- يبدو أن قدر الوطن أن يصبح فى حالة امتحان دائم لمدى قدرته على امتصاص الصدمات والأزمات التى تلم به.. فما من فتنة أو حريقة تشتعل هنا أو هناك ويبدأ التعامل معها حتى تشتعل أخرى عن قصد وبفعل فاعل.. بغية أن يستمر فى حالة احتقان وتحت ضغط دائم.. حوادث الفتنة الطائفية ما إن تنتهى فتنة حتى تطفو على السطح فتنة أخرى.. إشعال النار فى الكنائس وهدم أخرى ومصادمات بين مسلمين ومسيحيين، وبلطجة وغياب أمنى ومظاهرات واعتصامات فئوية.. خلال 8 شهور منذ قيام ثورة 25 يناير والمجلس العسكير يواجه تحديات خطيرة وضغوطاً لا حصر لها بسبب كم الحرائق التى تشتعل فى كيان الوطن، وقدره أن يواجه ويتحدى تلك الصعاب متمسكاً بضبط النفس، حتى تصل السفينة إلى بر الأمان، أصبح المجلس العسكرى مجيداً لدور رجل الإطفاء قد يصل فى الوقت المناسب للإطفاء، وقد يصل وقد باتت النيران تأكل الأخضر واليابس فى ظل غياب حكومى متعمداً ولضعف الصلاحيات التى تمت لها من قبل هذا المجلس الذى يقوم بدور التشريع والحكم فى الوقت نفسه، اعتصامات وإضرابات للأطباء والمدرسين وعمال الشركات والعاملين بهيئة النقل العام.. والعاملين فى بعض الوزارات والمراقبين الجويين وغيرهم ثم أخيراً وليس آخراً فتنة القضاء بين المحامين والقضاة!! فى تطور دراماتيكى لأزمة قانون السلطة القضائية المزمع إصداره، قام بعض المحامين بغلق بعض المحاكم بالجنازير ومنعوا القضاة والموظفين والمواطنين من الدخول احتجاجاً على مشروع القانون، الذى ينتقص من الضمانات الممنوحة لهم طبقاً لقانون المحاماة.. وأمام هذا الموقف أصدر نادى القضاة توصياته إلى القضاة بتعليق الجلسات حتى يأمنوا على أنفسهم، فى الدخول والخروج من وإلى مقر عملهم وألقوا بالمسئولية على المحامين.. القضاء والمحامون هما جناحا العدالة ولا يمكن أن يكونا أدوات حرق الوطن، ولا يتصور عاقل أن القضاة يمكن أن يعطلوا العمل فى المحاكم أو يضربوا عن العمل.. أن يضرب القضاة عن العمل فتلك سابقة لم تحدث فى تاريخ الوطن ولا أتصور أن يستجيب أحد لتلك الدعوة لأن قضاء مصر شامخ وقضاتها أمناء شامخون لا يبتغون غير وجه الله ووجه العدالة من أجل تحقيق العدل وإنصاف المظلومين.. لماذا تصاعدت الأحداث بهذا الشكل المتسارع بين القضاء الجالس والقضاء الواقف لتصل إلى تعطيل العمل بالمحاكم!!.. ولماذا كل هذه الثورة ومشروع القانون هو مجرد أفكار أو اقتراحات واجتهادات لم يتم إقرارها ولم تعرض على المجلس الأعلى للقضاء.. ولم يحل إلى وزير العدل لتقديمه فى صورة مشروع قانون إلى مجلس الوزراء لبحثها وإقرارها ثم عرضها على المجلس العسكرى لإصدار مرسوم بقانون السلطة القضائية.. فهل يستمر مشروع القانون بشكله الحالى أم سيراعى مطالب المحامين بعدم المساس بقانونهم الخاص؟ المحامون يرون أن القانون ينزع حصانة المحامى التى كفلها له قانونه الخاص، حيث كفل قانون المحاماة حصانة للمحامى خلال الجلسات.. وجاء مشروع السلطة القضائية ليمس تلك الحصانة بما يتعرض له، وربما يؤدى به إلى الحبس فى حالة الإخلال بنظام الجلسة وهذا معنى «مطاطى» يخضع لرأى ورؤية القاضية.. مما أثار غضبة المحامين وأخذوا فى التصعيد إلى حد غلق بعض المحاكم بالضبة والمفتاح.. قانون نقابة المحامين يمنع معاقبة المحامى بسبب رأيه أو انفعاله أثناء تأدية عمله، لأنه يحاول بكل الطرق القانونية وأساليب التعبير إقناع القاضى من أجل براءة موكله.. فهل يليق بأن يدخل المحامى الجلسة مدافعاً عن المتهم لينتهى به الحال بسبب أو آخر فى القفص متهماً إلى جانب من يدافع عنه؟! هناك حالات من المشاحنات