أغرب ما سمعته من فوق منبر مسجد.. ما قاله الشيخ المحلاوى فى خطبته بالاسكندرية أن ثورات الربيع العربى هى تمهيد للخلافة الاسلامية، وأن صعود الغنوشى فى تونس والمد الاسلامى فى مصر والسلفى فى ليبيا هو أول درجات السلم نحو هذا الهدف، وبصراحة أصابتنى دهشة عارمة من تناقض كلام المحلاوى الذى سمعته فى جمعة سابقة ينتقد هذا «التناحر المقيت» حسب قوله بين الإسلاميين للحصول على كرسى فى البرلمان أو مقعد فى السلطة.. ويبدو أن أحدهم أضاء فى رأسه «لمبة حمراء» وقال له إن الليبراليين والعلمانيين سيسرقون مصر ويلغون المادة الثانية المتعلقة بالاسلام كمصدر رئيسى للتشريع - وهو تضليل متعمد للرأى العام - فصب الرجل جام غضبه على الليبراليين والعلمانيين وحث المصلين لاختيار من يحيى الشريعة وانقلب على رأيه السابق الذى انتقد فيه من يستخدم منبر المسجد فى أمور السياسة، نفس الشيء - وهو يتسق مع شخصه - فعله صبحى صالح صاحب النكتة الشهيرة التى تقول إن الاخوانى لابد أن يتزوج إخوانية من أجل تطهير النسل، قال صالح إن الاسلام سيحكم فى تونس وليبيا ومصر وأن عيد الأضحى هذا العام يحمل بشرى حكم الاسلاميين، وفى مسجد التوحيد برمسيس قال الشيخ فوزى السعيد إنه فرض عين على المسلم ان يختار المرشح الذى يطبق الشريعة، ومن يمتنع عن التصويت للمرشح الاسلامى فهو آثم، تذكروا ما حدث فى استفتاء الاعلان الدستورى30/3 والذى انتشرت فيه نفس الفتاوى، من يعطى ل«نعم» فهو صحيح الاسلام ومن يعطى «لا» فهو آثم. ووصل الأمر أن الشيخ حسين يعقوب أطلق عليها (غزوة الصناديق) وبالأمس قال نائب رئيس حزب النور السلفى إن مصر حكمها العلمانيون والزنادقة مائة عام وآن الأوان ليحكمها من يطبقون شرع الله، وهنا لابد أن نسأل الجهبذ السلفى والفقيه اللوذعى هل قرأت تاريخ مصر كى تحكم عليه، أم أنك جاهل بالتاريخ والقاعدة العلمية تقول «انت عدو ما تجهل» تاريخ مصر منذ بداية القرن العشرين تحديداً مليء بفترات من الزهو الوطنى والنضال ضد الاستعمار والتبعية وشهد حلقات كان فيها الاسلام راية خفاقة بسواعد رموز من الأئمة والفقهاء المستنيرين العظام أحيوا إسلامهم وأوطانهم بصورة أنتم أبعد ما تكونون عنها، هل الإمام المجدد محمد عبده كان يعتلى عصراً من الزنادقة؟ هل المراغى وشلتوت والباقورى مع الانبا سرجيوس الذى رفض استقبال كرومر باعتباره مسيحياً عندما دعاه للوقوف مع دار الحماية البريطانية ضد نضال المصريين ومطالبتهم بالاستقلال وقال له أنت مسيحى مثلى فقال له اعتبرنى مسلما مصريا، ثم أكمل روعة العبارة بعد سنوات مكرم عبيد الذى قال فى المحمكة أنا مسيحى الديانة مسلم الهوى مصرى العقيدة ومصريتى فوق ديانتى وهواى «هل هذه الحقب المدهشة من تاريخ مصر التى عانق فيها الهلال الصليب وخطب فيها القساوسة على منبر الأزهر الشريف، هل هى تاريخ من الزنادقة ؟