, وقال عمرو العظم، استاذ التاريخ في جامعة شوني في بورتسماوث بولاية اوهايو الاميركية الذي وصل الى القاهرة الشهر الماضي لحضور اجتماع المجلس الوطني السوري المعارض، ان تكتيكات الحكومة (السورية) لا تحمل اي مفاجئات. ومع استمرار حكومة الاسد باستخدام الاساليب الدموية، فان رد المعارضة بدأ يماثل الانتفاضة المسلحة قبل ثلاثين عاما بانضمام المنشقين من القوات السورية الى جيش سوريا الحر، الذي قام بهجمات ضد قوات الامن والمباني الحكومية. الا ان المخاوف كانت تشير الى ان التحول نحو النضال المسلح الناشيء عن الاحباط نتيجة مقتل ما تقدر الاممالمتحدة انه يصل الى اكثر من 4 ألاف، قد يضعف الدعم الدولي للمعارضة. وفي الشهر الماضي، قال وزير خارجية روسيا، الدولة الحليفة لسوريا، ان الاضطرابات بدأت تماثل حربا اهلية. ورددت تلك الافكار في يوم لاحق وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون. وعلى ضوء الاساليب الوحشية التي سادت الانتفاضة السابقة التي قمعت في نهاية المطاف، فان هناك مشاعر قلق حقيقي بالنسبة لمستقبل سوريا. غير ان النشطاء في سوريا يقولون ان هناك مزيدا من الاشخاص الذي قتلوا بسبب التعذيب في السجون، ولا تعرف عائلاتهم مصيرهم الا عندما تستدعى لاخراج جثثهم. وفي اغلب الاحيان يجبر الاهالي على توقيع اعترافات تفيد بان اخرين الذين تسببوا في موتهم. وقال احمد الشورباجي، وله شقيقان في السجن "كل يوم قتل بعد يوم" وشقيقه يحيى القي عليه القبض في اوائل سبتمبر مع ناشط اخر هو غيث مطر. وقد اطلق سراح مطر بعد بضعة ايام بعد تعذيبه الى حد كبير. ولا تزال عائلة الشوربجي بانتظار سماع اي انباء عن مكان وجود يحيى. وقد امكن الحصول على معلومات من سجناء اطلق سراحهم اخيرا نقلوا للعائلة انباء الشقيق الاخر وهو معن وافادوا انه في مستشفى السجن تحت العلاج من اصابات لم يكشفوا عنها. وقال الشوربجي "لا احد في سوريا يمكنه ان يتفسر عن المعتقلين. ثم من يمكنه أن يجيبك على استفسارك؟ لا أحد هناك يستطيع الإجابة. إنها تماما كما كانت عليه في ثمانينيات القرن الماضي".