كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهرا، صوت اقدام المتوافدين علي المسجد. يجلب نسائم رطبة تكافح في عناء حرارة الجو التي تكاد تنصهر بفعلها جلود البشر، قطرات ماء الوضوء تجف علي الوجوه ولا تمنحها الشمس الفرصة لتسقط أرضاً. لا أحد في هذا المكان يجهل القيمة الروحانية والدينية للمسجد الذي يطل علي النيل منذ قرون طويلة مضت ، هنا «أثر النبي» في مصر القديمة وبالتحديد علي الضفة الشرقية من النيل بساحل سمي علي اسم المسجد وعرف به علي مدي سنوات، مرت اجيال وزاره الملايين من اهل المحروسة للتبرك به ولم لا وبه اثر للنبي المصطفي الذي تشتاق لعطر ذكراه النفوس. يأتيه العشاق والمشتاقون من كل ربوع مصر ليشتموا راحته العطرة ليفاجأوا بأبواب موصدة علي سراب. فعندما تفكر الآن في زيارة الأثر سوف تصدم لما آل إليه الحال. فالقمامة بجواره واغلب المسجد مغلق الا من مكان الصلاة الذي اجتهد اهل الحي لاصلاحه حتي يتمكنوا من إقامة الشعائر فيه بعد سنوات من الاغلاق بغرض الترميم.. مساحة كبيرة بها اشجار نادرة جفت اوراقها وسقطت مما يدل علي فقدان العناية به. ..بيده الصغيرة امسك «احمد» ذو 10 اعوام مصحفا يمثل نصف حجمه تقريبا. وجلس في ركن قرب المنبر الرائع في انتظار اقامة الصلاة. واخذ يحفظ قصار السور. قبيل البدء قال في براءة شديدة :الجامع جميل وفيه ريحة النبي لكن قافلين عليها وماحدش بيشوف الحاجات اللي جوه بيقولوا فيه حتة من عباية الرسول عليه الصلاة والسلام وحجر عليه اثر قدمه. وبصراحة ليهم حق العيال كانت بتنط من فوق السور وتلعب علشان كده عملوا سلك. والجامع مايفتحش الا وقت الصلاة. وبالفعل الجامع من الداخل تحفة معمارية يحيطها من الخارج كل اشكال العبث والاهمال، رغم عمليات الترميم المعماري والترميم الدقيق،التي خضع لها المسجد علي مدى عامين وبالنسبة للترميم المعماري في المسجد فقد تطلب تغيير جميع الأرضيات واقامة سور خارجي حول المسجد، وكذلك ترميم الحوائط وتوظيف الجدران واعادة شبكة الكهرباء بالكامل، وهناك ترميم دقيق لتفاصيل الابواب والجدران. علي الجانب الايمن الغرفة التي تحتوي علي ما تبقي من اثار النبي صلي الله عليه وسلم بعد نقل معظمها الي المسجد الحسيني. وهي مغلقة ووضع علي الباب قفل ليحكم غلقها. وقد كتب اعلي الغرفة بيانات عن «الاثر» هذا المسجد علي الضفة الشرقية من النيل ساحل اثر النبي وموقعها من اجمل المواقع، وكان عند انشائه رباطا لاقامة الفقراء العاطلين.وذلك سنة 707هجريا حيث بناه الوزير تاج الدين بن الصاحب والذي جاء ببعض اثار سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ليحفظ في هذا المكان. وكانت المجموعة مملوكة لبني ابراهيم بينبع وتلقوها كميراث عن الأجداد حتي اشتراها وزير مصري، وهو الصاحب تاج الدين ووضعوها في رباط، وهو نوع من الأبنية العسكرية خارج مصر بالقرب من بركة الجيش ومجاور للبستان المعروف باسم معشوق. وجعل المصريون من وظائف الدولة وظيفة شيخ الآثار النبوية. وقد أضاف إلي المسجد الملك الأشرف شعبان والظاهر برقوق، وأسهب في وصفه ابن بطوطة وتوقف عند وصف قطعة من قصعة الرسول الكريم والمكحل الذي كان يكتحل به ومصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بخط يده، وكان للمصريين اجتماعات به ولسكانه منافع كبيرة. حدث هذا قبل أن ينقل الكثير من هذه المخلفات إلي غرفة المخلفات النبوية بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه. هذا المسجد الذي يحمل الكثير من الذكريات المصرية لايزال يضم بعض الآثار مثل السفينة التي كانت ترمز الي السفينة التي جاء فيها بناة المسجد وكذلك آثار أقدام يعتقد أهالي المنطقة أنها تخص الرسول الكريم، وهذا المسجد نفسه كان محل شكوى الأهالي منذ سنوات قبل ان تتاح الصلاة. ويعلم سكان مصر القديمة كلها القيمة الثمينة لهذا المسجد علي الرغم من تفريغه من معظم ما كان به من اثار للنبي عليه الصلاة والسلام. او ما يسمونه ب«العهدة الشريفة» وهي متعلقات شخصية للرسول صلى الله عليه وسلم، واحتفظت بها مصر في مسجد أثر النبي بساحل أثر النبي وقد ظلت المتعلقات في هذا القصر حتى وقع الفتح العثماني في عام 1516 وهزم السلطانُ العثماني سليم الاول السلطان المملوكي قنصوة الغوري وقتله في معركة مرج دابق وبعدها قام باعدام طومان باي بعد الريدانية ثم اسر المتوكل خليفة المسلمين، وقام سليم الاول بالاستيلاء علي معظم المتعلقات النبوية ونقلها الي اسطنبول.