، والله إذا كانت مصر الليبرالية التى انصهر فيها طوائف الأمة على قلب رجل واحد هى بهذا الوصف، فمرحباً بالزنادقة ، ثم من قال للشيخ المحلاوى أن المصريين يريدون عودة الخلافة العثمانية.. الخلافة العثمانية استعمرت مصر حوالى خمسمائة عام فأخذت خير أرضها وخيرة شبابها لتعمير اسطنبول وخلفت تراثاً من القهر والتخلف أبعد روح مصر عن حضارتها الثرية المنفتحة على العالم وحبسها فى تقاليد عثمانية عنيفة وخلق ثقافة الحرملك والسلاملك والتفاوت الطبقى المزرى بين طبقة البكوات وأولاد البلد الخدم، وبين طبقة الهوانم والجوارى والاغوات والغلمان، ثم إن تركيا نفسها الآن يا شيخ محلاوى مستحيل المستحيل أن تعود إلى عصر الخلافة العثمانية، تركيا الآن بلد متحضر يحلم برغد الاتحاد الأوربى ويحكم بعلمانية كمال أتاتورك التى قال عنها اردوغان «الاخوانى» بأنها تقف على قدم المساواة من كل الاديان وتصريحات اردوغان الشهيرة فى مصر ليست ببعيدة، عندما جاء استقبله الاخوان باليفط والورود حتى ظن العالم انه مؤسس فى حزب الحرية والعدالة وعندما قال إنه مسلم فى دولة مسلمة تحكم بالعلمانية و تقف من كل الاديان على قدم المساواة، شنوا عليه حرباً شعواء «وكان ناقص يقولوله روح لأمك فى اسطنبول»، إن كل ما أخشاه فى المرحلة القادمة ووسط اختلاط المعايير وعدم تطبيق القانون هو استقطاب البسطاء وملايين المصريين من حزب الاغلبية الصامتة خصوصاً فى الريف والصعيد نحو انتخاب من يتخذون من الاسلام «دكانة» والشعارات الاسلامية (يافطة) لركوب برلمان الثورة مستخدمين فى ذلك أحط وأقذر الوسائل من الهجوم على المختلفين معهم فى الرأى أو السياسة وممارسين أقسى أنواع الإقصاء، فمن ليس إخوانياً أو سلفياً زنديق وكافر وملحد لانه ليبرالى أو علمانى ولكى توضح للبسطاء أن الليبرالية ليست كفراً بل إن الاسلام هو جوهر النظرية الليبرالية لانها ببساطة قبول الآخر والحرية المسئولة ، لا أحد يسمع لك. وسنعود للمرة المليون لذكر واقعة استاذ الجيل لطفى السيد أول رئيس لجامعة القاهرة عندما ترك الانتخابات فى المنصورة تحت شعار نعم لمصر الديمقراطية وكان أمامه أحد أشباه سلفية واخوان هذه الايام فقال للمصريين فى الدائرة إنه ديمقراطى أى كافر واذا انتخبوه سيدعو كل زوج لترك زوجته مع صديقه و سيدعو لشرب الخمور فى المساجد لأنه ديمقراطى، وهنا هب الناس لضرب لطفى السيد وسقط سقوطاً ذريعاً لانه ديمقراطى، ونفس المعنى قاله نائب رئيس حزب النور، قال بالحرف: لو انتخبتم الليبراليين العلمانيين سيوزعون الدعارة على الشوارع وتماثيل بوذا فى الميادين، ما علاقة تماثيل بوذا بالموضوع، مش عارف.. أهو أى كلام وخلاص؟! حمى الله مصر. «حملة» عزيزى المواطن رجاء شخصى جداً اذهب إلى صندوق الانتخابات مبكراً، نم أمام اللجنة من أجل مصر لأن الوقت المتاح للناخبين - مع الزحمة - قليل، ولأن فئة معينة قررت حجز مكانها بعد صلاة الفجر وإذا حدث ذلك سيتم خطف برلمان مصر، احجز مكانك مبكراً من أجلى.. التوقيع: مصر. ------- رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون