انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري والأمة الإسلامية بعيد الأضحى المبارك    وفد وزارة العمل يشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    أبعاد سياسة واستثمارية.. لماذا لم تجدّد السعودية اتفاقية «البترو دولار»؟ (تحليل اقتصادي)    البنك المركزي يفاوض 3 دول عربية لإتاحة التحويلات المالية لحسابات العملاء عبر "إنستاباي"    الزراعة: متبقيات المبيدات يفحص 1500 عينة منتجات غذائية.. اليوم    شواطئ.. إعادة النظر في النظام الدولي الجديد (4)    مظاهرات ضد أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا    ياكين مدرب سويسرا: كرة القدم أشبه بالشطرنج وخططنا نجحت    «لن أشاهد المنتخب».. رونالدينيو يهاجم البرازيل قبل انطلاق كوبا أمريكا    تفاصيل مران الأهلي اليوم قبل لقاء الاتحاد السكندري    وزير الشباب: القيادة السياسية والحكومة تدعم الرياضة المصرية    بعد إعلان وفاته.. ما هي آخر جائزة حصل عليها ماتيا ساركيتش؟    مدرب برايتون الجديد أصغر من 6 لاعبين بالفريق.. من هم؟    اوعي تفوتك.. موعد صلاة عيد الاضحى 2024 في مصر وفق بيان المعهد القومي للبحوث الفلكية    «الصحة السعودية»: تقديم الرعاية لأكثر من 112 ألف حاج وحاجة حتى وقفة عرفات    «القاضية بتاعتي أجمد».. أفشة وإمام عاشور وكولر يروّجون ل«ولاد رزق 3» (فيديو)    مقتل جنديين إضافيين من اللواء 179 وإصابة اثنين آخرين جراء عبوة ناسفة بغزة    من على كرسي متحرك.. صفية العمري تهنئ جمهورها بعيد الأضحى    أمين الفتوى بقناة الناس: رسول الله بلغ الغاية فى حسن الظن بالله    موعد صلاة عيد الأضحى 2024 في محافظة الفيوم    موعد أذان مغرب يوم عرفة.. ودعاء النبي عند الإفطار    الإفتاء يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى آخر مكث الحاج بمكة ليُغنِيَ عن طواف الوداع.. ويجوز توكيل رمي الجمرات    لكبار السن- 9 أطعمة يجب تجنبها في عيد الأضحى    عضو جمعية الحساسية والمناعة: مرضى الربو أكثر الفئات تأثرا من الاحترار العالمي    أفضل طريقة لتحضير «الفتة» الأكلة الرسمية لعيد الأضحى    «الحياة اليوم» يرصد أعمال توزيع اللحوم والملابس تحت مظلة التحالف الوطني بالجيزة    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إعداد معلمي رياض الأطفال ب«تربية القاهرة للطفولة المبكرة»    تضامن بورسعيد تعلن شروط التقدم لمسابقة "الأب القدوة"    بمناسبة صيام يوم عرفة، توزيع وجبات الإفطار للمسافرين بالشرقية (فيديو وصور)    الإنتاج الحربي: الرد على 762 شكوى واردة للوزارة بنسبة 100%    الأوقاف: خطبة العيد لا تتعدى 10 دقائق وتوجيه بالتخفيف على المصلين    موعد صلاة العيد 2024 في الأردن.. اعرف الأماكن    رونالدينيو: لن أشاهد البرازيل في كوبا أمريكا    مساجد الإسكندرية انتهت استعداداتها لاداء صلاة عيد الأضحى    الإسماعيلى متحفز لإنبى    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    ماهر المعيقلي خلال خطبة عرفة: أهل فلسطين في "أذى عدو سفك الدماء ومنع احتياجاتهم"    نقل حفل كاظم الساهر من هرم سقارة ل القاهرة الجديدة.. لهذا السبب    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تدخل «جينيس» ب4 أرقام قياسية جديدة    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    هالة السعيد: 8.6 مليار جنيه لتنفيذ 439 مشروعا تنمويا في البحيرة بخطة عام 2023-2024    الاحتلال الإسرائيلي يعلن قصف مبنى عسكري لحزب الله جنوبي لبنان    الشيخ ماهر المعيقلي يلقي خطبة عرفة (بث مباشر)    يورو 2024.. أسبانيا تسعى لانطلاقة قوية أمام منتخب كرواتيا الطموح    تزامنا مع عيد الأضحى.. ما التوقيت الشرعي والطريقة السليمة لذبح الأضحية؟    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين في السياسة الأمريكية -2-
نشر في الوفد يوم 12 - 11 - 2011

كان الآباء المؤسسون لأمريكا حريصين على إبعاد الدين عن السياسة، لكنهم لم يكونوا معنيين بإبعاد الناس عن الدين، فالناس أحرار في دينهم (قانون فرجينيا عام 1785 الذي نص على الحرية الدينية)، والسياسة حرة من الدين، ولذا قررت الوفود التي اجتمعت عام 1787 لمناقشة الدستور عدم النص على أن المسيحية دين قومي للولايات المتحدة،
وعند إجراء التعديل الأول على الدستور الأمريكي عام 1791 تم النص على حظر أية تشريعات تؤسس للدين أو تحمل إشارة له. بل إن هؤلاء الآباء كانوا بعيدين عن الدين؛ فلم يعرف عن "جورج واشنطن" أنه كان يمارس شعائره المسيحية، وكان من النادر جداً أن يشير إلى المسيحية أو المعاني الدينية في خطاباته، بل إن واحداً من أهم المؤسسين لأمريكا، وهو بنجامين فرانكلين، كان يعتقد في وجود رب، ولكنه لم يكن محدد العقيدة، أما "توماس جيفرسون" صاحب الدور الأكبر في صياغة إعلان الاستقلال فكان حريصاً على عدم الإشارة إلى المسيحية في ذلك الاعلان (لكن هناك ذكراً للخالق وما وهبه للخلق من حقوق لا تنتزع)، فضلاً عن أنه كان -من وجهة نظر البعض- خارجاً عن الملة لأنه لم يكن يعتقد في ألوهية المسيح.
لكن هل ظلت السياسة في أمريكا بعيدة عن الدين؟ الإجابة لا تبدو صعبة، فالدين متوغل في الثقافة الأمريكية (بدءًا من عملتهم الورقية المطبوع عليها "نحن نثق بالله")، وثقافة الناس لها دخل في اختياراتهم وتصويتهم، ومن ثم فالدين والسياسة في أمريكا من الصعب أن ينفصلا، واستمع إلى هذه الملاحظة التي دونها الفيلسوف الفرنسي "دي توكفيل" عندما زار الولايات المتحدة عام 1831: "القانون يسمح للشعب الأمريكي بأن يفعل كل شيئ، لكن الدين يمنعهم من تحقيق كل شيئ أو الاجتراء على كل شيئ." فالدين غير موجود في القانون، ولكن كانت له قوة القانون على البعض، ولذا ظل محرماً على المدارس في الولايات المتحدة أن تدرس نظرية داروين عن النشوء والارتقاء (التي تفترض أن الإنسان تطور من سلالة قرود) حتى عام 1925 وذلك بعد قضية شهيرة أدين فيها مدرس أحياء بتدريس نظرية داروين، ولكن استطاع محام مرموق تبرئته بعد مرافعة سخر فيها من الادعاء ومن "الأصولية" في أمريكا.
كان من أبرز تقاطعات الدين مع السياسة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر تلك الدعوة التي أطلقها "إيلي إيزرا" قس الكنيسة المشيخية (التابعة للمذهب الكلفني) في فيلادلفيا، فقد دعا عام 1827 إلى التزام الحكام وصناع القوانين بتعاليم وشعائر المسيحية، وقال: "إننا أمة مسيحية ويجب أن يحكمنا مسيحيون حقيقيون." وكان "إيرزا" حانقاً على القانون الذي سمح بعمل خدمة البريد أيام الأحد (يوم العطلة والصلاة بالكنيسة)، كما لم يكن راضياً عن الابتعاد الواضح للنخبة الحاكمة عن الدين، واعتبر أن ذلك مؤشر خطير على الانحدار الأخلاقي للأمة. الأكثر من ذلك هو دعوة القس إلى إنشاء حزب مسيحي ديني، إلا أن رد الفعل تجاه ما دعا إليه "إيرزا" لم يكن إيجابياً، ولكن فكرة دخول الدين إلى عالم السياسة أصبحت مجالاً للنقاش وكسب المؤيدين، خاصة أن القرن التاسع عشر في أمريكا شهد مداً دينياً كبيراً عرف بالصحوة الكبرى الثانية (الصحوة الدينية الكبرى الأولى كانت في النصف الأول من القرن الثامن عشر قبل الاستقلال).
وشهد القرن العشرون تداخلاً أكبر للدين في السياسة الأمريكية، ففي العام 1954 تم تعديل قسم الولاء الأمريكي بإضافة عبارة "في ظل الله" بعد "أمة واحدة،" بالرغم من أن "فرانسيس بيلامي" واضع هذا القسم في نهاية القرن التاسع عشر كان حريصاً على أن يخلو قسم الولاء لأمريكا من أية إشارات دينية، بل إن "بيلامي" نفسه كان قد توقف عن الذهاب إلى الكنيسة تماماً.
إلا أن أبرز مظهرين لامتزاج الدين بالسياسة في أمريكا في القرن العشرين تمثلا في حركة الحقوق المدنية بزعامة مارتن لوثر كينج في منتصف القرن، وصعود اليمين المسيحي منذ الستينيات؛ فكانت الكنائس هي مركز اجتماعات حركة الحقوق المدنية، وكان معظم زعماء الحركة في الجنوب من رجال الدين، كما أن شعارات واستراتجيات الحركة كثيراً ما نبعت من قصص الكتاب المقدس، مثل المسيرات الحاشدة التي كانوا يقومون بها مستلهمين قصة الزحف نحو أسوار أريحا في العهد القديم، أما "مارتن لوثر كينج" ذاته فقد كان يريد أن تكون أمريكا أمة مسيحية تقيم العدل كما وهبه الله. أما اليمين المسيحي فقد بدأ محاولاته في الستينيات للتأثير على السياسة في أمريكا، وفي 1979 أنشأ القس "جيري فالويل" منظمة "الأغلبية الأخلاقية" التي تناهض الإجهاض، وتدافع عن القيم الأسرية، والأمن القومي، وأمن إسرائيل، ودعا "فالويل" المسيحيين إلى استعادة أمريكا من الساسة العلمانيين. واجتذبت "الأغلبية الأخلاقية" ملايين المؤيدين في أمريكا، واعتبرهم الرئيس الأمريكي الأسبق "ريشارد نيكسون" الأغلبية الصامتة في أمريكا"، كما يرجع الكثيرون نجاحات الحزب الجمهوري -ابتداء من انتخاب رونالد ريجان رئيساً عام 1980- إلى التأثير الفعال لليمين المسيحي و منظمة"الأغلبية الأخلاقية" بزعامة القس "فالويل."
هذا الصعود لليمين المسيحي الإنجيلي في أمريكا كان مؤذناً بدور كبير للدين في أهم حدث داخلي في السياسة الأميركية؛ وهو انتخابات الرئاسة، فصار الدين عاملاً مهماً في توزيع خرائط الناخبين و رسم إستراتجيات المرشحين وبرامجهم، أما السياسة الخارجية لهذه القوة العظمى فصار الدين فاعلاً لها أو متفاعلاً معها؟ أي إن الساسة الأواخر في أمريكا وجدوا أن "علمانية" المؤسسين الأوائل لا تناسب السياسة المعاصرة، وأن الفصل بين الدين والسياسة أضحى نظرياً أكثر منه عملياً، ولهذا قصة أخرى، نعرضها في مرة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.