قبل الثورة، كنا نقول كلما وقعت كارثة في البلاد، إن هناك أصابع خفية تحركها فئة مندسة تحرض علي مثل هذه الكوارث، مثلما حدث في أعقاب أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، أو ثورة العمال في المحلة الكبري.. وهناك غيرهما أحداث كثيرة وقعت قبل الثورة. وبعد الثورة، صرنا ندعي أن الكوارث التي تحل بنا، وراءها الثورة المضادة أو دول أجنبية تحركها أو أياد خفية تمتد إليها أو ... أو ... إلي آخر هذه المبررات غير المعلومة وغير المعقولة. ما هي هذه الأصابع التي تعبث بمصير الشعب المصري؟ ومن هم أعضاء الثورة المضادة؟ ومن الذي يحركهم؟ وما هي الدول التي تريد لنا الدمار؟ وكيف تسعي لإشاعة الفوضي بين الناس؟ أسئلة كثيرة لم نجد لها ردًا، لا قبل الثورة ولا بعدها، الأمر الذي يستشف منه أن الفاعل، سواء قبل الثورة أو بعدها، واحد وإن اختلفت الأهداف. في تقديرى أن محرك الأحداث، سواء قبل الثورة أم بعدها معلوم للكافة. الدولة في الماضي دأبت علي استغلال جيوش من البلطجية لإشاعة الفوضي بين الناس، سواء في الانتخابات أم غيرها من الاحتقانات الشعبية المختلفة. معروف أن أول من استغل البلطجية، كانت هي أجهزة الأمن، ثم استعملهم بعد ذلك رجال الحزب الوطني. هؤلاء البلطجية كان لهم في الماضي دور معروف في بطش رجال الأمن بأفراد الشعب وفرض السيطرة عليهم، كما كان لهم دور أيضاً في مساندة رجال الحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية. وفي اعتقادي أنهم حالياً يتم استغلالهم من قبل فلول الحزب الوطني، لإحداث الفوضي في الشارع المصري، وفي المقابل يتحصلون علي رواتب وأجور مجزية في سبيل تحقيق ما يكلفون به. أعود فأقول، إن العلاقة بين البلطجية ورجال الأمن أو فلول الحزب الوطني، علاقة متصلة لم تنقطع، سواء في مرحلة ما قبل الثورة أم بعدها، فكما كان رجال الأمن في الماضي كثيرًا ما يستغلوا البلطجية في أعمال العنف والشغب للبطش بأفراد الشعب، فإن فلول الحزب الوطني الآن أكثر استعمالاً للبلطجية، لإشاعة الفوضي الحالية، فهي الأمل الوحيد لديهم لعودتهم مرة أخري إلي السلطة. لقد اغترف العديد من أعضاء الحزب الوطني وأنصاره المليارات من دماء الشعب المصرى، ولن يبخلوا أبداً ببضعة ملايين، في سبيل استعادة مكانتهم مرة أخرى، ولو كلفهم ذلك هدم هذا الشعب وإشاعة الفوضي. وإذا كانت فلول الحزب الوطني تقف وراء أعمال الفوضي هذه الأيام، فهناك أيضاً دول خارجية تساعدها جهات داخلية، تستهدف أمن مصر، فلا شك أن إسرائيل فقدت حليفًا حميمًا لها في مصر بعد الثورة، هذا الحليف كان يحقق لها كل ما تطمح فيه، وبعد زوال هذا الحليف، ومع غموض المستقبل في مصر، خاصة أن هناك التيار الديني المتشدد، فإن إسرائيل لديها من الأسباب ما يدفعها لإشاعة الفوضي في الشارع المصري، لإجهاض الثورة، لعلها تتمكن من إعادة العجلة مرة أخرى إلى الوراء. ولو أضفنا إلى ذلك أن هناك من الدول المحيطة بنا من لا يرضى بنجاح الثورة فى مصر، لأن نجاح الثورة المصرية بالنسبة لهم، فى حقيقة الأمر هو تشجيع لشعوب هذه الدول لكى يقوموا بثورتهم ضد حكامهم. من هنا نجد أن هذه الدول أيضاً لديها دوافع قوية لإجهاض الثورة فى مصر والقضاء عليها بمعاونة بعض ضعاف النفوس من المصريين الذين يقبضون الملايين فى سبيل تحقيق هذا الهدف القذر. يبقى لنا أن نتساءل - بعد كل ما سبق - إذا كان الأمن يعرف البلطجية فرداً فرداً، ويعرف أيضاً من ورائهم من فلول الحزب الوطنى، وكذا يعرف الدول التى لا يرضيها نجاح الثورة فى مصر، وإذا كان لدينا فى مصر - خلافًا للشرطة - أجهزة أمن عديدة، فهناك المخابرات العامة وهناك المخابرات العسكرية وهناك الأمن العام، وهناك مباحث الأموال العامة وغيرها الكثير من الأجهزة الأمنية العديدة المنتشرة فى البلاد. فكيف لنا رغم كل هذا أن ندعى أن الفاعل فى كل الأحداث السابقة، سواء قبل الثورة أم بعدها مازال مجهولاً. هل من المعقول أن جميع أجهزة الأمن في مصر عاجزة عن ضبط البلطجية أو ضبط من يحرضهم، سواء من الداخل أو من الخارج؟ فعلى سبيل المثال، هل من المعقول - فى ظل أحداث ماسبيرو الأخيرة - أن ندعى وجود أشخاص أطلقوا النار من أعلى كوبرى أكتوبر على المتظاهرين، أن ندعى أن هناك من استولى على سيارات الجيش وقام بدهس المتظاهرين؟ أو ندعى أن هناك من اندس بين المتظاهرين واعتدى على الجيش بالضرب وإلقاء الحجارة، بل والقتل أيضاً، هل من المعقول أن ندعى كل هذا، دون أن نعرف حتى الآن من هم الذين يقفون وراء كل هذه الأحداث!! إنها أمور لها العجب حقًا!! نلقى فى كل مرة بالمسئولية على الأيادى الخفية أو الفئة المندسة، رغم علمنا اليقينى بمن هم الأيادى الخفية ومن هم الفئة المندسة، لمصلحة من هذا السكوت المريب؟