وصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى العراق، بعد إعرابه في البحرين عن عدم ثقته بإيران، واستبعاده حدوث انفراج حقيقي معها. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي في بغداد أنه سيؤكد "الدعم القوي للحكومة العراقية فيما يتعلق بالأمن والاقتصاد والتحديات السياسية". كما جاء في بيان للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي أن كيري سيسلط الضوء على دعم واشنطن القوي للحكومة العراقية، التي تواجه تحديات أمنية واقتصادية وسياسية كبيرة. وقال مسؤول أمريكي كبير في واشنطن للصحافيين، قبل أن يتوجه كيري إلى العراق في طائرة عسكرية أمريكية، إن "المشاحنات السياسية في العراق.. هي بالطبع قضية تقلقنا"، وأضاف أن كيري يعتزم حث العراقيين على ألا ينسوا خلال بحثهم التعديل الوزاري ضرورة مواصلة التركيز على المعركة ضد "داعش". وجاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي المفاجئة إلى بغداد، عقب حضوره اجتماعا مع نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة البحرينية. كما أنها تتزامن مع دراسة البنتاغون إنشاء المزيد من المواقع العسكرية الصغيرة لمساعدة القوات العراقية في جهودها لاستعادة الموصل. كذلك، فإن الزيارة تأتي قبيل انتهاء مهلة التصويت على تشكيلة رئيس الوزراء حيدر العبادي الوزارية، والتي قدمها إلى البرلمان قبل أسبوع. كل هذا يأتي في اليوم نفسه، الذي دعت فيه كتل عراقية داعمة للمبادرة، التي أطلقها زعيم المجلس الإسلامي الأعلى السيد عمار الحكيم، إلى تنظيم تظاهرات وصفتها ب"المليونية" في 14 محافظة. والذي التقى أخيراً بعدد من السفراء والشخصيات الدبلوماسية، كان آخرها لقاؤه مبعوثَ الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي بيرت ماغورك، الذي أثنى على مبادرة الحكيم بشأن الإصلاحات والتعديل الوزاري المرتقب. كما التقى الحكيم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش، وسلمه نسخة من المبادرة، التي أشاد بها الأخير، ورأى فيها "خريطة طريق تضمن حقوق الجميع"، حسب بيان صادر عن المجلس. ومن المعلوم أن مبادرة الحكيم، التي دعا إلى تنفيذها بعد تقديم العبادي تشكيلته الوزارية، وبعد إنهاء السيد مقتدى الصدر اعتصامه، تختلف في بنودها عن مطالب الصدر، وتبتعد عن تشكيلة العبادي. وهي تعبر عن وجه آخر من وجوه الخلاف والتنافس بين أطراف "التحالف الوطني"، التي بدأت تنزل تباعاً إلى الشارع، بعد أن كان الخلاف محصورا داخل اطر "التحالف الوطني". وملخص مبادرة الحكيم، كما يرى مراقبون، يتمثل في عدم الخروج عن بنية العملية السياسية مع خروج حزب "الدعوة" من قيادة التحالف الوطني وقيادة الحكومة. والحكيم بمبادرته هذه يضع العبادي أمام خيار الاستقالة إما من الحكومة أو من حزب "الدعوة"، وهو في هذا يضع العصا في عجلة تشكيلة العبادي الوزارية من جهة؛ ويتناغم مع رغبات النواب من جهة أخرى؛ لكنه في الوقت نفسه يبقى مبتعدا عن مراد الصدريين. ويرى, المحلل السياسي طه عناد الجبوري أن مبادرة الحكيم لا تمثل عائقاً للعبادي فقط بل للصدر أيضا. إذ إن "تحركات الحكيم الأخيرة، والغزل القائم بينه وبين مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، فضلاً عن محاولته تجميع القوى الشيعية ضد غريمه الصدر، تؤكد أن المجلس الإسلامي الأعلى يحضّر لمفاجأة تنتهي بإطاحة حيدر العبادي من رئاسة الوزراء". وقد استبق السيد مقتدى الصدر تداعيات مبادرة الحكيم وتظاهراته، ودعا إلى أن تكون جلسة التصويت على التشكيلة الوزارية الجديدة، التي قدمها العبادي، علنية. ولعل دعوة الصدر هذه تكشف عن نيته العودة إلى الاعتصام ضد مجلس النواب أو ضد النواب، الذين يرفضون التصويت على تشكيلة العبادي. كما أن دعوة الصدر تحرج الرافضين لتشكيلة العبادي أفرادا وجماعات. والصدر هنا يضغط في اتجاهين: أحدهما ضد نواب المجلس مساندا في ذلك العبادي من جهة؛ ومن جهة أخرى يضغط ضد مبادرة الحكيم، التي ترفض تشكيلة العبادي، وتساند بنية المحاصصة الطائفية والقومية. من جانبه، كشف رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري عن توافق الكتل السياسية على بقاء العبادي؛ موضحاً أن هذا التوافق يقضي بأن تقدم المكونات السياسية مرشحيها، ولرئيس الوزراء أن يضع الضوابط، وهو من يوافق في نهاية المطاف، ويقدم تشكيلته إلى مجلس النواب لاحقًا. ومبادرة رئيس مجلس النواب تقترب من مضمون تقرير لوكالة رويترز، تحدث عن دخول الولاياتالمتحدة وإيران في تحالف ضمني لدعم العبادي. وقد نقل التقرير عن سجاد جياد، وهو محلل يقدم المشورة إلى رئيس الوزراء، قوله إن "الأمريكيين والإيرانيين والسيستاني كان لهم جميعا الرأي نفسه بإبقاء العبادي في السلطة، وتعيين وزراء جدد". ويبقى السؤال: كيف تحظى مبادرة الحكيم بتأييد واشنطن وطهران والأمم المتحدة، في الوقت الذي تدعم فيه واشنطن العبادي، المتمسك بتشكيلته الحكومية؟ وهل تدفع واشنطن وإيران الجميع إلى صفقة سياسية بعيدا عن خلاف "الإخوة الأعداء"؟ خلاف العراقيين في التصويت على حكومة التكنوقراط يشبه خلاف اللبنانيين حول انتخاب الرئيس، رغم أن الوضع لا يسمح باختيار رئيس وإن كثرت الترشيحات، ولا لحكومة أن تنجح وان كثرت مبادرات الأطراف السياسية.