يبدو أن الدكتور كمال الجنزورى لم يتفهم بعد طبيعة المرحلة التى يتم فيها تشكيل هذه الحكومة، ولايزال الرجل الذى شارف عمره على الثمانين، يتعامل بمنطق تشكيل الحكومة الذى قام به منذ حوالى عشرين عاماً.. وكل الحكومات التى تم تشكيلها بعد الثورة لم تساير الثورة.. الجميع يصر على التعامل بنفس نظام العصر السابق البائد.. لم تقم حتى الآن حكومة ثورية تواكب الثورة، وفشلت حكومتا أحمد شفيق وعصام شرف لهذا السبب.. ويبدو أن «الجنزورى» هو الآخر قادم على الفشل قبل أن يبدأ. فالجنزورى لم يتفهم بعد دور الحكومة خلال هذه المرحلة، فهذه الفترة تحتاج الى حكومة ثورة من رأسها حتى قدمها، ولا يتعدى عدد أفرادها عشرين وزيراً فقط، لكن «الجنزورى» فاجأ الجميع بالإبقاء على كل الوزارات السابقة واستحدث 5 وزارات جديدة، مما يزيد العبء على ميزانية الدولة، فى حين أن حالة الاقتصاد الحالية لا تسر حبيباً ولا عدواً.. فعلاً «الجنزورى» القديم هو «الجنزورى» بعد الثورة، فالعقلية القديمة التى شكلت الوزارة فى السابق هى العقلية الجديدة بعد الثورة، وزاد ذلك طيناً استحداث 5 وزارات جديدة أهمها وزارة لمصابى الثورة، وعودة وزارة التموين. والذى يثير العجب والدهشة هو استحداث هاتين الوزارتين، فلا أجد إجابة شافية مثلاً لاستحداث وزارة لمصابى الثورة، ثم ما هو الفرق بينها وبين وزارة الصحة..وما الدور الذى ستقوم به هذه الوزارة والمهام المكلفة بها، بخلاف ما تقوم به وزارة الصحة؟!.. هل هذه الوزارة تعويض للصحة تمهيداً لا قدر الله مثلاً لإلغائها، والاكتفاء بوزارة «الجنزورى» المستحدثة؟!.. وهذا طبعاً شىء مستحيل! فى الواقع إن استحداث هذه الوزارة هو إرضاء للشارع الثورى ومحاولة استمالته إلى جانب الحكومة.. لكنها استمالة ممقوتة ومرفوضة وغير واقعية وعديمة النفع.. فالمفروض أن المصابين سواء كانوا فى أحداث الثورة أو غير أحداث الثورة، علاجهم والمصاريف التى يستحقونها تدخل فى اختصاص وزارة الصحة.. أما إذا كان «الجنزورى» لديه رؤية أخرى غير التى فهمناها فليفصح بها، بدلاً من هذه «الهرتلة».. هل ميزانية الدولة تسمح بإنشاء مثل هذه الوزارة لتكون منافسة لوزارة الصحة.. أم أن «الجنزورى» يعتزم إلغاء وزارة الصحة والاكتفاء بالوزارة الجديدة التى استحدثها؟! أما وزارة التموين التى عادت من جديد مع «الجنزورى»، فهى عودة بالبلاد إلى الوراء، ويبدو أن «الجنزورى» لا يحب الاقتصاد الحر القائم على المنافسة، أو أن عقلية «الجنزورى» لاتزال تعيش فى الماضى السحيق الذى يعترف فقط بالاقتصاد الاشتراكى البائد ولم يعرف أن هناك تحولاً فى العالم الى الاقتصاد الحر بما فيه الدول النامية.. وغير مقبول على الاطلاق أن يقال بعودة هذه الوزارة لمراقبة الأسعار ومنع استغلال جشع التجار و ما يفعلونه من ممارسات ضد المواطنين.. فهل مثلاً ستقوم هذه الوزارة بتحديد الأسعار للبيع والشراء فى ظل وجود سوق حر يعتمد على العرض والطلب؟ لو فكر «الجنزورى» بهذه العقلية فإن معنى ذلك أنه يتبع سياسة «سمك.. لبن.. تمر هندى».. أو أن «الجنزورى» يتخبط فى تشكيل الحكومة.. وهذه هى الأقرب الى الحقيقة. وإذا كان «الجنزورى» يريد ضبط الأسعار وهذا واجب وطنى، فليس معنى ذلك أن يعيد وزارة التموين، فهناك ألف طريقة وطريقة لمنع جشع التجار والسيطرة على الأسعار ومراقبتها، وإذا كان يريد الاهتمام بمصابى الثورة.. وهذا مطلب مهم، فليس معنى ذلك إنشاء وزارة لهم، لكن هناك طرقاً أخرى للاهتمام بمصابى الثورة.. ثم لماذا لا يتم ذلك من خلال وزارة الصحة.. هل مثلاً وزارة الصحة أعلنت العصيان والرفض للاهتمام بمصابى الثورة؟!.. وكان الأجدر والأولى «بالجنزورى» أن ينشئ جهازين لمراقبة الأسعار والاهتمام بمصابى الثورة بديلين لاستحداث وزارتين. البداية التى بدأ بها «الجنزورى»، لا تبشر بخير.. ومصير وزارته هو مصير وزارتى «شفيق» و«شرف» محكوم عليها بالفشل مقدماً. تم كتابة هذا المقال قبل أن تحلف الحكومة الجديدة اليمين الدستورية.