والانفعالات المتبادلة بين القاضى والمحامى ولكن أن يصل الحال بالمحامى إلى أن يوضع داخل القفص بسبب ما يسمى بالإخلال بنظام الجلسة.. وأولى بالقاضى أن يقوم بكتابة مذكرة وعرضها على النيابة للتحقيق والبت فيها حفاظاً على حق وكرامة المحامى وفى الوقت نفسه يحصل القاضى على حقه، لأنه لا يجوز أن يصبح نفس القاضى خصماً وحكماً. لا يجوز أن تتحول الأزمة إلى مباراة بين المحامين والقضاة لتعطيل مصالح المواطنين فهذا لا يليق بمقام شعب مصر العظيم وثورته المباركة.. فالمحامى الذى أغلق المحكمة مخطئ والقاضى الذى استجاب لنداء نادى القضاة بتعليق الجلسات مخطئ أيضاً، لأن المواطن الذى يلجأ إلى المحاكم.. والمتهم المعروض على القاضى هم أكثر من أضير بهذه الأحداث المتصاعدة بسبب انيحاز كل طرف لرأيه.. ليقل لنا السادة جناحا العدالة من القضاة والمحامين ما ذنب المتقاضين الذين تعطلت مصالحهم.. وما ذنب المتهمين الذين ينتظرون محاكمة عادلة قد تخرج بهم إلى نسيم الحرية؟ فهل تضيع الحقوق بسبب هذا الإضراب الذى يمكن الوصول إلى حل يرضى الطرفين إذا حسنت النوايا وانتهت حالة التربص بين المتصارعين، لا أعتقد أن القاضى والمحامى قد اتفقا على المواطن لأنهما حريصان على أن يحصل كل متقاض على حقه.. لايزال غلق المحاكم أمراً غير مبرر وغير معقول وكذلك تعليق الجلسات أمراً مرفوضاً لأن هناك طرفاً ثالثاً أضير فى حقه ولا ذنب له لهذا الصراع التاريخى بين شركاء العدل. لا أظن أن هناك تعمداً للإضرار بحصانة المحامى فى عمله داخل المحكمة، فهذا حق دستورى وحق أقرته المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر ويمكن نزع فتيل الأزمة وتجنب إحدى الحرائق الجديدة فى الوطن لو تم إلغاء المادة 18 من مشروع القانون الذى أعده المستشار أحمد مكى.. فالمحامى ليس من الأدوات المعاونة للقاضى فى عمله من الإداريين وسكرتيرى الجلسة والخبراء، ولكنه الوجه الآخر للعدالة ولابد أن تصان كرامته وأمنه على حياته ووضعه أمام موكله.. فإذا دخل المحامى الجلسة خائفاً مرتعشاً فكيف سيقوم بأداء عمله للحصول على حق موكله؟ ليخرج المجلس العسكرى الذى أجاد دور رجل الإطفاء منذ قيام الثورة ويعلن تأجيل بحث مشروع قانون السلطة القضائية لحين إجراء الانتخابات واستقرار البلاد.. وليعرض القانون بعد ذلك على مجلس الشعب المنتخب الجديد.. لأنه لا وجه للضرورة من أجل إصدار قانون استثنائى بمرسوم.. لا وجه للعجلة فى ظل غياب الدستور. أيها السادة القضاة لا أحد ينكر عليكم إصدار قانون يحقق استقلال القضاء.. ولكن فى الوقت نفسه وقت انتظرتم أكثر من 25 عاماً منذ مطالبتكم به منذ مؤتمر العدالة الأول عام 1986.. فلماذا لا تنتظرون شهوراً قليلة حتى يأتى البرلمان الجديد والدستور وتصل مصر إلى بر الأمان فى ظل حكومة ورئيس منتخب.. يا حكماء الوطن ويا شيوخ القضاة وشيوخ المحامين عليكم وأد الفتنة ونحن نمر بهذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن.. لابد وأن نحفظ للقاضى أمنه وكرامته وكذلك للمحامى أمنه وكرامته داخل قاعة المحكمة دون خوف أو رهبة.. فلن تستقيم العدالة دون جناحيها الواقف والجالس.. اطفئوا نار الفتنة، حتى لا تحترق مصر بيد من يحبها.. لابد وأن يتواصل الطرفان ويحلوا الأزمة والخروج منها إلى بر الأمان.. فهذه الأزمة لن تكون الأولى والأخيرة مادام هناك عمل مشترك احموا مصر يا حماة العدل.. وعلى المجلس العسكرى أن يقول كلمته سريعاً قبل أن تتصاعد الأزمة وتصل إلى الانتخابات ونحن على أبوابها، قليل من الصبر وسعة الصدر وضبط النفس حتى لا يحترق الوطن.