ظل الشيخ طه الفشنى طيلة (70) عاماً قارئاً للقرآن الكريم ورائداً فى الإنشاد الدينى وصاحب مدرسة فى فن التجويد، وكان أول من أدخل النغم على التجويد مع المحافظة على الأحكام، بدأ الشيخ «الفشنى» حياته العملية «مطرباً» وكان من الممكن أن يستمر لو نزعته وتربيته الدينية التى اكتسبها من دراسته فى الأزهر، وكان لسكنه فى حى الحسين أثر كبير فى تردده على حلقات الإنشاد الدينى، وأصبح المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين. ولد الشيخ طه الفشنى عام 1900 بمركز الفشن بمحافظة بى سويف، عمل والده فى تجاره الأقمشة، ولذا تربى «الفشنى» فى أسرة ميسورة الحال إلى جانب تدينها، فحرص والده على إلحاقه بالكتاب وفى الوقت نفسه بالمدرسة الابتدائية، وأتم حفظ القرآن فى سن العاشرة ثم التحق بمدرسة المعلمين، وفى عام 1919م حصل على الكفاءة، وسافر إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة دار العلوم العليا، لكن اندلاع ثورة (19) حال دون اتمام دراسته، فعاد للفشن ليشق طريقه فى احتراف التلاوة والإنشاد فى الحفلات والموالد والأفراح، لكنه لم يتنازل عن حلم إتمام دراسته، وفى عام 1922 سافر للقاهرة والتحق بمعهد القراءات بالأزهر الشريف، وتلقى العلم على يد الشيخ عبدالعزيز السحار والشيخ المغربى، وكان الشيخ «على محمود» متربعاً على عرش التلاوة والإنشاد فى هذه الفترة، وكان الشيخ «الفشنى» من المفتونين به، والتقى به ذات يوم وأسمعه صوته فضمه إلى بطانته التى كانت تضم الشيخ زكريا أحمد، وطاف معه أرجاء مصر، وفى إحدى الليالى الرمضانية بالحسين استمع محمد سعيد لطفى باشا مدير الإذاعة المصرية وأعجب به فعرض عله الانضمام للإذاعة وبالفعل تم اعتماده قارئاً ومنشداً بالإذاعة عام 1937 وانتقل ليعيش فى القاهرة واستقر فى حى الحسين، وعين فى الوقت نفسه مؤذناً للمسجد الحسينى وقارئاً للسورة فى مسجد السيدة سكينة، وذاع صيته حتى إن كبار الموسيقيين والمطربين مثل محمد عبدالوهاب والشيخ زكريا أحمد وأم كلثوم يحرصون على الاستماع إليه ولقبته أم كلثوم بملك التواشيح الدينية فى مصر والعالم الإسلامى. كان الشيخ «الفشنى» يتقاضى عشرة جنيهات شهرياً من الإذاعة، وعشرين جنيهاً عن الليلة الواحدة فى الموالد أو الليالى، ولما توفى أستاذه الشيخ «على محمود» ارتفع أجره إلى مائة جنيه فى الليلة الواحدة، وفى عام 1942 كون «الفشنى» فرقته من البطانة والموسيقيين التى سجلت معه الكثير من الإنشاد بالإذاعة وأشهرها السيرة النبوية العطرة التى شارك فى أدائها الإذاعى الكبير حافظ عبدالوهاب. وفى عام 1943م اختارته الإذاعة لإحياء ليالى رمضان فى القصرين الملكيين فى رأس البر وعابدين بصحبة الشيخ مصطفى إسماعيل واستمرا معاً فى إحياء رمضان فى العصور الملكية حتى قيام ثورة (1952) حيث اختير لتلاوة الذكر الحكيم فى اليوم الأول لافتتاح التليفزيون المصرى، وعقب وفاة الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى تولى «الفشنى» منصب رابطة القراء العامة حتى وفاته عام 1971م. كرم الزعيم جمال عبدالناصر الشيخ طه الفشنى والذى اعتبره قارئه المفضل وأهداه طبقاً فضياً ممهوراً بتوقيعه الرسمى، أيضاً كان الشيخ الفشنى من المقربين من الرئيس «السادات» ومنحه نوط الامتياز فى العلوم والفنون من الطبقة الولى، وتسلم نجله «زين» جائزة الدولة عام 1990 تكريماً لاسم والده بعد رحيله. زار الشيخ طه الفشنى العديد من الدول العربية الإسلامية والمساجد فى كل من السعودية والكويت وقطر والبحرين والأردن وسوريا والعراق والمغرب والجزائر والسودان وباكستان والهند وتركيا وماليزيا وإندونيسيا، إضافة إلى عدد من دول أوروبا وإفريقيا وأمريكا ومنحه معظم ملوك وأمراء ورؤساء هذه الدولة الأوسمة والنياشين كما استقبلته الشعوب بحفاوة لا مثيل لها. قدم الفشنى ما يقرب من (28) توشيحاً دينياً أبرزها «قم يا نديمى فالدجى لى - عيد الحبيب – ميلاد طه – يا أيها الحادى اقنى – يا إله - لى فيك يا أرض الحجاز حبيب، حبى ربيب العلا». وفى يوم الجمعة 10 ديسمبر 1971 توفى الشيخ طه الفشنى، أعظم من عرفتهم مصر فى فن الإنشاد الدينى وخلف وراءه كنوزاً من التلاوات القرآنية والتراتيل والابتهالات والإنشاد، رحم الله صاحب الصوت الذى هام به المسلمون حول العالم.